شباب لبنان.. بيت بمفاهيم كثيرة

يشهد لبنان في الآونة الاخيرة، ارتفاعاً في حدة الخطاب السياسي؛ من تقدم احدى الكتل النيابية باقتراح قانون لتقسيم بلدية العاصمة بيروت الى بلديتين بذريعة "الانماء"، الى الجدال الدائر بشأن كيفية التعاطي مع اللبنانيين الذين لجأوا الى اسرائيل بعد انسحابها من لبنان في 2000، اهم متعاملون؟ ام هاربون؟ ام مبعدون؟ وهل ان اعتراف احد المطارنة اللبنانيين العائد من فلسطين المحتلة مُحملاً ببضائع صُنعت في اسرائيل، يشكل خرقاً لقانون مقاطعة اسرائيل وتعاملاً مع العدو ام لا؟ كل هذه الطروحات والاسئلة تؤكد غياب الاجماع على مفاهيم تعتبر الاساس في بناء الوطن.

لا يقتصر غياب هذا الاجماع على القيمين على هذا البلد من أهل السياسة، بل يتوغل عميقاً ايضاً عند الشباب اللبناني. وقد ظهر ذلك جلياً لدى مناقشة الاحكام الاساسية للبنان التي وردت في مقدمة الدستور، من قبل الشباب، لا سيما منهم مجموعة من طلاب الجامعة اللبنانية ـ كلية الصحة العامة – الفرع الثاني.

فلبنان الوطن السيد الحر المستقل؛ اعتبره الطلاب شعاراً اكثر منه واقعاً في ظل انقسام السياسيين اللبنانيين وعدم قدرتهم على اتخاذ القرارات بانفسهم، فلأكثريتهم مرجعيته الخارجية التي تتدخل في تفاصيل ومفاصل الحياة السياسية اللبنانية. اما في ما خص حدود لبنان المعترف بها دولياً فيظهر انه اعتراف دونه الكثير من المشاكل مع الدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة بدليل وجود الخط الازرق عند الحدود البرية والكثير من النقاط المتنازع عليها بما فيها مزارع شبعا، ناهيك عن مشاكل ترسيم الحدود البحرية مع كل من سوريا وقبرص والدولة الصهيونية وما يستتبعه ذلك من تأثير على تحديد ثروة لبنان من الغاز والنفط، وهو موضوع تعمل على حله وساطة اميركية تخف وتقوى من وقت لاخر.

اما الموضوع الذي اخذ حيزا واسعا من النقاش فهو هوية لبنان، فمقدمة الدستور حددتها بانها عربية الانتماء، نظرا للقواسم المشتركة مع المحيط العربي، التي لم يعرها الطلاب كبير اهتمام معتبرين انهم متميزون عنه في اكثر من موقع: جاهر البعض منهم ان ما يربطه بذلك المحيط، لا سيما في السنوات الاخيرة، هو الحصول على فرصة عمل مؤقته لديه، بانتظار توفرها في اوروبا او اميركا، في حين لم يخف اخرون هويتهم الفينيقية التي توغل كثيرا في التاريخ.

عن العمل على الغاء الطائفية السياسية واعتباره هدفا وطنيا اساسيا يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، فاعتبره الطلاب امراً بعيد المنال لانه لا يناسب زعماء الطوائف في لبنان دينيين ومدنيين، ولان الواقع يثبت تكرس الطائفية في كل مفاصل حياة اللبنانيين

وقد بيّن الطلاب عدم اهتمامهم بكون لبنان عضوا في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة، معتبرين ان المنظمتين ينقصهما الكثير لتكونا فاعلتين، سيما وان عضوية لبنان فيهما لم تأت عليه بنفع من جهة، اضافة الى ان اعلان الدولة اللبنانية الالتزام بمواثيق المنظمتين وبالاعلان العالمي لحقوق الانسان هو التزام هش في العديد من المجالات.

وبشيء من النقمة والاستغراب علق الطلاب على ما ورد في مقدمة الدستور عن “العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل” وهي امور تجافي الواقع حيث تسود “الواسطة” المرتكزة على التمييز الطائفي والمناطقي في اغلب المجالات على حساب الكفاءة والجدارة. ولم تنفع محاولات القول ان الكفاءة ما زالت معتمدة في مجالات عدة، فالامثلة التي اعطوها غلبت كل محاولاتي لإثبات العكس.

ومع الموافقة على ان الشعب هو مصدر السلطات، الا ان الآراء اجمعت ايضا حول عدم قدرة الشعب الذي تم فرز اغلبه طائفيا وإجتماعيا الى مجموعات تدين كل منها بالولاء للطائفة وللزعيم الذي يحميها، بعد ان جرى تخويف كل مجموعة من المجموعات الاخرى. وقد اظهرت الانتخابات النيابية الاخيرة صحة ذلك برغم فوز مجموعة من “التغييريين ” من خارج المنظومة التي حكمت البلد لعقود طويلة.

وقد تبدى الانقسام الطائفي جليا عند مناقشة قاعدة اساسية من قواعد مقدمة الدستور وهي اعتبار ارض لبنان ارض واحدة لكل اللبنانيين ولـ”كل لبناني الحق في الاقامة على اي جزء منها، فلا فرز للشعب على اساس اي انتماء”، اذ اعتبر قسم لا بأس به من الطلاب ان تمنع اكثر من منطقة عن بيع عقارات للبنانيين من ديانة مختلفة او حتى تأجيرهم، هدفه الحفاظ على طبيعة سكان المنطقة وعدم احداث تغيير ديموغرافي..

اما القاعدة التي اجمع الطلاب عليها فهي تحول الانماء المتوازن للمناطق، والذي اعتبرته المقدمة ركنا اساسيا “من اركان وحدة الدولة واستقرار النظام”، الى حرمان متوازن نتيجة جشع السياسيين وعدم قدرة اللبنانيين في ظل التشرذم الحاصل على محاسبة ممثليهم في مجلس النواب.

وعن العمل على الغاء الطائفية السياسية واعتباره هدفا وطنيا اساسيا يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، فاعتبره الطلاب امراً بعيد المنال لانه لا يناسب زعماء الطوائف في لبنان دينيين ومدنيين، ولان الواقع يثبت تكرس الطائفية في كل مفاصل حياة اللبنانيين ولعل تطييف نتائج الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة ونتائج انتخاب ملكة جمال لبنان خير دليل على ذلك.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  هل تحتقر أحزابنا.. "جماهيرها"؟
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  صدام ورامسفيلد.. ويل للمهزوم