حوار بين صديقين: ماذا تفعل يا حزب الله؟ (2/2) 

إتصلت بي صديقة لبنانية من دولة خليجية هاتفياً وقالت بصوت متهدّج: "لم أعد أعرف بماذا أفكر وبماذا أشعر"؟

قلتُ: لماذا وماذا يجري؟

قالت: الكثيرون حولي من كل الطوائف اللبنانية يرسمون لوحة قاتمة وحزينة لوطننا، ويقولون إن حزب الله يُقحمنا في حرب لا نريدها، برغم أننا نتضامن كلياً مع القضية الفلسطينية المقدّسة.

كلام الصديقة أعاد إلى الذهن فوراً النقد الذاتي الذي مارسه أحد أبرز قادة الحركة الوطنية اللبنانية، الراحل محسن إبراهيم (أبو خالد)، حين قال إن الحركة الوطنية بدعمها المطلق لانطلاقة المقاومة الفلسطينية من لبنان “حمّلت هذا الوطن الصغير بتركيبته الطائفية المعقّدة ما لا يحتمل، ما أدى إلى تدميره في الحرب الأهلية الطاحنة (1975-1989)”. ثم تساءلت بيني وبين نفسي: “هل نحنُ نُحمّل لبنان الآن أيضاً ما لا قدرة له على احتماله”؟

قلتُ للصديقة: كنظرة سريعة لما يجري الآن، قد أقول الآن إنه بسبب كلٍ من هشاشة النسيج المجتمعي الطائفي اللبناني وبفعل الانهيار المالي والاقتصادي والإجتماعي، فإنّ حزب الله ربما يُحمّل لبنان بالفعل أكثر مما يحتمل.

لكن مهلاً؛

ما أقوله هو نصف الكأس. فلنحاول معاً أن نرى النصف الثاني المتعلّق بما يجري الآن، بشرط أن نفعل ذلك من المنظور التاريخي الشامل والكلّي وليس من خلال نظرة آنية راهنة وعابرة.

إذا ما فعلنا ذلك، فهذا يوصلنا إلى النتائج الآتية:

أولاً؛ إنّ المعركة الراهنة التي يخوضها حزب الله في جنوب لبنان، بالتزامن مع حركة حماس في فلسطين، لا تستهدف في العمق تحقيق أهداف آنية مثل تحسين الشروط التفاوضية لحماس وإيران، بل هي تندرج موضوعياً في ما هو أخطر بكثير: طبيعة ومآلات النفوذ الإسرائيلي في المنطقة وفي النظام الإقليمي للشرق الأوسط. أما لماذا برز هذا المعطى الجديد، فهذا يعود برمته إلى الانقلاب الاستراتيجي – التاريخي الذي أحدثه “طوفان الأقصى” والذي قلب دور ووظيفة اسرائيل رأساً على عقب: بدل أن تكون الكنز الاستراتيجي الذي يُشكّل حجر الرحى للنظام الاقليمي المتعولم الجديد (نيودلهي – الخليج – حيفا – أوروبا) باتت عبئاً استراتيجياً على هذا النظام. ولعل تواجد الأساطيل الأميركية والأوروبية الكثيف في كل بحار المنطقة، هو دليلٌ فاقعٌ على ذلك.

المعركة التي يخوضها الآن حزب الله (برغم التضحيات الجسام) قد تؤدي في محصلتها النهائية إلى ولادة وطن لبناني قوي ومتحرر من الإملاءات والسطوة الإسرائيلية ومن تدخلات تل أبيب الخطيرة ليس فقط العسكرية بل أيضاً الإقتصادية وعملها الدائب لنسف دور لبنان في كل المنطقة (تفجير مرفأ بيروت نموذجاً)

ثانياً؛ إنّ المعركة الراهنة من غزة وجنوب لبنان على البحر الأبيض المتوسط، إلى اليمن على البحر الأحمر، والعراق على مياه الخليج، مروراً بالطبع في تمدّد المعركة إلى الداخل الاسرائيلي للمرة الأولى منذ العام 1947، خلخلت إلى حد ما (والبعض يقول إلى حد كبير) ركائز الكأس المقدسة للصهيونية بكونها الملاذ الآمن والأمين لكل يهود العالم.

ثالثاً؛ إذا ما عمدنا إلى الإطلالة على المجابهة الراهنة من هذا المنظور الاستراتيجي والتاريخي، وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن لبنان، عبر مقاومته الوطنية ثم الإسلامية، كان الدولة العربية الوحيدة التي حرّرت نفسها من الإحتلال الإسرائيلي من دون قيد أو شرط ومن دون التزامات ومعاهدات سلام وأمن، وبأنها الآن الدولة العربية الوحيدة التي تفرض توازن قوى مع إسرائيل، لاستنتجنا بأن المعركة التي يخوضها الآن حزب الله (برغم التضحيات الجسام) قد تؤدي في محصلتها النهائية إلى ولادة وطن لبناني قوي ومتحرر من الإملاءات والسطوة الإسرائيلية ومن تدخلات تل أبيب الخطيرة ليس فقط العسكرية بل أيضاً الإقتصادية وعملها الدائب لنسف دور لبنان في كل المنطقة (تفجير مرفأ بيروت نموذجاً).

رابعاً؛ لبنان عبر مقاومته التاريخية ولا سيما محطة العام 1982 مروراً بـالأعوام 1993 و1996 و2006، وانتهاء بمعارك اليوم عند حدوده الجنوبية، يرسي دعائم قيامة وطنية شامخة وآمنة وقوية، ستُمكّنه لاحقاً (في حال نهضت قوى وطنية حقيقية من كل الطوائف) من استيلاد دولة وطنية مستقلة تقوم على مبدأ “قوة لبنان في قوته” وليس “قوة لبنان في ضعفه”. دولةٌ قادرةٌ على ردع إسرائيل ومنعها من إعاقة نهوض وطن متطوّر تكنولوجياً وتنموياً ويكون سيّد نفسه وقراراته وخياراته.

ساد صمت عميق على الخط الآخر من الهاتف. ثم سمعتُ صوت صديقتي يُلعلع هاتفاً:

عاش لبنان. لبنان سيعيش حقاً.

(*) راجع الجزء الأول: حوار بين صديقين: نعم، يُمكن ويجب إستعادة المهاجرين المسيحيين

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الشباب أعداء إسرائيل الجُدد في الشرق الأوسط
سعد محيو

كاتب سياسي، مدير منتدى التكامل الإقليمي

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  جوانتانامو السجن المؤجل حتى.. الشيخوخة!