“بعد انتهاء عملية “مطلع الفجر” في مواجهة حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، المطلوب من إسرائيل تحييد بؤرة احتكاك أُخرى يمكن أن تجرّ إلى اندلاع مواجهة عسكرية – هذه المرة على الحدود الشمالية؛ والمقصود النزاع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
كثرت في الأيام الأخيرة التقارير من جانب أطراف إسرائيلية تحدثت عن تفاؤل حذر بشأن فرص بلورة اتفاق مع لبنان على مبادىء حلّ لترسيم الحدود البحرية بينهما. وزيرة الطاقة كارين ألهرار (من حزب “يوجد مستقبل”) قالت منذ وقت قصير إن إسرائيل مستعدة لدراسة حلول مبتكرة من أجل التوصل إلى اتفاق مع لبنان في هذا الشأن. إذا جرت الموافقة على الخطة التي قدمها الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين إلى الطرفين، فمن المتوقع أن تُستأنف الاجتماعات بين وفديْ الدولتين، برعاية الأمم المتحدة ومشاركة الوسيط الأميركي، من أجل تحديد خط الحدود بحد ذاته.
بطبيعة الأمور، لم تحدَّد أسباب هذا التفاؤل، والمعلومات المتوفرة لدى الجمهور هي جزئية. علاوة على ذلك، في أجواء عشية الانتخابات يظهر الادعاء أن إسرائيل تتخوف من تهديدات حزب الله ضد منصة كاريش مع اقتراب موعد استخراج الغاز من الحقل في مطلع أيلول/سبتمبر المقبل، لذلك، هي مستعدة لاحتواء استفزازات الحزب، وحتى التراجع عن موقفها الأصلي بشأن مسألة ترسيم الحدود البحرية بينها وبين لبنان.
نعتقد أنه في أي مفاوضات يجب أن يكون موقف إسرائيل مستوحى من اعتبارات عقلانية تستند إلى مصالحها. لسنا على اطّلاع على تفاصيل المفاوضات، ونعتمد على المعلومات الجزئية التي تصل إلى الجمهور، لكن يمكننا أن نرسم ما يحدث فيها بصورة عامة، عبر فحص الحقائق. أولاً، يجب ألّا تتراجع إسرائيل عن موقفها الأصلي، وهو أن حقل كاريش موجود كله في داخل مياهها الاقتصادية – وأن لبنان، تحديداً، هو الذي وسّع النزاع على خط الحدود مع إسرائيل في سنة 2020 ليشمل حقل كاريش. كما تجدر الإشارة إلى أن الموقف اللبناني لم يكن مقبولاً من أيٍّ من الخبراء في هذا المجال، بينهم أيضاً خبراء في لبنان، وكان واضحاً أن هذا الطلب هو نوع من التلاعب لخدمة أغراض التفاوض. لذلك، بعد أن استأنف الموفد مهمته، أُزيلت هذه المطالبة من جدول الأعمال، وتتمحور المفاوضات الآن على منطقة النزاع المعروفة منذ عشرة أعوام، والتي يبلغ حجمها 860 كيلومتراً مربعاً.
“هآرتس”: وجود منشأة لبنانية لاستخراج الغاز في هذه المنطقة سيخلق “توازُن رعب”، وسيزيل من جدول الأعمال مسألة التهديدات ضد منصات الغاز في إسرائيل، لأن لبنان سيكون له مثل هذه المنصة. وبناءً على ذلك، فإن أي تنازل تقوم به إسرائيل فيما يتعلق بمخزون الغاز الموجود في المنطقة المتنازَع عليها هو أمر جيد لأمن إسرائيل ويحسّن وضعها
في نظرنا، توجد في هذه المفاوضات نقطتا نزاع أساسيتان: الأرض والموارد. فيما يتعلق بمسألة الأرض، وأساسها خط الحدود الشمالية الذي رسمته إسرائيل من جهة، في مقابل الخط الجنوبي الذي رسمه لبنان من جهة أُخرى. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2020، وعندما كان يوفال شتاينتس وزيراً للطاقة، كان هناك اتفاق بين الطرفين على تقسيم المنطقة كالتالي: 52% للبنانيين والباقي لإسرائيل. لو قررت إسرائيل في تلك المرحلة السير في اتجاه اللبنانيين، وزادت نسبة الأرض المعطاة لهم، لكانت تصرفت بصورة صحيحة، لأن هذا لم يكن ينطوي على تنازُل كبير.
فيما يتعلق بمكوّن الموارد: الادعاء هو أن المنطقة المتنازَع عليها تحتوي على فرص للعثور على مخزون من الغاز، والسؤال كيف يمكن توزيع الأرباح التي سيجري الحصول عليها في المستقبل. من المهم القول إن هناك فجوة كبيرة من الغموض، بين افتراض وجود مخزون للغاز، وبين استخراجه فعلياً. حتى لو افترضنا وجود حقل كبير للغاز في هذه المنطقة، يتعين على إسرائيل التنازل عن نسبتها منه لمصلحة لبنان. ثمة مصلحة عليا لإسرائيل في أن ينجح لبنان في استخراج الغاز من هذه المكامن، وهو ما سيساعد اقتصاده المتعطش إلى المداخيل كثيراً. ثانياً، وجود منشأة لبنانية لاستخراج الغاز في هذه المنطقة سيخلق “توازُن رعب”، وسيزيل من جدول الأعمال مسألة التهديدات ضد منصات الغاز في إسرائيل، لأن لبنان سيكون له مثل هذه المنصة. وبناءً على ذلك، فإن أي تنازل تقوم به إسرائيل فيما يتعلق بمخزون الغاز الموجود في المنطقة المتنازَع عليها هو أمر جيد لأمن إسرائيل ويحسّن وضعها. تملك إسرائيل احتياطات غاز كافية من دون هذا المخزون، والكرم من جانبها أمر مفيد.
نفترض أنه عندما أشارت وزيرة الطاقة ألهرار إلى أن إسرائيل تبحث في حلول مبتكرة في المفاوضات مع لبنان، فإن كلامها يتناول هذين المكونين: الأرض والموارد. ومهما كان الحل المبتكر، ففي المحصلة، من الأفضل أن تسير إسرائيل في اتجاه لبنان في هذه المسائل، وأن تعمل على تسوية الحدود البحرية معه بالطرق السلمية، وهذه هي النتيجة الأفضل بالنسبة إليها.
إن جميع الخطوات التي جرى الكلام عنها سابقاً لم تأخذ في الحسبان موقف حزب الله من الاتفاق، أو تحركاته ضد حقل كاريش، حتى بعد التوصل إلى اتفاق. من المعروف أن الاعتبارات التي توجّه حزب الله لا تتلاءم بالضرورة مع المصالح الداخلية للبنان، وأن بعضها يفرضه رعاته في طهران. في مقدور الحزب إحباط أجواء التفاؤل وعدم السماح بالتقدم المنتظر، وأيضاً إذا وُقّع الاتفاق – اعتبار حقل كاريش أحد أهداف الهجوم المفضلة للحزب إذا اضطر إلى ذلك. في رأينا، منطقة حدود منتظمة تجري فيها أعمال تنقيب واستخراج للغاز على طرفيْ الحدود، يمكن أن تشكل أداة ضغط لبنانية داخلية ضد حزب الله، وستحظى بتأييد دولي واسع النطاق”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).