جوسلين معلوف14/05/2022
غدًا يتوجّه اللبنانيون إلى صناديق الإقتراع لاختيار مرشّحيهم لبرلمان 2022، ومع انتهاء الحملات الإنتخابية، ودخول لبنان الصمت الإنتخابي، يُترك الناخب لمراجعة "ضميره" فيختار مرشّحه الأفضل بعد أن طرح كلٌّ ما عنده من برامج وأفكار على مدى أكثر من شهرين، ومن ضمن "عدّة الشغل"، قامت بعض الحملات على شيطنة الخصم دون أن تقدّم مضمونًا لجمهورها.
في مراجعة سريعة للفترة التي مضت وما هو “معروض” في سوق الشعارات الإنتخابية، برزت بعض المرتكزات التي قامت عليها تلك الحملات، بهدف إضعاف الخصم وشدّ العصب الفئوي أو الحزبي، نعرض هنا أهمها لمحاولة إيجاد مرتكزاتها أو الإجابة على البعض منها.
السياديّون والسياديّون الجدد:
قامت العديد من الحملات والشعارات والخطابات وحتى أسماء اللوائح على مبدأ السيادة والسعي إلى حمايتها أو استعادتها، إلا أنها بقيت عبارة أدبيّة للإستخدام دون أن يُراد بها معناها الحقيقي، ورأى كلّ حزب أو جهة هذه السياديّة من منظاره وبما يخدم أجندته. فسيادة الدول على أراضيها تتمظهر في سلطة الدولة وأجهزتها على الأرض، كما أنها تمتدّ إلى سلطة القانون على مواطني تلك الدولة، وهي ما يُعبّر عنها بالسيادة الشخصية، ولا مجال هنا وفي بعض السطور أن نسهب في شرح السيادية، لكن الأسئلة المشروعة التي تُطرح في هذا الإطار:
– هل أن زيارة السفراء دون المرور بالأصول الدبلوماسيّة تُعبّر عن السيادة؟
– هل المنادون الجدد بالسيادة يتّكلون على فقدان الذاكرة لدى المواطنين، فيغيب عنهم أنهم كانوا، هم أنفسهم أو آباؤهم من قبلهم، يُستدعون إلى مكتب الضابط الوصي لحسم خيار أو الدفع بقرار؟
– هل تمتدّ السيادة إلى ما تحت الأرض وعمق البحر، فمن يمنع لبنان من استخراج نفطه وحلّ أزماته الاقتصادية والنقدية والمالية؟
– هل إن خروج دايفيد شينكر (الدبلوماسي الأميركي المعني سابقاً بملف لبنان) بالأمس في ندوة بواشنطن (عبر تطبيق زوم) واعترافه العلني بأنه كان داعمًا لفئة من اللبنانيين، أو ما يُسمّى ب”التغييريين”، لا يُعتبر تدخلاً، على أبواب أهم استحقاق يعبّر فيه اللبنانيون عن خياراتهم لممثليهم؟ مع التنويه بأن هذا الإعتراف والخيبة التي أشار إليها شينكر، جاءت عشية الانتخابات وقبل موعدها المحدّد بساعات، في توقيت مشبوه لا يشي إلا بأسلوب اعتادت عليه السياسة الأميركية وهي التخلّي عن “الحلفاء” عندما تنتهي الأدوار المطلوبة منهم، فما هو الدور الذي كان مطلوبًا من هؤلاء، وانتهى قبل الوصول إلى الإنتخابات بيوم واحد؟
– والأهم، هل إن السيادة كشعار أو حتى كفعل، ستدفع إلى تسليم حزب الله لسلاحه، أم أنه في السادس عشر من أيار/مايو، ستتحوّل الشعارات الرنانة إلى واقعية ملموسة، وسيعود الجميع إلى طاولة الحوار.
إن الحلم هو حقّ كلّ لبنانيّ، إلا أن الواقعية هي واجبه، وعلى كلّ لبنانيّ أن يُحكّم عقله ويسلّم حبل النجاة لمن هم أقدر على الإنقاذ، لا أن يُسلّم حبل المشنقة لمن اعتاد على الإعدامات “الصديقة” قبل العقابية، وليكن تغيير النظام هو الهدف لتصبح الهوية الوطنية جسر عبور عوضًا عن الطائفية
بالمحصّلة، إن السيادة بالنسبة لهؤلاء تبقى شعارًا للاستخدام في الحملات ليس إلا، وهذا التطبيل سينتهي ليل 15 أيار/مايو. هم اليوم السياديون الجدد Neo-Sovereigns، وعشيّة غدٍ يعود الشعار إلى الدُرج للاستخدام عندما تدعو الحاجة.
الاقتصاد الحرّ والإقتصاد الموجّه:
ساد الكلام عن أي نظام اقتصادي يجب أن يعتمده لبنان بالأخصّ بعد أن ضربت الأزمة الاقتصادية منذ حوالى السنتين ونيف، وقيل الكثير حول كيفية معالجة الأزمة النقدية والمالية التي نتخبّط فيها وبين التوجّه شرقًا أو غربًا، إلا أن الثابت الوحيد، هو أن أروقة مجلس النواب لا تزال تصدح بصوت النائبين السابقين زاهر الخطيب ونجاح واكيم يوم رفضا الإستدانة بالعملة الأجنبية، ويوم رفضا مشروع الموازنة برمته، وبالمقابل، لا تزال موائد الصفقات في مجلس الوزراء تهمس بمشاريع بيع كلّ قطاعات الخدمات العامة في لبنان بما فيه مصلحة لهذا وربح لذاك، والتي وصل البعض منها على خواتيمه السعيدة، فليس عجيبًا أن يراكم البعض ثرواته خلال تلك السنوات فيما اللبنانيون يزدادون فقرًا.
بالنتيجة، سيتوّجه اللبنانيون غدًا (الأحد) إلى صناديق الإقتراع وينتخبوا طائفتهم أو طائفة زعيمهم أو طائفة حزبهم، ويبقى على الناخب أن يسأل نفسه في تلك اللحظات التي يمضيها وراء العازل: من أوقف النقل العام، من دمّر الصناعة، من عرقل إقامة معامل للكهرباء، من عطّل وساوم وحكم وأجرى صفقات، من سلبه أمواله وحرمه الدواء ودمّر اقتصاده وجوّعه؟
إن الحلم هو حقّ كلّ لبنانيّ، إلا أن الواقعية هي واجبه، وعلى كلّ لبنانيّ أن يُحكّم عقله ويسلّم حبل النجاة لمن هم أقدر على الإنقاذ، لا أن يُسلّم حبل المشنقة لمن اعتاد على الإعدامات “الصديقة” قبل العقابية، وليكن تغيير النظام هو الهدف لتصبح الهوية الوطنية جسر عبور عوضًا عن الطائفية.