بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو اليوم، مفاوضات مشتركة لبحث العلاقات الثنائية وسبل تطويرها. ومن المتوقع أن يوقع الطرفان “إتفاقية” جديدة في هذا الشأن.
يُمكن اعتبار “الصفقة/ الإتفاقية” المُرتقبة، والتي لا يزال الطرفان يعملان على صياغتها النهائية، ثمرة تبادل رسائل جرت مؤخراً بين بوتين من جهة، والمرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، آية الله علي خامنئي من جهة ثانية.
ووفقاً للسفير الإيراني في روسيا، كاظم جلالي، فإن ما يمكن أن ينبثق عن لقاء الأربعاء سيكون بمثابة نسخة مُحدثة من معاهدة عام 2001 “القانون القائم على أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والإتحاد الروسي”.
وعن هذه الوثيقة يقول جلالي إنها ستكون “مختلفة” عن الصفقة الإيرانية – الصينية والتي مدتها 25 عاماً. وإنها، على عكس الأخيرة، يجب على البرلمان الإيراني المُصادقة عليها كـ”معاهدة”.
أبعد من مجرد صفقة جديدة
إيران سوف تضع الإتفاق الجديد المرتقب ضمن أهم نتاج زيارة رئيسي لروسيا، وكدليل على استمرار وديمومة التوجه الذي بدأته إيران بإنضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في بداية فترة ولاية الرئيس الحالي.
إعادة الإعمار في سوريا والمصالحة الوطنية في أفغانستان والوضع الأمني الهشّ في جنوب القوقاز.. على رأس جدول المفاوضات الإيرانية- الروسية
وفي الواقع، تريد إيران أن تُثبت أنها ليست دولة معزولة، وأن جهودها الدبلوماسية يمكن أن تكون وتبقى فعَّالة في تحقيق بعض النجاحات لطهران. ومع ذلك، يجب أن لا يتم التعامل مع زيارة رئيسي إلى موسكو اليوم على أنها مجرد عمل احتفالي.
فعلى الأرجح، رئيسي لم يذهب إلى روسيا فقط للتفاوض على صفقة جديدة. سيكون ذلك بمثابة ذريعة مناسبة لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا وتنسيق المواقف حول مختلف الموضوعات الثنائية والإقليمية، مثل إعادة الإعمار في سوريا والمصالحة الوطنية في أفغانستان والوضع الأمني الهشّ في جنوب القوقاز.
صحيح أن الإتفاقية الجديدة المرتقبة سوف تخلق إطاراً جديداً لتطوير العلاقات الثنائية، غير أنه يجب أن لا ننسى أن العلاقات الروسية الإيرانية تتعدى العقود والشروط القانونية والأسس الإستراتيجية غير المكتوبة التي وضعها قادة البلدين.
التفاهم المتبادل
منذ وصول بوتين إلى السلطة، شهدت العلاقات الروسية الإيرانية تطوراً ملحوظاً، لاسيما في مجال التعاون الأمني، ومواجهة التهديدات المشتركة وصفقات الأسلحة. بالطبع، كان المجال الأمني؛ وسيبقى؛ القاسم المشترك للتفاهم الأسرع والأقوى بين البلدين.
وبما أن روسيا لا تعترف؛ ولا ترغب؛ في إطالة حالة “أحادي القطب” التي تفرضها الولايات المتحدة على حظر الأسلحة الإيرانية، فإن الحصول على الأسلحة الروسية، وخاصة المقاتلات النفاثة الحديثة، أمرٌ بالغٌ الأهمية بالنسبة لطهران.
وتفيد تقارير بأن طهران وموسكو قد توقعا إتفاقية تعاون أمني ودفاعي بقيمة 10 مليارات دولار، بما في ذلك شراء مقاتلات Su-35 وصواريخ S-400 روسية الصنع. وإذا ما تم إبرام هذه الصفقة خلال زيارة رئيسي، فإن الأسلحة الهجومية والدفاعية الروسية الجديدة ستُعزز من قوة الردع لدى طهران ضد التهديدات التي تشكلها إسرائيل. كما أنها ستكون الحالة الأبرز في تحدّي العقوبات الأميركية.
روسيا ترغب في التخلص من حالة “أحادي القطب” التي يفرضها الأميركي.. ومستعدة لمساعدة طهران من حين لآخر في الإلتفاف على العقوبات الغربية
وبرغم وجود بعض الشكوك حول قدرة إيران على شراء أسلحة روسية، لكن هذا ليس بعقبة خطيرة لا يمكن تخطيها. فبإمكان إيران أن تعرض صفقة مقايضة النفط مقابل السلاح، أو تُسدد مدفوعات من عائدات النفط المستحقة على الصين، غير المُسددة حالياً، والتي يبلغ مجموعها أكثر من 20 مليار دولار.
ومع ذلك، تبقى القضايا الاقتصادية والتجارية موضع إشكالية في العلاقات الثنائية. فروسيا لم يكن لها يوماً مصلحة كبيرة في الاقتصاد الإيراني، وهي عادة تحاول تجنب انتهاك العقوبات المفروضة على إيران. لكن موسكو مستعدة لمساعدة طهران؛ من حين لآخر؛ في الالتفاف على العقوبات الغربية، وتقويض هذه العقوبات.
وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المُكثفة لإحياء الإتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ترى طهران أن إحياء “الخطة” ورفع العقوبات طويل الأمد هما أمران منفصلان.
حتى بعد التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، ستظل بعض العقوبات المفروضة على إيران قائمة. ومن شبه المؤكد أن مجالات الخلاف الأخرى بين واشنطن وطهران، مثل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي، ستؤدي إلى عقوبات جديدة في المستقبل.
وفي هذا الخصوص، يرى حلفاء إقليميون للولايات المتحدة إنه من “الخطر” فصل الاتفاق النووي عن برنامج الصواريخ الإيراني، وعن سلوك إيران الإقليمي”، لاسيما مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق، والمزايا الاقتصادية المرتقبة لخطة العمل الشاملة المشتركة لإيران، مثل عائدات النفط الجديدة.
الطموحات الرئيسية
بصرف النظر عن صفقات الأسلحة، التي تبدو مؤكدة، فإن أحد طموحات رئيسي الرئيسية في موسكو – كمبعوث غير مباشر ولكن جدير بالثقة للمرشد الأعلى – سيكون تشجيع بوتين على تعزيز التجارة الثنائية وتعزيز المشاركة الاقتصادية الروسية في مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني.
وتأمل الجمهورية الإسلامية أن تؤدي التوترات المتصاعدة حالياً بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا إلى تشجيع الكرملين على إعادة تقييم علاقته بـ”حليفه” الرئيسي في الشرق الأوسط، وزيادة جهوده لمساعدة إيران على تحسين وضعها الاقتصادي السيئ.
إن تحديد مصير القرض الروسي الموعود بقيمة 5 مليارات دولار، وتوريد بعض النفط الإيراني للأسواق العالمية من خلال شركات روسية، ووضع صفقة جديدة للنفط مقابل البضائع، وزيادة التجارة الثنائية القياسية الحالية من 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار، وتبادل أعمال تجارية بالعملات الوطنية.. كلها مطالب من الجانب الإيراني على الأرجح.
نائب وزير الخارجية الإيراني للدبلوماسية الاقتصادية، مهدي سفاري، هو الدبلوماسي الأكثر خبرة في فريق رئيسي الزائر، وسيلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً في إدارة المفاوضات. وكان سفاري قد شغل منصب سفير بلاده لدى الصين وروسيا، وهو يؤمن بسياسة خارجية إيرانية متوازنة من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية والأمنية مع روسيا والصين.
فرصة لبوتين
الاجتماع مع رئيسي في موسكو سيكون مناسبة مهمة أيضاً لبوتين. فالرئيس الروسي يحتاج إلى محادثات جادة خلف أبواب مغلقة مع الرئيس الإيراني حول خطوات إيران النووية المستقبلية، وتوجهات السياسة الخارجية والاقتصادية بعد تخفيف العقوبات المحتمل، والفرص الاقتصادية التي تكون إيران مستعدة لتقديمها لروسيا والعكس صحيح.
إيران ترى في أزمة أوكرانيا “فرصة” لتشجيع الكرملين على إعادة تقييم علاقته بها كـ”حليف” رئيسي في الشرق الأوسط، ومساعدتها على تحسين وضعها الاقتصادي
وتزويد رئيسي بالسلاح والصفقات الاقتصادية سيكون بمثابة فرصة لبوتين لإصلاح صورة بلاده أمام الرأي العام الإيراني. فخلال السنوات القليلة الماضية، انتقد جزء كبير من الجمهور والنخبة في إيران، بما في ذلك كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، نهج روسيا الثنائي والمتعدد الأطراف تجاه إيران.
ويجب معالجة النقطة الأخيرة بشكل استباقي، مع عمل الجانبين على زيادة الثقة والاحترام المتبادلين على مستوى الدولة وخلق منصات لتوسيع العلاقات غير الحكومية.
وعلى المدى القصير، يأمل رئيسي أن تعزز زيارته لروسيا رأس المال السياسي والاجتماعي لحكومته.
ومع ذلك، على المدى الطويل، سيعتمد تنفيذ الاتفاقية والصفقات الجديدة المرتقبة على مدى قدرة طهران وموسكو على التغلب على تدخل عوامل الطرف الثالث – مثل العقوبات والعلاقات مع الغرب – وتحديد الأهداف بشكل واقعي.
(*) النص الأصلي بالإنكليزية على موقع “ميدل إيست آي“. أعد التقرير فاردين افتخاري، طالب دكتوراه في قسم الدراسات الإقليمية في جامعة طهران. ومتخصص بالأمن القومي الإيراني وصنع السياسة الخارجية.