في ظل هذا الحاكم، تزداد الجريمة ويعم النهب. في السياسة، معيار قيمتها، نجاحها، حتى ولو كان الارتكاب الفظيع وسيلتها. فكل حقيقة غير مفيدة لبلوغ السلطة لممارسة الحكم، يلزم اسقاطها من جدول أعمال أي كائن سياسي. فالسياسة اخيراً، شأن لا اخلاقي.
لو طبقنا ذلك على “جمهورية التعساء اللبنانيين”، لأيقنَا انَ الطبقات السياسية والقوى المذهبية، خالية من أي قيمة اخلاقية. ليس المطلوب ان يكونوا قديسين او حنفاء أو (أي لقب ديني)، بل ان تكون شرورهم معتدلة. ما انجزته طبقة اولياء امر القوى المتدينة والمتدنية اللبنانية، كان عظيماً جداً. مأساويا جداً. غير مسبوق في تاريخ لبنان. سيشتهر كتاب “غينيس” على حساب الزعامات اللبنانية، التي حطمت الارقام السياسية من جعل الانهيار فضيلة عظمى. اذ، بالانهيار، يتوه الشعب بحثاً عن لقمة حياة، ويتحصن القراصنة الطائفيون، خلف اتهامات، يعجز الشيطان أن يأتي بمثلها.
شياطين السياسة في لبنان اذكياء، بل عباقرة، وهم من اتباع العبقري مكيافيلي. حرّضوا ضحاياهم لأجل عبادتهم. في لبنان مئات الآلاف من عبدة الاصنام.
انه لبلد مخيف لبنان. انه يثير الهلع. ولكنه مدمن على الرقص في الكوارث. في الرابع من آب/أغسطس 2020، قُتلت بيروت… ثم. لا محاكمة ولا حقيقة ولا اعتراف. ان القضاء اللبناني، قضى على لبنان، لأنه يرضع من بز الاصنام.
أقتل.
إذا لم تقتل تُقتل. هذا واجب لبناني. وللقتل فنون كثيرة. هناك القتل الصارم. بلوغاً الى القتل الناعم. أنت في لبنان غير آمن. لا شيء تستند اليه. لا دين له. دينه حثالة افعال متكررة. لا قيم له. قيمته ان يسأل عن حصته في كل موقعة او مشروع او انتخاب. اخلاقه من السفالة التي تجعله يلبط الآدمية ويروج للحيوانية المذهبية. وفي المذهبية صراع حيواني شرس. لبنان طريدة مستدامة، تعيش دائماً على حافة الهاوية الى ان هوت.
هذا هو لبنانكم الذي نعرفه. ومع ذلك، تأخذنا “القيادات” الى بدايات حرب لن تقع. ولكن الاستعداد الكاذب لها، يرتع من خلال الشاشات والصحف والتصريحات. يشعر اللبناني انه على فوهة مدفع. الحرب الاهلية خلفه، وأشباحها ماثلة، والحرب المذهبية الطائفية امامه. خطوة الى الامام، وتندلع، وإن لم تندلع، فان الخسائر تكون قد وقعت بلا طلقة.
اللبنانيون اليوم، أسرى المستحيلات. إياكم والأمل. الانتخابات لم تكن أملاً البتة. كانت عملية نصب واحتيال. الشعوب اللبنانية “كومبارس”. لا أحد يستطيع ان يضع نقطة نهائية او فاصلة لنص الخراب والمذلة والعوز والمجهول الكالح. لا تفاؤل البتة. المستحيلات متكاثرة: ودائعك المالية يستحيل تحصيلها. اختفت. عفواً. لم تختفِ. تم اخفاؤها بأكبر عملية لصوصية في تاريخ لبنان.
مستحيل ان تسترد دولاراً واحداً، الا بعد اذلال ودموع يابسة. الطغمة الحاكمة، سابقاً، وراهناً ومستقبلاً، مرتاحة الى التأييد “العجَالي” و”القطعاني”، وستسلحه بأحقاد تعود الى خمسة عشر قرناً من تاريخ النزاعات الدينية والعصبية العربية والاسلامية.
يستحيل تأليف حكومة. الاسهل هو هذا الصعب الدائم. تأليف حكومة بطريقة قيصرية مؤلمة ومجزية. لاحقاً، لا تأتي قوى الاعلام الطوائفي على ذكر مسببي هذا الجحيم. يعلكون كلاماً عن التمثيل في الحكومة: تمثيل من؟ انهم هم هم. الذين كانوا آلهة الارتكاب وشياطينه. الحكومة القادمة ان وجدت ستكون على صورة شياطين الطوائف. كل الطوائف. لا نستثني أحداً. مستحيل أن نحظى بحكومة. ستكون لنا عصابة.
يستحيل انتخاب رئيس. اميركا لها مرشحوها. ازلام عندها. السعودية لها تماثيلها، الجماعات تسير خلف العباءات والدشداشات. بانتظار الاكراميات. يا مية ألف مرة “يا عيب الشوم”. إيران- لها عبر “حزب الله” مرشحها، ولقد بات معروفاً، ولا جديد فيه، سوى انه من الرعيل القديم الذي ساهم في افلاس ونهب خيرات البلد وأملاكه. ثم، وهلم جراً..
يستحيل ان يلتئم لبنان على سياسة خارجية. تاريخه السياسي وعلاقاته الخارجية، هو تاريخ زندقة واحتيال والتواء. هو عربي وليس عربياً. هو شقيق كأنه عدو. هو مع اسرائيل وضدها. مع ترجيح التعامل. والدليل، ان انتصار المقاومة في العام 2000، وطرد “الاسرائيلي” من لبنان، أغرى “جحافل المسالمة”، بشعار: “هاتوا سلاحكم”
يستحيل اصلاح الدمار الجهنمي في مرفأ بيروت. السبب واضح: القضاء مدمر قبل دمار المرفأ. ضحايا القضاء اللبناني هم اللبنانيون الغلابى. هو جزمة او سكين أو ملطش. يُؤمر ولا يأمر. قلة قليلة تتجرأ بنعومة وذكاء واحتيال على الاقتراب من العدالة. البقية من عائلة احمد باشا الجزار. هم اصحاب قصور ومراتب وواجهات. أيعقل، ان يحمي القضاء “الحرامية” المكشوفين والنهابين والبلطجية والقتلة، وأن يُمنع من توجيه سؤال لقائد مسيرة مصرف لبنان، ويُحمى من قبل رؤساء ووزراء وقوى امن وجلاوزة وإعلام، فيما يستعجل “القضاء” استدعاء المدعية العامة الى التحقيق؟
يا للعار. سوق البغاء أكثر نقاء.
لعنة لبنان على اللبنانيين الغلابى الطيبين الانسانيين هي لعنة خالدة. ليست الكارثة في انهم قتلوا الماضي وسفكوا الحاضر. لقد أعدموا المستقبل قبل ان يولد لبنان.
ومن المستحيلات ما يلي: يستحيل على لبنان ان يتغير. ان يصير دولة. ان يكون وطناً. ان تكون لديه ديموقراطية. ان يكون سيداً مستقلاً. ان يكون منتجاً. ان تتآلف الطوائف. ان تتفق اطرافه على علاقات خارجية وطنية. لبنان، كان دائماً تابعاً. استقلاله كذبة. حكوماته عكازاتها مُعَارَة من عواصم الاقليم ودول الاغتصاب والاستعمار الدولي.
يستحيل ان يفهم الشيعي المسيحي، وان يفهم المسيحي الشيعي. هل تسمعون ما يقول هذا وذاك؟ ما بينهما مهوار كبير. الجهل المتبادل ضروري. بناء السياسة على الاحقاد، دليل على ان لبنان معدوم. كل فريق يحب لبنانه ويستنكر اللبنان الآخر. يستحيل ان يحل الوئام الداخلي بين السني والشيعي. هذا شرخ من المحيط الى الخليج، من دون استثناء ابداً. السنة ضد إيران، صبحاً وظهراً ومساء. دائماً وابداً. وضد الاحزاب الشيعية في لبنان. وكذلك الشيعة. هم مع إيران، وهذا طبيعي جداً، لأن الجاذب الديني والطائفي لا يوازيه ابداً جاذب وطني مهلهل.
ويا لعار المرحلة. ملايين من أهل السنة باتوا ينظرون الى اسرائيل نظرة الشقيق. العدو هو إيران. يافطة الانقسام السني – الشيعي، في لبنان والمحيط، تعيد الى الوعي الشيعي، حروب الفتنة السنية الشيعية، على مدار 1400 عام. أمعقول ان يقترب السني من الماروني، بعد عداء دموي، ويصيران في خندق واحد؟
تاريخ لبنان السابق، يؤكد على الخلاف الجوهري، بين لبنان العربي ولبنان الانعزالي. الآن، لبنان، وهو بلا هوية من زمان، نسي خلافاته وصراعاته مع “اسرائيل”. انها لمرحلة فاجرة، ويستحيل على لبنان، دائماً وابداً، ان يقف موقفاً موحداً من “اسرائيل”. لا تتحدثوا كثيراً عن ترسيم الحدود البحرية. قسم من اللبنانيين، لم يعد يكتم ضرورة الانفتاح على العدو لأن “اسرائيل”، من زمان مكتوم، لم يكن يعتبر “اسرائيل” عدواً. فريق لبناني، قاتل الفلسطيني، واستعان بجيش الاحتلال الاسرائيلي لينصره على المقاومة الفلسطينية واللبنانية. لِمَ حصل ذلك في وضح السياسة. اسرائيل، اختارت رئيس الجمهورية يومذاك. ثم اختارت شقيقه. يا للعار. “اسرائيل” كانت دائماً الشقيق السري للقوى “السيادية” المعادية للعروبة. القوى التي لا تتورع ان تنام في سرير زنادقة الغرب الكاذب. لا انامل ناعمة للطرب. هذه اظافر فقط. يأخذ ولا يعطي. يسهب الكلام المعسول. ويدفع لبنان الى احضان الاعداء. إذا، يستحيل ان يلتئم لبنان على سياسة خارجية. تاريخه السياسي وعلاقاته الخارجية، هو تاريخ زندقة واحتيال والتواء. هو عربي وليس عربياً. هو شقيق كأنه عدو. هو مع اسرائيل وضدها. مع ترجيح التعامل. والدليل، ان انتصار المقاومة في العام 2000، وطرد “الاسرائيلي” من لبنان، أغرى “جحافل المسالمة”، بشعار: “هاتوا سلاحكم”.
“مللا” بلد. يستحيل فيه الاتفاق على كل شيء. عفواً. يتفقون علينا. نحن لسنا لبنانيين، انهم ينظرون الينا، كأننا أتباع. أو كأننا خدم. المستعبد الوحيد، هو “الصديق الخارجي”. عن جد. “مللا” بلد.
لبنان بلد المستحيلات. لا أحد بإمكانه ان يضع نقطة نهائية على سطر النزاعات والصراعات والاحقاد والتبعيات.
يبدو انا “ماكبث” أكثر ذكاء من “هاملت” يقول: “أكبر عدو للإنسان هو الأمن”.
اخيراً نحن على موعد مع مقالة اخرى تجيب على السؤال التالي:
“هل يعرف اللبنانيون بعضم بعضاً”؟