“كارثة أنصارية”.. مُسيّرات إسرائيل بزناد حزب الله (91)

في فصل بعنوان "النقطة السفلى"، يُقدم الكاتب رونين بيرغمان الرواية "الإسرائيلية" لعملية انصارية في الجنوب اللبناني ليل الرابع من أيلول/سبتمبر 1997 والتي ادت الى خسارة مشينة لـ"إسرائيل"، وهي رواية تتطابق في الكثير من مندرجاتها مع رواية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول إفشال العملية وايقاع خسائر بشرية فادحة بالجيش "الإسرائيلي".

في كتابه “انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية”، يقول رونين بيرغمان الآتي: “أُنزلت قوة كوماندوس بحري من وحدة “فلوتيلا 13” بشكل سري على شاطىء قريب من بلدة انصارية الساحلية (حوالي 45 كيلومتراً شمال الحدود مع فلسطين المحتلة)، وتحت ستار ليلة مظلمة لا قمر فيها غادر الرجال الستة عشر زوارقهم الصغيرة من طراز “زاهارون”، وهي زوارق قوية وسريعة ومخصصة للاغارات وبدأوا مسيراً برياً. كان ذلك في ليل الرابع من سبتمبر/ايلول 1997، وكانت مهمة مجموعة الكوماندوس هذه قتلَ رجلٍ.

يتابع بيرغمان “هذه المهمة كانت السابعة والعشرين من نوعها منذ ان طوّر الخبيران في حرب العصابات في الجيش الإسرائيلي عميرام ليفين ورونين كوهين (كان يرأس مكتب لبنان في استخبارات المنطقة الشمالية) بروتوكول القتل المتعمد لقادة وسطيين في حزب الله، وقد كُلّلت عشرون مهمة من هذه المهمات بنجاح، ولكن كلا القائدين في المنطقة الشمالية كان يعتقد ان المهمة الراهنة لم يكن لها اي ضرورة، فكان شعورهما ان الهدف (خلدون حيدر) كان ضعيفاً وغير مؤثر وانه لم يكن هناك اي مكسب استراتيجي مهم من قتله، ولكن “الإسرائيليين” كانوا قد جمعوا كمية معلومات استخبارية كافية للعمل عليه، وكان سياق العمل السابق قد برهن مرات عديدة انه ليس هناك من سبب لعدم قتله. ومع ذلك فان عدداً كافياً من ضباط قيادة المنطقة الشمالية اعرب عن رفضه لان تحول مسؤولية العملية الى هيئة الاركان العامة ولكن تم استبعاد كل الذين انتقدوا العملية من دائرة صنع القرار لها”.

أحد الفيديوهات المرسلة من الطائرات المُسيرة قبيل ساعات من العملية اظهر ثلاثة اشخاص يحومون بشكل مشبوه في منطقة G7 ولم يتم نشر هذا الفيديو، ولو جرى تحليل هذا الفيديو في الوقت الحقيقي له لكان من الممكن ان تؤجل العملية او حتى أن تلغى

وكانت الخطة، يضيف بيرغمان، “تقتضي بان يسير رجال الكوماندوس براً حوالي ميلين ونصف الميل (اربعة كيلومترات) ويقوموا بزرع عدد من العبوات على طول الطريق التي يسلكها خلدون حيدر صباح كل يوم، وكان يفترض بهم بعد ذلك ان يعودوا ادراجهم الى زوارقهم للابحار الى “إسرائيل”، ليقوم بعدها العاملون على الطائرات المُسيرة فوق الطريق بمتابعة حيدر وعند وصوله الى الطريق، فان اشارة لاسلكية من الطائرات المُسيرة سوف تفجر العبوات لتتطاير منها شظايا معدنية من النوع الذي كانت تستخدمه مجموعات ارهابية لبنانية وقد جرى دسها في العبوات لتجعل الهجوم يبدو وكأنه شأن داخلي لبناني”.

في البداية، سار كل شيء وفقاً للخطة، يقول بيرغمان، “ففي ظروف مناخية مؤاتية نزل الرجال على الشاطىء وبسرعة عبروا الطريق الساحلية ووصلوا الى الحائط على الجانب الشرقي الذي كان يحيط بمساحة كبيرة من البساتين والاحراج. قفز رجلان منهم فوق الحائط وكسروا قفل البوابة وفتحوها لباقي الرجال للدخول. كانت الطريق التي يسلكونها بمعظمها تتجه الى اعلى تلة وفي منطقة وعرة وصعبة العبور نظرا للبساتين والمزروعات الكثيفة فيها. وعندما وصلت القوة الى نقطة اشير اليها على الخريطة برمز G7 اصطدموا ببوابة اخرى وبطريق على الجانب الاخر منها، كان يفترض ان يعبروا الطريق ويسيروا مسافة ربع ميل (حوالي 450 متراً) قبل ان يصلوا الى الطريق التي يسلكها حيدر. تسلق رجال الكوماندوس البوابة وعبر رجل الاشارة الطريق وبدأ التحرك الى الامام وهو يمشط المنطقة بحثاً عن اي عناصر معادية، وبعد ان اعطيت اشارة الامان بدأ رجل الاشارة في المجموعة الثانية بعبور الطريق، وفيما هو في منتصف الطريق وقع انفجار ضخم جداً ليليه انفجار آخر، وقد ادى الانفجاران وتبادل اطلاق النار الذي اعقبهما في عمليات الانقاذ الى مقتل اثني عشر رجل كوماندوس”.

يقول بيرغمان ان لجنة التحقيق في الحادث التي انشأها الجيش “الإسرائيلي” استنتجت ان القوة “وقعت مصادفة في كمين لحزب الله ولم يكن بالامكان توقعه او تفاديه وان عملية تبادل اطلاق النار هي التي فجّرت العبوات الناسفة التي احضرها الجنود معهم لقتل حيدر. هذا التفسير كان ملائماً لكل من لهم علاقة بالعملية ولكن تبين ان هذا التفسير لم يكن صحيحاً، فحزب الله على ما يبدو كان قادراً على التخطيط والتنسيق في اقامة الكمين من خلال خرق استخباري حقّقه قبل اسابيع وصولا الى ساعات قبل انطلاق الكوماندوس في عمليتهم. فالبث الحي للطائرات المُسيرة التي كانت تطير في عمليات استطلاع فوق المنطقة لم يكن مشفراً وكان بمقدور حزب الله ان يعترض ارسالها، وبالاضافة إلى ذلك، فإن من يفترض ان يكونوا عملاء اساسيين للاستخبارات “الإسرائيلية” في ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي” كانوا في الحقيقة عملاء مزدوجين يقدمون التقارير لحزب الله. ومن خلال مقاطع الفيديو لمنطقة العملية التي كان يستطلعها الجيش “الإسرائيلي” ومن المعلومات المستقاة من مسؤوليهم “الإسرائيليين” لاستهداف حيدر، لم يكن صعباً على حزب الله ان يُحدد المكان الذي سينصب به الكمين، وفي الحقيقة، ووفقاً لمعلومات من مصادر كانت تخدم في وحدة “فلوتيلا 13″ في ذلك الحين، فان أحد الفيديوهات المرسلة من الطائرات المُسيرة قبيل ساعات من العملية اظهر ثلاثة اشخاص يحومون بشكل مشبوه في منطقة G7 ولم يتم نشر هذا الفيديو، ولو جرى تحليل هذا الفيديو في الوقت الحقيقي له لكان من الممكن ان تؤجل العملية او حتى أن تلغى”.

لجنة التحقيق في الحادث التي انشأها الجيش “الإسرائيلي” استنتجت ان القوة “وقعت مصادفة في كمين لحزب الله ولم يكن بالامكان توقعه او تفاديه وان عملية تبادل اطلاق النار هي التي فجّرت العبوات الناسفة التي احضرها الجنود معهم لقتل حيدر

يتابع بيرغمان، “تم الكشف عن “كارثة انصارية” بعد يوم واحد من التفجير الانتحاري الثلاثي الذي وقع في سوق بن يهودا للمارة في القدس، وهو الهجوم الذي لم يكن للاستخبارات “الإسرائيلية” اي معرفة مسبقة به والذي جاء ايضاً قبل اسابيع قليلة من المحاولة الكارثية لاغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل في عمان. وبطرق عدة فان سبتمبر/أيلول عام 1997 سجل على انه الانحدار الاقصى في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية. فخلاله سجلت الاذرع الاستخبارية الإسرائيلية الثلاث عدداً من الاخفاقات الثقيلة. فقد فشل جهاز “الشين بيت” في حماية رئيس الوزراء وفي وقف موجة التفجيرات الانتحارية وفشل جهاز “الموساد” في استهداف مراكز القيادة للمنظمات الجهادية “الارهابية” في الخارج، واثبتت كل جهود جهاز “أمان” في محاولة اختراق حزب الله واعتراض عملياته انها بلا جدوى، وفشل الجهازان الاخيران معا، كما كشف لاحقاً، في معرفة اي شيء عن برنامج اسلحة الدمار الشامل في كل من إيران وليبيا وسوريا. في الوقت ذاته، فقد أجّجت “كارثة انصارية” التناقضات في الرأي العام حول الوجود العسكري الإسرائيلي في لبنان الذي بدأ البعض يقارنه بالتورط الامريكي في فيتنام، وانطلقت موجة احتجاجات عارمة ضد الوجود “الإسرائيلي” في لبنان بقيادة حركة “الامهات الاربع” (حركة انطلقت عام 1985 لامهات اربعة جنود قتلوا عندما سقطت مروحيتهم في مواجهات في جنوب لبنان وكانت تطالب بالانسحاب الإسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة وبالاخص من جنوب لبنان وسرعان ما لاقت الحركة تعاطفاً شعبياً واسعاً معها) وقد تعامل الجيش الإسرائيلي مع الحركة بعدم اكتراث ووصفهم احد كبار القادة العسكريين بـ”فوط المطبخ الاربع”.

إقرأ على موقع 180  "خُذوا المناصب والمكاسب.. لكن خلولي الوطن"

وبسبب “كارثة انصارية” توقفت عمليات القتل المتعمد في لبنان، يقول بيرغمان، “وكل الافكار لعمليات قتل متعمد لمسؤولين في حزب الله قدّمها الجيش الإسرائيلي رفضتها هيئة الاركان العامة او رفضها الاجتماع الاسبوعي لمنتدى العمليات الذي يقوده وزير الدفاع، ليس بسبب ان حزب الله اصبح اقل تهديداً بل لان استهداف مسؤوليه اصبح مسؤولية سياسية اكبر. ولم يكن قد مرّ على تدمير “الموساد” للعلاقات الدبلوماسية مع الاردن خمسة اشهر حتى حقق الجهاز فشلاً آخر، وهذه المرة مع سويسرا، كان الهدف عبدالله زين، وهو مسؤول رفيع في الشبكة اللوجستية والمالية لحزب الله، وكانت خطة “الموساد” تقضي بوضع هاتفه تحت المراقبة لابقائه قيد المراقبة والمتابعة ولقتله حين تحين الفرصة. ولكن عملاء “الموساد” اثاروا ضجة كبيرة في ملجأ المبنى الذي كان يقطنه مما ايقظ صاحبة الملك التي اتصلت بالشرطة السويسرية فاعتقلت احد العملاء، ما أدى إلى استقالة رئيس “الموساد” بعد تكرار عملياته الفاشلة”.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  "إيكونوميست": الفشل الإسرائيلي في غزة.. استراتيجي وعسكري وأخلاقي