في صباح يوم الأربعاء الحادي عشر من كانون الثاني/يناير عام 2023، فارقنا الرئيس حسين الحسيني، فاضت روحه إلى بارئها، وترك وراءه فراغًا كبيرًا في الحياة السياسة اللبنانية.
في صباح يوم الأربعاء الحادي عشر من كانون الثاني/يناير عام 2023، فارقنا الرئيس حسين الحسيني، فاضت روحه إلى بارئها، وترك وراءه فراغًا كبيرًا في الحياة السياسة اللبنانية.
يعيش لبنان في مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الضغوط الدولية والإقليمية مع التهديدات الأمنية الميدانية، ما يجعله أمام تحدٍّ وجودي يتجاوز حسابات السياسة الداخلية. فالمناخ الدبلوماسي في المنطقة يشي بمسار تطبيعي متسارع مع إسرائيل، وبمحاولات مستمرة لإدماجها في ترتيبات الأمن والاقتصاد الإقليميين، في ظلّ تراجع واضح للدور العربي التقليدي، وتمدّد للنفوذ الأميركي والإسرائيلي في ملفات الطاقة والحدود والمياه الإقليمية.
في ظلّ تهاوي الأنظمة الإقليمية القديمة، وتشكّل تحالفاتٍ جديدةٍ، في قلب هذه العاصفة الجيوسياسيّة، يقف لبنان كسفينةٍ تتقاذفها أمواجٌ عاتيةٌ. إنّه المشهد الأكثر تعقيداً في منطقةٍ متغيّرةٍ، دولةٌ تمتلك كلّ مقوّمات النّجاح، لكنّها حبيسة صراعاتها الدّاخلية وتداخلاتها الإقليميّة. السّؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس إنْ كان لبنان سيتغيّر، بل كيف سيغيّر نفسه لينجو من العاصفة ويبني مستقبلاً يليق بشعبه.
السيادة.. السيادة. لازِمةٌ تتكرَّرُ كثيراً في لبنان. الدستور اللبناني أكَّدها نصَّاً وأبقى مفهومَها مُلتبِساً. لا شيءَ اِستثنائيَّاً في ذلك. كلُّ دساتيرِ العالمِ أَقرَّتْ مبدأ السيادة منذ أنِ اخترعَ أرسطو في اليونان هذا المصطلحَ وصولاً إلى مراحلِنا الحديثةِ مع هوبز وروسو ومونتسكيو وبودان، ومع ماركس وإنجلز ولينين وغيرِهم عند البحث في مسألة الدولة والسلطة والهويّة. المفهومُ الأرسطي يركِّزُ على أنَّ السيادةَ هي السلطة العليا للدولة.
يشكّل المجلس النيابي اللبناني، منذ تأسيسه، القلب النابض للنظام السياسي في لبنان، إذ يُعتبر المسؤول الرئيس عن سن التشريعات ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية، فضلاً عن دوره المركزي في انتخاب رئيس الجمهورية وفق الدستور ومنح أو حجب الثقة عن الحكومات.
يُحبّ اللبنانيون أن يقدّموا أنفسهم كأبناء حضارة عريقة، وأن يكرّروا مقولات تجعل لبنان دائماً في مصاف حضاري عالٍ كأنه تعويذة سحرية يُراد لها أن تحفظ للمؤمنين بها مكانًا مرموقًا في التاريخ.
عقود مضت على توقيع اتفاق الطائف، الاتفاق الذي وُصف حينها بأنه نقطة الانطلاق نحو لبنان جديد؛ دولة مدنية حديثة تُعيد تنظيم السلطة بعد حرب أهلية استمرت خمسة عشر عامًا. آنذاك بدا الطائف كحل وسط بين القوى اللبنانية، بُني على توازنات إقليمية ودولية، وسعى لإعادة ترتيب الدولة على أسس دستورية جديدة، مع منح الطوائف اللبنانية حصصًا محددة في السلطة لضمان الاستقرار الدستوري.
مأزِقُ السلطةِ في لبنانَ بِنيويٌ عميقٌ. عمرُ المأزِقِ مئةٌ وخمسُ سنواتٍ، منذ إعلانِ ما سُمِّيَ "دولةَ لبنانَ الكبير" في العام 1920. سلطة ٌ بلا دولة فعلية. ودولةٌ بلا هويّة. والمعادلةُ واضحةٌ في هذه الحالةِ: سلطةٌ بلا هُويةٍ. تُعاني من انفصام ٍبين خطابِها اللفظويّ وقدرتِها الفعليّة، ويصبحُ كلُّ كلامٍ عن السيادةِ فقَّاعاتٍ للاستخدامِ العابر.
تعرّض وما يزال رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى حملة شيطنة وتخوين غير مسبوقة، وذلك منذ اتخاذ الحكومة قرارها في ٥ آب/أغسطس عند مناقشة الورقة الأميركية المعدّلة بإسقاط شرعية المقاومة للمرة الأولى في تاريخ لبنان منذ توقيع اتفاق الطائف في العام ١٩٨٩.
ينسج خطاب الرئيس نبيه بري في الذكرى الـ47 تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه حبكته من ثلاثة خيوط متداخلة: ذاكرة الجريمة المُؤسِسّة (1978)، سياسة اللحظة اللبنانية تحت ضغط الحرب والفراغ، ونقدٌ تاريخيّ لِـ"رهان البعض على الإسرائيلي" كآليةٍ انقلابية متكرّرة لإنتاج موازين قوى داخلية جديدة. وهنا لا ينطبق هذا النقد إلا على القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع.