مع القيصر في قصره.. و”قلبه”

أن تتسمر لأيامٍ وليالٍ أمام الشاشة الصغيرة بحثاً عن "قضية واحدة"، ستجد نفسك أمام أحد إحتمالين: نفور أو حماسة. مع فلاديمير بوتين، أنت محكوم بأن لا تروي عطشك؛ لذلك، لا بد من قرار في نهاية المطاف. يكفي هذا المنسوب من البحث.. وصار وقت الكتابة. هيا بنا.

مفتول العضلات. عاري الصدر. يمتطي حصاناً. تجده في البر على متن دبابة. في الجو على متن طائرة أو مقيماً في قلب غواصة في أعماق البحر. يغني عازفاً على بيانو. بلباس الجودو. بثياب السباحة في بركة جليدية. مع الكلاب والأسود والدببة. باكياً في نشوة نصر من أمام الكرملين أو رافعاً كأس التحدي في خيمة حربية في الشيشان أو غاضباً أو مازحاً أو حازماً أمام كاميرات العالم.. والرجل يعشق الكاميرا وتعشقه!

تجده بصوته العميق كغموض شخصيته أو بلحنه المراوغ وابتسامته الساخرة المستعلية، أو بصوته الجهوري القيادي أمام الجماهير في عيد النصر أو بنبرة الديكتاتور مخاطباً أصحاب الشركات والأموال في جلسة تأديب “الأوليغارشية“.. تجده متحدثاً بالألمانية أو الإنكليزية أو الروسية.. في مسقط رأسه لينينغراد (بيترسبورغ) أو في موسكو.. إبحث عنه في كل مكان، تجده في كل مكان، مستقبلاً، مودعاً، معانقاً، مصطاداً، حاملاً الورود والحيوانات.. هو في الحكم منذ عشرين عاماً ونيّف. تعرف عنه كل شيء لكنك لا تعرف شيئاً عنه.

يقيم في قصره الرخامي، في بلاد باردة وصاخبة، تقيم على جبل من تاريخ وحروب وحضارات وثقافات. وظيفته صنع روسيا جديدة. عالم جديد. حسبها الرجل جيّداً. عقله مدرّب لكأن ما يحدث الآن مرسوم في الماضي. بشّرنا منذ ثماني سنوات أنه عاجلاً أم آجلاً لن يسمح بأمركة حدوده الأوكرانية.

لا يشي سلوكه اليوم بأننا أمام رجل نعرفه البارحة. ما قبل أوكرانيا ليس كما بعدها. نظرته. خطابه. خططه. وسائله. كلها تغيّرت. غيّر الرجل روتينه بسبب الحرب وقلّص ساعات نومه السبع. لكن فلاديمير بوتين لطالما كان شخصاً ليلياً. ذهنه ينتج بشكل أفضل في المساء. يسهر حتى الفجر وينام حتى الظهر. لا يتخلف عن تمارينه الرياضية. ساعتان من السباحة يومياً. يفكّر خلالهما “عن روسيا” ولأجلها.

يمضي في طريق خاص من بيته إلى الكرملين. بحسب أحد الأفلام الوثائقية، هذا الطريق لا يستخدمه أحد سواه. ليس طريقاً عادياً يقطعه الأمن حتى يمر موكب الرئيس. لا. هو طريق مبني من بيته إلى مكتبه خصيصاً لكي يصل في غضون 25 دقيقة عداً ونقداً. يصل ويبدأ روتينه اليومي. تقارير الداخل والخارج. الإعلام العالمي، الروسي، ثم الخبر البوتيني. يقوم فريق بعرض كل البرامج التي تسخر منه شخصياً. المقالات التي تتناوله.. بعد ذلك تبدأ الإتصالات. راقبوا مواقيت تصريحاته واتصالاته في هذه الأيام الإستثنائية. لا يبدأ يوم بوتين العالمي إلا بعد الظهر. لا يحب الإجتماعات، ويقسّم نهاره إلى قطع من “ربع ساعة”. لا يتعاطى الهواتف الذكية. فريقه يتكفل بنقل المعلومات. يسافر كثيراً ومعه الحرس الرئاسي وطباخه. لا يأكل من مأدبة أحد إلا إذا دخل الحرس البوتيني المطبخ وأشرف طبّاخه على الأطباق وصناعتها ومكوناتها (وتذوقها). لكن قبل أن نكمل؛ هل تعرفون أن بوتين رجل عازب؟

طلاقه عام 2014 كان أنيقاً وبارداً فمرّ علينا مرور الكرام بلا دراما فضائحية. لم ننتبه. تعودنا مع الرؤساء الأميركيين أن نعرف عنهم وعن عشيقاتهم واختلاجات قلوب زوجاتهم.. ومع دونالد ترامب بتنا نعرف أحفاد الأقارب والجدّات. في روسيا، لا نعرف كثيراً عن حياة القيصر العاطفية. هل انتبهتم من قبل؟

هنا وجدت قصة مثيرة. يبدو أن صحافة “التابلويد” التي تناولت حياته الشخصية بما لم يعجبه، لم تعد موجودة. أغلقت. وحين سأله أحد في مؤتمر صحافي، زجره بعنف: “حياتي الشخصية، لا أسمح لكم”.. وفعلاً لم يسمح “لهم”.

يقيم بوتين في قصره الرخامي، في بلاد باردة وصاخبة، تقيم على جبل من تاريخ وحروب وحضارات وثقافات. وظيفته صنع روسيا جديدة. عالم جديد. حسبها الرجل جيّداً. عقله مدرّب لكأن ما يحدث الآن مرسوم في الماضي. بشّرنا منذ ثماني سنوات أنه عاجلاً أم آجلاً لن يسمح بأمركة حدوده الأوكرانية

باستثناء أنه كان فقيراً وكان يعمل في الإستخبارات الروسية في ألمانيا، لا شيء مؤكداً عن حياة بوتين الشخصية. لديه خمسة أولاد، من ثلاث نساء، تزوج الأولى فقط. المؤكد تماماً أن لديه ابنتين، لكنه لا يحكي ولا يؤكد ولا يظهر أي شيء عنهما منذ الصغر. لم يتجرأ أحد أن يسأله لماذا، ولا في أي مقابلة، لكن الأجرأ من بين العشرات ممن قابلوه، هو المخرج الأميركي أوليفر ستون. ربما لذلك صنع من اللقاءات كتاباً. يقول بوتين لمحاوره الأميركي، عن ماضيه ودخوله إلى الحكم في أيام الرئيس السابق بوريس يلتسين: “كان قراراً كبيراً سيغيّر حياتي. وضعت عائلتي في المجهول لأنني فكّرتُ أنني بعد الخروج من السلطة، لن أكون قادراً على حمايتهم، ولن يكون الأمن الوطني مسؤولاً عنهم”.

إذاً، الرجل الذي نتكلم عنه اليوم، خطّط منذ العام 1999 ألا يكون باستطاعتنا أن نجد اليوم أي شيء عن حياته الشخصية في محركات البحث.. خبّأ إبنتيه من زوجته الأولى ليودميلا حينها. ولاحقاً بعد الطلاق منها، قيل إن حبيبته من مدينته الأولى بيترسبورغ، واسمها سفيتلانا، أنجبت منه إبنة أسمتها لويزا فلاديميروفنا. ظهرت لويزا في الإنستغرام في صورة تشبه بوتين أيام الشباب، لينفجر الإعلام العالمي عن هذه الإبنة الثالثة، قبل أن تعود فتختفي كلها عن شبكة الإنترنت. سفيتلانا أم لويزا، بالمناسبة، صعدت إلى الثراء والسلطة بالتزامن مع المرحلة التي يقال إنها خلالها كانت حبيبته وهي شريكة في أحد المصارف الروسية. ثم تأتي بعد سفيتلانا قصة أم التوأم. المرأة الثالثة في حياته، بحسب الصحافة، هي بطلة لياقة بميدالية أولمبية ذهبية. رياضية روسية فاتنة تصغره بثلاثة عقود. أصبحت سياسية برلمانية لفترة من الزمن. اسمها ألينا كاباييفا. تخمينات صحيفة “دايلي مايل” البريطانية، تقول إن كاباييفا ولّدت توأم ذكور من بوتين في مستشفى كولاكوف بشكل سري وإستُدعي طبيب إيطالي لذلك. كل هذا في عالم التخمين لا اليقين.

هذا الإرتباك في حياته الخاصة يظهر بموقف طريف في مقابلات أوليفر ستون نفسها. يسأله، “زوجتك الأولى” ثم يرتبك ويصحّح لنفسه “أقصد زوجتك السابقة” ثم يرتبك مرة ثالثة ويصحّح لنفسه “أعني.. زوجتك الوحيدة”. إرتباك أوليفر ستون ثلاث مرات، يقابله إنعدام أي تعبير على وجه فلاديمير بوتين.. “بوكر فايس” وصفه جون ماكاين حين سئل عنه. قال وجدت في وجهه ثلاثة حروف: “كي. جي. بي”.

يقول الإعلام الأميركي إن بوتين مجبر أن يبقى في الحكم طالما هو على قيد الحياة، وإلا فإنه سيُرمى في السجن. لا أدلة تُدينه ولا شيء باسمه. من كتبوا وتخصصوا في البحث عن تورطه، يربطون الممتلكات والشركات بفريقه لا بشخصه. الصحف الإستقصائية التي تابعت كل هذا تصل إلى خلاصات متطابقة: كل شيء محكم ولا إثبات. ببساطة ينكر مسؤوليته عن أعمال هؤلاء الناس. أكبر تاجر نفط. صاحب أكبر شركة. أكبر مستثمر. هؤلاء هم معشره. وحين يُسأل عن ذلك يضحك، يسخر، ينكر، وينتقل بمحاوره إلى الفكرة التي بعدها. وإذا كرر السؤال يؤدبه بلطف فيقول لواحدهم: “ألا تسمع”؟ وللثاني “هل لديك إسهال كلامي”؟ وللثالثة “أنت جميلة ولكن يبدو انك لا تفهمين الجواب، سأكرر“.

بوتين هو روسيا اليوم والعكس صحيح. دولة رسمت خطوط نيرانها الجيوسياسية. نزلت إلى بلاد الشيشان فطوّعتها وعالجت نبض داغستان الإنفصالي فروّضته وبنت جيشاً وصناعة حربية ثم نزلت إلى سوريا وجرّبته. اليوم، على الخطوط الممتدة بين حدود الدونباس ونهر الدانوب، تتشكل روسيا الغد

بعد أكثر من مائة ساعة مع فلاديميروفيتش بوتين.. مشاهدة ومراجعة مقابلات. تصريحات. وثائقيات. خطابات. ثمة فرادة عند رئيس روسيا. لكن برغم ما نقرأ ليس من السهل فك شيفرات هذه الشخصية. كان ضابطاً في استخبارات السوفيات في ألمانيا. ورث مآسي الحرب العالمية الثانية. مات أخوه من الفقر. جدّه كان طبّاخ ستالين. والده كان في الـ”كي. جي. بي”. صعد إلى كرسي حكم البلاد قبل أن يبلغ الخمسين من عمره. دشّن السبعين قبل أقل من شهر ويُرجّح أنه سيبقى حتى إشعار آخر. البعض يتهمه بالجنون ويحيل الأمر إلى تداعيات كورونا وعزلة القصر، لكن يمكن وضع هذه وغيرها في خانة حرب إعلامية ونفسية يشنها الغرب ضد روسيا ونجح فيها إلى حد كبير.

إقرأ على موقع 180  أيها الفلسطيني، أنت الأقوى.. سلاحك دمك

البوتينية لا تنفصل عن ماضيها القديم ولا هي عالقة فيه. قومية روسية خالصة، لا دينية ولا ليبرالية، لا سوفياتية إشتراكية ولا رأسمالية، هي روسيا. صنعها وركّبها ووضّبها بإتقان تام. صعد فيها ركناً ركناً وأدار داخلها وخارجها فقولبها كما قولب نفسه فيها من رجل إلى نظام سياسي. ذاب فيها وذابت فيه.

بوتين هو روسيا اليوم والعكس صحيح. دولة رسمت خطوط نيرانها الجيوسياسية. نزلت إلى بلاد الشيشان فطوّعتها وعالجت نبض داغستان الإنفصالي فروّضته وبنت جيشاً وصناعة حربية ثم نزلت إلى سوريا وجرّبته. اليوم، على الخطوط الممتدة بين حدود الدونباس ونهر الدانوب، تتشكل روسيا الغد، فإذا كان النصر حليفه نال ما يريد وإذا أتته الهزيمة، ستتشظى روسيا وتنام نوم القبور!

ماذا بعد؟

“إعادة ما لروسيا إلى روسيا”، بشكل أو بآخر. ينطلق من زمن ما قبل الحرب الباردة. نوستالجيا بيزنطية من القرن الثالث عشر. شارة بيزنطيا على العلم وكذلك في نفوس الجيش الأسود من كهنة الأرثوذكسية في الدولة وعبر البحار. مثله الأعلى بيتر العظيم، أو “بطرس الأكبر”. قيصر روسيا الخامس، ويعتبر من أعظم من حكموها وقد قاد سياسة تحديث وتوسيع حوّلت روسيا القيصرية إلى إمبراطورية روسية وطبعاً هو باني مدينة بيترسبورغ وقصره يسمى بـ”فيرساي روسيا”. هذا البيتر العظيم هو مثله الأعلى.

قال هذا في مقابلة كانت الأولى مع مجلّة أجنبية بعد انقطاع 16 عاماً، في تموز/ يوليو 2019 وفي الدقائق الأخيرة مع محاوره من “الفايننشال تايمز“.

نبّه قبل شهرين من حرب أوكرانيا في مؤتمر صحفي رداً على سؤال لصحافية من “سكاي نيوز” اذا كان سيدخل إلى أوكرانيا: “لن يكون هناك غدر خامس، فقد شاهدنا خمس موجات توسعية للناتو. هل تذكرون القرم، قلت لكم، ولا إنش إلى الشرق. هكذا كان الإتفاق، لقد تعاونا إلى أبعد حدود، سمحنا لوكالة الإستخبارات الأميركية بالتواجد في مراكزنا النووية من باب التعاون، وبماذا يردّون، لا يكفون عن محاولة تفتيت روسيا الإتحادية. لقد حاولنا معكم كل شيء. الآن الأمر بسيط، نحن نفكر في مصلحة أمننا القومي”. ردّد في المقابلة أنه إذا اقترب الناتو من حدود روسيا، لن يقف مكتوف اليدين.

سوريا تبدو حقل إختبار، لكن في أوكرانيا، هذه حربه القومية، ولأنها كذلك، لا هي بدأت اليوم، ولا ستنتهي غداً. بدأت في مؤتمر ميونيخ حين قال إن الآحادية لن تستمر. ولن تنتهي قبل أن ينسحب الأميركي من فضاءاته كافة

يتغيّر شكل وجهه حين يتكلم عن فصل ملايين السكان عن دولتهم. عن زمن سقوط الإتحاد السوفياتي. في تلك الفترة قدّم استقالته من الـ”كي جي بي”. بعدها، ترأس جامعة في مدينته بيترسبورغ. اشتغل مع عمدة المدينة قبل أن يوكل إليه إدارتها. مهمة وضعته على سكة قيادة الأمن القومي ثم رئاسة الحكومة ثم رئاسة البلاد. صعود صاروخي تكلل بمعركة عسكرية في الشيشان. يلتسين قرر أن يتنحّى وزكّاه قائلاً للشعب الروسي “هذا مخلص روسيا أتيتكم به ليعفو عني التاريخ”.

بوتين هو جل ما يملكه العالم من روسيا ما بعد الإتحاد السوفياتي عملياً. رجل يُحسن إلتقاط الفرص، أقله حتى الآن. روسيا بوتين تقول عن التدخل العسكري في سوريا التالي: نزلنا لكي نتخلص من الإرهاب المتطرف قبل أن يصلوا إلينا. نزلنا لكي يتدرب جيشنا على هكذا عمليات ويكتسب خبرة، نزلنا وحصدنا من نزولنا تطور علاقاتنا في الشرق الأوسط ولا سيما مع إيران وتركيا.

سوريا تبدو حقل إختبار، لكن في أوكرانيا، هذه حربه القومية، ولأنها كذلك، لا هي بدأت اليوم، ولا ستنتهي غداً. بدأت في مؤتمر ميونيخ حين قال إن الآحادية لن تستمر. ولن تنتهي قبل أن ينسحب الأميركي من فضاءاته كافة.. فبحسب ما قاله، إن الهدف البعيد هو تحييد كل دول ما كان معروفاً بالإتحاد السوفياتي. يتجهم وجهه ويشرح: “الناتو موروث من الحرب الباردة يجب أن ينتهي. لا أعرف ما الفائدة من وجوده”.

هذا لا يعني أنه يريد إتحاداً سوفياتياً اليوم، ولكن هذا لا يلغي أن بوتين جعل نشيد روسيا السوفياتية نشيداً لروسيا الإتحادية. في خطابه الأول بعد انتصار القرم وقف في وسط المدرج الأولمبي هناك بين آلاف الأعلام الروسية مخاطباً الجماهير: “هل تحبون روسيا؟ نعم، تحيا روسيا، كونوا سعيدين إنه يوم عظيم”.

من يراقب كيف يستقبل بوتين قادة العالم. مع السعوديين، استقبال الفاتحين. ضحك مع ولي العهد محمد بن سلمان وود. أما مع رجب طيب أردوغان، فقد انتظر الأخير مع وفده وقتا طويلاً، وقوفاً وازدحاماً. باقة ورود في استقبال أنجيلا ميركل، وكلب غاضب في استقبال رئيس وزراء اليابان. ولا ننسى طاولة السبعة أمتار التي وضعته قبالة ماكرون وإستجلبت حفلة تعليقات إجتاحت مواقع التواصل. ابحث في المواقع تجد سيلاً من المقالات التي تحاول تحليل رسالة الطاولة وطول الطاولة وماذا يقصد بوتين..

سيمفونية البروباغندا الغربية تريد شيطنة الرجل. حُجِبَ الإعلام الروسي عن المجرّة. الأقنية والوكالات الروسية محظورة بكل اللغات. لكن اليوتيوب موجود (والتلغرام أيضاً). إبحث عن مقابلة الذكرى العشرينية لحكمه عبر شبكة “روسيا اليوم” المقموعة. يسرد بوتين ويروي بالأرقام والإحصاءات نسب النمو والمعدلات العمرية والسكن والإقتصاد والصحة والأمراض والقطاعات والبيانات. في محادثة عنوانها “عشرون سؤالاً لفلاديمير بوتين” تظهر لك شخصية CEO. مدير تنفيذي يتكلم.

“يتعاطى في الجيوسياسة بانتهازية رجل أعمال”، كما يقول أحد المشاركين في الوثائقيات. في المقابلة المذكورة أعلاه، تجد شخصيته، وجلسته وحركته، الأكثر تصالحاً مع شكل قيادته لبلاده. قدماه ممدودتان، إشاراته تأديبية بعض الشيء. قائد يتكلم مع تابع.

المحاور (روسي): هل تلتقي قضاة؟

-بوتين: التقي بزملاء جامعيين اصبحوا قضاة،

لكن لا التقي بهم كقضاة بل كجامعيين.

المحاور: هل هناك هكذا كلمة.

-بوتين: لقد اخترعتها لتوّي، إذاً هي موجودة.

هذا المحاور من “أهل البيت”. مع الإعلام الأميركي يتعاطى بشكل دبلوماسي وودي. مثلاً ميغان كيلي، وضعت بوتين في ما يشبه التحقيق الوقح حول اتهامات روسيا بالتدخل بالإنتخابات الأميركية. قرر أن يلاعبها بالحوار ولكنه لم يمحُ عن وجهه الإبتسامة. مع صحفي نمساوي تكاد ترتعب وأنت تشاهد المقابلة وتظن أنه في أي لحظة سيصعقه بضربة “جودو”. ومع البريطاني “البهدلة” منذ البداية: أنا تم انتخابي، نحن بلد ديموقراطي ينتخب قادته وليس مثلكم.

على هامش اللقاء التاريخي الذي جمعه بجو بايدن في الشهر الأخير من 2021، قال له محاوره من “إن بي سي“: بايدن يقول عنك قاتلاً. ويكرر السؤال بنبرة استفزاز، يبتسم الرئيس الروسي، يشيح بنظره في ما يشبه المزاح ويعود ويقول له: أتمنى للرئيس بايدن صحة جيدة!

لكن بوتين يحبّذ دونالد ترامب على بايدن، كما يحبّذ جورج بوش الإبن على باراك أوباما كما يحبّذ الجمهوريين على الديموقراطيين. دونالد ترامب، ويسمّيه “دونالد”، رجل موهوب برأيه.. وهو منتج أميركي. الفرق بينه وبين بايدن أن بايدن سياسي مهني، إبن المؤسسة. عمل في السياسة طيلة حياته. يكن وداً مميزاً للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، ولا يتوانى عن إيصال رسائله بواسطة كلبه!

هل تدخّل فلاديمير حقاً في دعم “دونالد”، وما علاقة “طباخ بوتين”؟

يتبين أن “إيفغيني” ليس طباخه. رجل أعمال يملك من جملة ما يملك، سلسلة مطاعم. ويظهر في صورة قربه في مطعم ما. “إيفغيني” من المتهمين بتمويل العملية تلك التي خرقت الشارع الإلكتروني الأميركي وساهمت بالتلاعب بالنتائج بحسب التحقيقات الأميركية وربّحت ترامب.

 وكيف تعاطى العالم وبوتين مع قصة “الطباخ” والإنتخابات؟

يضحك الرئيس الروسي حين يُسأل عن هذا. يضحك عميقاً، وينظر بشيء من الطرافة.. بعينين زرقاوين كلّهما غضب بارد وسخرية داكنة. لا تعرف إذا كان يعني ما يقول أو يمازح. يضحك على التهمة الأميركية ثم ينظر إلى محدثه: إذا كان النظام الأميركي هشاً لدرجة أن نتلاعب نحن بانتخاباته، فهذا أمر مضحك، لا؟

Print Friendly, PDF & Email
غدي فرنسيس

صحافية، لبنان

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  اعتراض مثقف سوداني.. الوليد مادبو في المواجهة الرابحة