“في وقت سابق من الأسبوع الماضي، تم الكشف عن اعتقال مواطن أذربيجاني-روسي في قبرص كان مسلحاً. وقتها سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت إلى وصف “المعتقل” بأنه “قاتل” أرسلته إيران لاغتيال إسرائيليين في الجزيرة. وبدورها، سارعت إيران إلى نفي هذا الاتهام.
في البداية، وقبل إعلان بنيت، زعمت تقارير في قبرص وإسرائيل أن المؤامرة كانت ذات طبيعة “إجرامية”، وأن “المافيا الروسية” خططت لقتل الملياردير الإسرائيلي تيدي ساغوي، وهو مواطن إسرائيلي يعيش في قبرص، وكان قد صنع ثروته من لعب القمار وجمع ثروة من العقارات، بما في ذلك سوق “كامدن” في لندن.
ثم جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي ليقول إن ساغوي لم يكن الهدف على الإطلاق، وإن إيران تقف وراء “مؤامرة مدبرة”.
بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية المسعورة لعبة التخمين: من كان يمكن أن يكون الهدف؟ كان الافتراض العام هو أن الهدف (أو الأهداف) من الممكن أن يكونوا إسرائيليين آخرين لديهم خلفية أمنية، إذا ما ثبُت أن المشتبه قد أرسلته المخابرات الإيرانية بالفعل.
في العقد الماضي، أسّس مئات الإسرائيليين، أغلبهم من كبار خريجي أجهزة الاستخبارات والجيش الإسرائيلي، متاجر في قبرص. اختاروا أن يسجلوا شركاتهم في الجزيرة لأسباب عدة منها ما يتعلق بالضرائب، ولكن السبب الأهم هو تعزيز صفقات التصدير العسكرية والأمنية مع العالم العربي، وخاصة مع السعودية والإمارات وقطر والبحرين. تتم الموافقة على معظم صفقاتهم من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية. حتى أن الموساد في بعض الأحيان يشجع على مثل هذه الأعمال.
إسرائيل لها اليد العليا
غير أن الإسرائيليين يستخدمون قبرص أحياناً كـ”قاعدة” لبيع خبراتهم ومعداتهم في محاولة لإخفاء الصفقات عن السلطات الإسرائيلية.
فقد صرح مسؤولون أمنيون إسرائيليون لموقع “ميدل إيست آي” بأن الحادث الأخير الذي وقع في قبرص ينسجم مع طريقة العمل التي يتبعها الإيرانيون. وقالوا إن وزارة المخابرات والأمن الإيرانية (إطلاعات) و”قوة القدس” التابعة للحرس الثوري، ومنذ عقدين من الزمن، يعملان على جمع معلومات عن أهداف إسرائيلية مُحتملة في الخارج، سواء كانت سفارات أو شركات أو أفراد. وأضافوا: “هم يراكمون البيانات ويقومون بتخزينها في ملفات تُحفظ داخل إيران. وعندما يحين الوقت يستخدمونها لتنفيذ عمليات ضد الأهداف المرصودة”.
وتابعت هؤلاء المسؤولون “بهذه الطريقة، نفذ عملاء إيرانيون، في السنوات الأخيرة، اغتيالات وكشفوا عن أهداف إسرائيلية في أذربيجان وتايلاند وقبرص والهند وجورجيا ودول أميركا الجنوبية، بالرغم من أن المحاولات الإيرانية فشلت في معظم الحالات”.
من التكتيكات الإيرانية الأخرى، المهمة والنموذجية، تجنيد وكلاء ومرتزقة شيعة غير إيرانيين لإنشاء جدار بين إيران والعملية (التي تُنفذ). جدار من المفترض ألا تترك عليه بصمات إيرانية. ويقول مسؤولون أمنيون إسرائيليون إن الحادث الأخير في قبرص “يشبه هذا النمط”.
وقال مصدر إسرائيلي: “الإيرانيون يعملون بحذر شديد، ويحاولون دائماً إخفاء تورطهم. لكن استخباراتنا حتى الآن لها اليد العُليا في فضح وكشف خططهم”.
من المهم أن نلاحظ أن لدى طهران دافع ورغبة في الانتقام لمقتل علماء إيرانيين على أيدي عملاء الموساد – وكان الضحية الأخيرة كبير العلماء النوويين الإيرانيين، الدكتور محسن فخري زاده.
تريد إيران أيضاً مواصلة الرد على الهجمات الإلكترونية الإسرائيلية التي استهدفت أجهزة الكمبيوتر النووية والبحرية، والانتقام من حملة التخريب التي شنتها إسرائيل ضد ناقلات النفط الإيرانية التي كانت في طريقها إلى سوريا.
الحرب السرّية بين إسرائيل وإيران تطال كل الأنظمة وتسير في كل الجبهات: في الجو وعلى الأرض، في سوريا والعراق ولبنان، في الفضاء السيبراني كما في البحر الأحمر والبحر المتوسط.
في الأسابيع الأخيرة، ذكر بنيت ووزير دفاعه بيني غانتس (والرجلان خصمان على الصعيد السياسي والشخصي) أسماء قادة إيرانيين علناً، وكشفا عن تفاصيل قدرات الطائرات الإيرانية من دون طيار.
الأولوية.. “كبح قدرة إيران النووية”
ومع ذلك، فإن بعض المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين مستاؤون من الخطاب الرسمي داخل إسرائيل، ويتهمون بنيت وغانتس بتكرار لغة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، الذي استخدم الهجمات على إيران لكسب النفوذ السياسي وتعبئة قاعدته. ويفضل هؤلاء المسؤولين أن تخفف إسرائيل من الثرثرة. ويعتبرون أن سلوك “العدوانية المباشرة” الذي تنتهجه إسرائيل لا يؤدي إلا إلى استفزاز إيران، ويقوّي موقفها، ويحثها على الانتقام.
وبرأي المعارضة داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أن على نفتالي بنيت التركيز على كيفية الحدّ من قدرة إيران النووية، وإعطاء هذه المسألة الأولوية بدلاً من استفزاز إيران بالسلوك العدواني.
في الأسبوع الماضي، أجرى مسؤولون أمنيون إسرائيليون، بقيادة مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الدكتور إيال هولاتا، محادثات مكثفة مع نظرائهم الأميركيين. لقد حاولوا إقناع الأميركيين بأن إيران تزيد من تعزيز برنامجها النووي، وأن العلاج الوحيد هو بالمزيد من العقوبات الاقتصادية المعوقة.
يشعر المسؤولون الإسرائيليون أن أي فرصة للعودة إلى الاتفاق النووي الذي وُقع عام 2015، وانسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، قد ولَّى. وهم الآن يضغطون على الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة وفي الوقت نفسه تنفيذ العقوبات القديمة، خصوصاً تلك الصادرة ضد الشركات التي يملكها ويديرها “الحرس الثوري”، الذي- برأيهم- يسيطر على إمبراطورية صناعية قوية داخل إيران. “عندها فقط يمكن صياغة اتفاق نووي جديد”، كما يقولون.
في الوقت الحالي، يبدو أن الاقتراح الإسرائيلي لم يلق آذانا صاغية”.
(*) الترجمة بتصرف عن “ميدل إيست آي”