“إن لم تحدث أمور استثنائية، من المتوقع أن يتولى الجنرال هرتسي هليفي وظيفة القائد الأعلى لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي في كانون الثاني/يناير المقبل (خلفا لأفيف كوخافي). وهو يُخصّص الآن جلّ وقته لتحضير خطة استراتيجية للجيش في الأعوام المقبلة، على صعيد بناء القدرة العملانية، وأيضاً بناء القوة: كيف يجب توزيع الموارد الخاصة بالجيش؟ وكيف يمكن الحفاظ على الذي من المتوقع أن يصل؟
إن أحد أهم التحديات الماثلة أمام هليفي هو التعامل مع القوى البشرية. وفي أساسه لن يكون التعامل مع الوحدات النظامية وكيف سيتم الحفاظ على الجيدين فيها، وعلى الدافع إلى التجند، إنما كيف يجب التعامل بالطريقة الصحيحة مع قوات تشكيلات الاحتياط في الجيش. وكان اللواء يسرائيل طال هو مَن قال في إحدى المرات إن الاحتياط هو “الناتج الجماعي الأهم بالنسبة إلى الشعب اليهودي في العصر الحديث”، إلاّ إن شكل الصراعات والحروب تغيّر، والجيش لا يحارب جيوشاً، إنما تنظيمات.
التغييرات داخل الجيش في الأعوام الأخيرة دفعت بقوات الاحتياط خارجاً، وسيطر “الجنود النظاميون” على القيادة، في الوقت الذي وصل الاحتياط فقط للمساعدة. والموجات “الإرهابية” دفعت بالجيش النظامي إلى تحمُّل العبء على حساب الجهوزية للحرب، وبذلك وصل الجنود إلى الحرب أقل جهوزيةً، عندما تم فرزهم على جيش الاحتياط، بعد الخدمة النظامية. لذلك أيضاً، تم استدعاؤهم أقل إلى الخدمة في الاحتياط – ما نسبته 1% فقط – وهو ما أضرّ بالجهوزية والتكاتف داخل الوحدة، كما أضرّ بالثقة والدافع في تفعيلهم. في التفكير العسكري، إن استعمال الاحتياط هو الخطوة الأخيرة، فقط عندما لا يكون هناك خيار آخر، ويتم التعامل معهم بحذر.
ومن المهم الإشارة إلى ما يلي: يتم استدعاء الاحتياط بالأساس لعمليات الأمن الجاري. يُجرون التدريبات الكبيرة التي تحاكي السيناريوهات التي سيتعامل معها الجيش، فقط مرة كل ثلاثة أعوام، وبقية الوقت يتم استدعاؤهم فقط لتبديل القوات النظامية والسماح لها بإجراء التدريبات. ويدّعون في الجيش أن نسبة حضور العمليات في أوساط جيش الاحتياط عالية وجيدة، لكن نسبة الحضور في التدريبات اليوم تقف عند 70% فقط. السبب في ذلك، بحسب مصادر في الجيش، هو التغيير الجديد الذي دخل في سنة 2021، إذ تم تقصير عدد أيام الخدمة في كل استدعاء، ورفع عدد الاستدعاءات في السنة، والجنود لم يتعودوا عليه بعد.
“إن جنود الاحتياط هم أناس حادّون، مع شعور بالانتماء والالتزام”، هذا ما صرّح به رئيس هيئة الأركان الحالي الجنرال أفيف كوخافي، بعد يوم من نشر اسم خليفته. وأضاف أنهم “يضحّون بروتين حياتهم عن وعي بالثمن الذي يدفعونه. ومؤخراً، شعرت بالفخر بوحدات الاحتياط وما تقدمه، وهو كثير من العمليات في إطار حملة كاسر الأمواج” وخلال احتفالية خاصة بجنود الاحتياط، قال إن “الامتحان الحقيقي لكل إنسان هو إذا كان يقوم بالصواب، المهم والضروري، وإذا كان يتحمل المسؤولية. الجواب في حالتكم هو نعم بصورة قاطعة – دوركم مهم ويمنح الجيش والمجتمع ككل الكثير.”
1% فقط من سكان دولة إسرائيل يخدمون في تشكيلات الاحتياط اليوم، في الوقت الذي كانت نسبتهم سابقاً 20%. على الدولة اليوم أن يكون لديها قوات كبيرة من جيش الاحتياط المدرب، تكفي للتعامل مع أكثر من جبهة في الوقت ذاته، فالجيش النظامي لن يتحمل هذا وحده. إن لم تقُم إسرائيل بإيجاد حل ملائم، لن تكون جاهزة في حالة الحرب: لن يكفي تدريب ثلاثة أسابيع مرة كل ثلاثة أعوام لقوات الاحتياط، وهذا قبل الحديث عن الشكر والامتنان الملائم.
هذا هو النموذج الذي على القائد المقبل [لهيئة الأركان] فحصه: هو يعرف أنه بحاجة إلى منظومة احتياط، لتدريبها وتحضيرها. وهم بدورهم، يجب عليهم أن يكونوا جاهزين ومتوفرين بدرجة عالية جداً. ومنذ الآن، قبل تنصيبه، هو يبحث في تغييرات في النموذج القائم، ويمكن التقدير أن النية تتجه نحو المزيد من الاحتياط، وبصورة خاصة في الوحدات البرية، مع التشديد على المهنية، على الرغم من أنه من الصعب تقدير نسبة النجاح في هذا.
1% فقط من سكان دولة إسرائيل يخدمون في تشكيلات الاحتياط اليوم، في الوقت الذي كانت نسبتهم سابقاً 20%. على الدولة اليوم أن يكون لديها قوات كبيرة من جيش الاحتياط المدرب، تكفي للتعامل مع أكثر من جبهة في الوقت ذاته، فالجيش النظامي لن يتحمل هذا وحده. إن لم تقُم إسرائيل بإيجاد حل ملائم، لن تكون جاهزة في حالة الحرب
في الآونة الأخيرة، عرض العميد أمير فدماني، رئيس قسم التخطيط ومدير الموارد البشرية في الجيش، المعطيات المحدثة أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. واستعمل مصطلح “المنتخب” في عرضه المعطيات بشأن الاحتياط – الـ490 ألفاً الذين يخدمون، هم 5% من مجمل المواطنين في إسرائيل، و17% من المجتمع في جيل الخدمة. منهم 120 ألفاً يخدمون فعلاً في جيش الاحتياط، ويشكلون 4% من المجتمع في جيل الخدمة و1% فقط من مجمل المواطنين في الدولة. ويظهر أيضاً من المعطيات أن 11% من جيش الاحتياط لا يزالون يؤدون الخدمة تطوعاً، بعد أن أنهوا عمر الإعفاء من الخدمة في الاحتياط. هذا بالإضافة إلى أن المعطيات تفيد بارتفاع نسبة النساء اللاتي ينضممن إلى خدمة النساء في الاحتياط – اتجاه ناتج من التغييرات في الجيش النظامي، إذ نرى ارتفاعاً في نسبة النساء الموجودات في الخدمة، وفي مهن جوهرية داخل الجيش. وفي هذا السياق، أشار فدماني إلى أنه يوجد اليوم في جيش الاحتياط ما نسبته 17% من النساء، في الوقت الذي كانت النسبة 13% في سنة 2010. وأشار إلى أنه من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة، لأن النساء يشكلن اليوم 18% من المنظومة القتالية النظامية في الجيش.
وفي هذا السياق، قال الضابط إن “الاحتياط، أو بكلمات أدق منتخب الاحتياط، يضاعف قوة الجيش. القوة بحد ذاتها مركّب أساسي في قدرات الجيش للوقوف على مهماته وإخضاع العدو. كل واحد وواحدة من قوة الاحتياط جزء مهم في مهمات الجيش، وهم موجودون في كل موقع داخل الجيش في هذا الوقت، وعموماً، إنهم يستجيبون في كل مرة يتم استدعاؤهم إلى خدمة العلم”. و”يحمل منتخب الاحتياط على أكتافه المهمات المدنية الخاصة به، ومهمات الاحتياط، ولذلك، على المنظومة الأمنية والمجتمع الإسرائيلي عموماً أن ينشغلا بكيفية تقديم الشكر لهم ومنحهم امتيازات، وهم يستحقونها. وإلى جانب كافة المنح والحقوق التي تمت المصادقة عليها، وهي فعلاً بشرى سارة دفعنا بها قدماً في إطار الخطة المتعددة الأعوام “تعزيز الاحتياط”، لا يزال هناك فجوات علينا إغلاقها، وسنستمر في العمل على صعيد جنود الاحتياط كي يحصلوا على ما يستحقون.”
تطرّق الضابط أيضاً إلى الأعمال التي يتم القيام بها بهدف استنفاد طاقة جيش الاحتياط، وشرح أنه تمت إقامة منظومة تلائم ما بين الخدمة في الاحتياط والمهنة المدنية، من خلال جمع معطيات من مؤسسات أكاديمية بشأن مَن يخدمون. فمثلاً، تم دمج مئات المهندسين في الجبهة الداخلية لم يكن يعلم الجيش بأنهم مهندسون، لأنهم لم يكونوا كذلك في إطار الجيش”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية؛ الجزء الثاني غداً.