على مدى أكثر من شهر، وتحديداً منذ إستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، كان وزير خارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح على تواصل دائم مع كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب. أبلغهما نيته زيارة بيروت فور إنتهاء فترة الأعياد المجيدة (الميلاد ورأس السنة) وأنه سيأتي ليس بصفته ممثلاً لبلده وحسب بل بصفته ممثلاً لدول مجلس التعاون الخليجي. وبالفعل وصل الوزير الكويتي بالأمس (السبت) وإجتمع على مدى أقل من 24 ساعة بكل من الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان الللبناني نبيه بري ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وأبلغهم أن دولة الكويت “تريد مساعدة لبنان ولكن عليكم ان تساعدوننا بمساعدة أنفسكم”، ودعاهم إلى التعامل بإيجابية مع المبادرة التي يحملها “لإعادة بناء الثقة”، وإعتبرها “فرصة سانحة عليكم التعاطي معها بجدية”، وهذه العبارات كرّرها وزير الخارجية الكويتي في لقاءاته مع عون وبري وميقاتي والوزير بو حبيب، مع حرص الوزير الكويتي على التأكيد انها مبادرة خليجية وعربية ودولية تحظى بموافقة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الأردن ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، وباللغة الدبلوماسية، قال الوزير الكويتي إنه يحضر الى لبنان، وعلى وجه السرعة، بصفته “موفداً خليجياً وعربياً ودولياً” ويجب التعامل مع مبادرته “على هذا الأساس”.
وأعطى الوزير الكويتي مهلة للحكومة اللبنانية لتقديم جواب خطي على المبادرة في مهلة أقصاها تاريخ التاسع والعشرين من الشهر الحالي، وهو التاريخ الذي تستضيف فيه دولة الكويت الاجتماع التشاوري لمجلس وزراء الخارجية العرب بصفتها رئيسة الدورة الحالية للمجلس الوزاري العربي، على أن يحمل وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب المدعو الى الاجتماع، أجوبة الحكومة اللبنانية بحيث يصار إلى عرضها على الاجتماع ايذانا ببدء مسار مختلف من التعاطي العربي والدولي مع لبنان، علماً أن لبنان سيتسلم بشخص وزير خارجيته رئاسة المجلس الوزاري العربي في دورته المقبلة.
واللافت للإنتباه في كلام الوزير الكويتي امام القيادات الرسمية اللبنانية، تذكيره بالموقف التاريخي للرئيس الدكتور سليم الحص من الاحتلال العراقي للكويت في العام 1990، وانه كان اول موقف لبناني وعربي ودولي يدين الغزو، في اشارة إلى ان المطلوب من لبنان في تعامله مع الدول العربية ولا سيما الخليجية منها، كما في المواقف التي يتخذها، استلهام هذا الموقف التاريخي لسليم الحص الذي لن تنساه الكويت أبداً.
المبادرة الخليجية والعربية والدولية) مؤلفة من صفحتين “فولسكاب” وتتألف من عشرة بنود، والهدف منها “اعادة الثقة بين لبنان ودول الخليج”، وترتكز على القرارات الدولية (ولا سيما القرار 1559) وقرارات جامعة الدول العربية واتفاق الطائف، وعندما كان الوزير الكويتي يهم بتسليمها الى كل من الرؤساء الثلاثة (عون وبري وميقاتي) والوزير بو حبيب، ردّد عبارة “نعوّل اهمية على موقف لبنان من هذه المبادرة”، لان الهدف “هو مساعدة لبنان واعادة الامور الى طبيعتها”.
اما فحوى البنود العشرة للمبادرة فتتضمن الآتي:
1-قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ إصلاحات شاملة.
2- الالتزام بتنفيذ اتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان.
3- شمول الإصلاحات جميع القطاعات ولا سيما الطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود.
4- العمل مع لبنان لضمان تنفيذ هذه الإجراءات.
5- أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية والعربية ذات الصلة.
6- ضمان ألا يكون لبنان منطلقا لأي اعمال ارهابية تزعزع استقرار وامن المنطقة، ومصدرا لتجارة وترويج المخدرات.
7- التأكيد على أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان.
8- إنشاء آلية مساعدات في إطار يضمن الشفافية التامة ويظهر العزم على إيجاد الآليات المناسبة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني.
9- ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية.
10- وقف العدوان اللفظي والعملي ضد الدول العربية وتحديدا الخليجية والالتزام بسياسة النأي بالنفس.
ويمكن تلخيص الموقف اللبناني الذي ابلغ مباشرة الى الموفد الكويتي بالآتي:
1-ترحيب لبنان بأي تحرك عربي من شأنه اعادة العلاقات الطبيعية بين لبنان ودول الخليج.
2-لبنان حريص على افضل العلاقات مع الدول العربية وخصوصا الخليجية.
3-المبادرة تجسّد العلاقات المميزة التي تجمع لبنان والكويت.
4- لبنان ملتزم اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية وكل القرارات العربية ذات الصلة.
5-هذه الورقة ستدرس بنداً بنداً، وستكون موضع تشاور لاعلان الموقف اللبناني المناسب منها.
وفهم أن الجانب اللبناني، ولا سيما رئيس الجمهورية، تحفظ على مضمون البند الخامس الداعي إلى تنفيذ القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات في لبنان، في إشارة مبطنة إلى نزع سلاح حزب الله. وإعتبر الجانب اللبناني أن قضية حزب الله وسلاحه ودوره الإقليمي “قضية إقليمية ودولية وليس قضية محلية”، مطالباً المحافل الدولية والعربية بتفهم موقفه هذا.
وما يمكن أن يسرّع في جعل المبادرة اكثر مرونة، هو مبادرة لبنان الى القيام بخطوة تعتبر “الخطوة المفتاح”، وهي وقف الحملات على الدول الخليجية لا سيما المملكة العربية السعودية، وهذا الامر سيخضع للقاءات مكثفة في الساعات والأيام المقبلة مع مختلف الفرقاء بعيداً عن الأضواء، وسيشارك فيها الرؤساء الثلاثة للوصول الى موقف لبناني موحد يحمله وزير الخارجية اللبناني الى الكويت نهاية الشهر الجاري، على ان التركيز اللبناني سيكون على وجوب عدم تفويت لبنان هذه الفرصة، خصوصا ان الوسيط هو الكويت بما يعني ان “النوايا ايجابية” و”ليست تصعيدية”.