بوتين يقايض ترامب في آلاسكا.. شرق أوكرانيا مقابل نوبل للسلام!

ترنو الأنظار إلى القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بآلاسكا في 15 آب/أغسطس الجاري. ومعيار النجاح أو الفشل في هذه القمة سينعكس على مسار الحرب الروسية-الأوكرانية التي مضى عليها ثلاثة أعوام ونصف العام. أتكون القمة بداية لخفض التصعيد وصولاً إلى وقف للنار، أم تسلك الأحداث مساراً أكثر حدة؟

منذ شيوع الأنباء عن التوافق على القمة عقب اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات في الكرملين بين بوتين والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، اتسمت المواقف الأميركية والروسية بالتحفظ إزاء احتمال تحقيق اختراق كبير، يفضي إلى اتفاق على وقف النار. يقتضي الأمر استعادة بعض الوقائع السابقة.

منذ القمة التي عقدها حلف شمال الأطلسي “الناتو” في لاهاي في حزيران/يونيو الماضي، تخلى ترامب عن لغة المهادنة، التي اعتمدها منذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير الماضي، عند الحديث عن بوتين. حدث ذلك، بسبب خيبة الأمل التي أصيب بها الرئيس الأميركي، لعدم تجاوب الرئيس الروسي مع الدعوات المتكررة إلى القبول بوقف النار مع أوكرانيا، وتبين أن ليس في الامكان حل أزمة بهذا الحجم في 24 ساعة أو 200 يوم.

ارتقى ترامب درجة أخرى في سلم التصعيد، عندما أمهل بوتين 50 يوماً للموافقة على وقف النار، أو مواجهة عقوبات أميركية جديدة، ثم عاد ليُقصّر المهلة إلى عشرة أيام انتهت في 8 الشهر الجاري. وليس مصادفة أن بوتين استقبل ويتكوف قبل يومين من انتهاء المهلة الأميركية، التي تخللها “سجال نووي” بين ترامب والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف. في هذا الوقت، كانت واشنطن تبيع الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا أسلحة أميركية، بينها بطاريات “باتريوت”، كي تقدمها هذه الدول لأوكرانيا.

وسبق لبوتين أن طالب بعقد قمة مع ترامب للبحث في الوضع الأوكراني ومروحة أخرى من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وهذه القضايا كثيرة، من معاهدة جديدة لخفض الترسانتين النوويتين لأميركا وروسيا، إلى حرب غزة، إلى الملف النووي الإيراني وسوريا.

لكن الجانب الأميركي، بدعم أوروبي، كان يفضل أن تأتي القمة الأميركية-الروسية بعد موافقة الكرملين على وقف للنار، وليس قبله. ها هنا، لا بد أن يكون بوتين قد قدم تنازلاً ما حتى اقتنع ترامب بجدوى اللقاء مع سيد الكرملين. وليس بالضرورة أن يكون التنازل المفترض هو الذي جعل اللقاء ممكناً، وإنما ما أملاه هو تقاطع المصالح قبل كل شيء.

من المعروف عن ترامب، أنه كاره ومشكك بجدوى العقوبات على روسيا. لكنه أمام تصلب بوتين، لم يجد بداً من التلويح بها مجدداً. وقد اختار الهند لتكون البداية نحو إخراج روسيا من سوق الطاقة الدولية. وهذا مغزى فرض واشنطن زيادة 25 في المئة على الواردات الهندية لأنها لم تمتثل لطلب البيت الأبيض بالامتناع عن استيرد النفط الروسي. والصين هي الهدف التالي. والعملاقان الآسيويان شكلا البديل من حرمان روسيا من السوق الأوروبية منذ اندلاع الحرب مع أوكرانيا في شباط/فبراير 2022.

الآن، سيتخذ ترامب من انعقاد القمة فرصة للتمهل في فرض المزيد من العقوبات على روسيا، مراهناً على الحصول من بوتين على تنازل يكفي للزعم بأن اختراقاً ديبلوماسياً مهماً قد تحقق، وبأن ثمة احتمالاً حقيقياً للتوصل إلى وقف للنار.

في حقيقة الأمر، أن ترامب يسعى إلى وقف للنار، من دون الغوص إلى “جذور الأسباب” التي أدت إلى اندلاع الحرب، وفق ما يطالب بوتين. وقف النار، يعتبر كافياً من قبل الرئيس الأميركي للزعم بأنه أوقف ما يطلق عليه “حرب بايدن”، نسبة إلى سلفه جو بايدن، ولتعزيز فرصه بالحصول على جائزة نوبل للسلام.

وفي أعماقه، يدرك ترامب أن حربي أوكرانيا وغزة، هما العقبتان اللتان يحول استمرارهما دون حصوله على نوبل للسلام. لكن غزة متعثرة بفعل رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أي وقف دائم للنار، مما حمل الرئيس الأميركي على العودة إلى التركيز على أوكرانيا، مستخدما سلاح المهل والعقوبات، الأمر الذي لا يستطيع فعله مع نتنياهو.

ولئن بوتين، عالم بتلهف ترامب إلى انجاز رئيسي في السياسة الخارجية، فقد فضل الانحناء، ولو مرحلياً، أمام عاصفة الضغوط الأميركية. ليس هذا فحسب، بل يأمل في استمالة ترامب إلى جانبه وابعاده مجدداً عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والحلفاء الأوروبيين.

بوتين ذاهب إلى القمة على أمل الفوز بمكسب جيوسياسي من ترامب، قد لا يتوفر ولو استمرت الحرب لسنوات. وهو يطمح إلى تعهد من ترامب بعدم ضم أوكرانيا إلى الناتو، وضمان عدم موافقة أميركا على نشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية بعد وقف النار.

وإذا ما لبى ترامب هذين الشرطين، فإن بوتين يعتبر أنه قد حقّق مكسباً استراتيجياً أهم من السيطرة على مزيد من الأراضي الأوكرانية. ثم أن الرئيس الروسي قد لا يذهب دفعة واحدة نحو القبول بوقف شامل للنار. ومن الممكن أن يقبل بوقف متبادل للهجمات الجوية، التي تلحق ضرراً فادحاً بأصول روسية مهمة مثل مصافي النفط ومصانع الأسلحة ومراكز للصناعات العسكرية الدقيقة، على رغم أن الهجمات الروسية بالصواريخ والمسيّرات تلحق أيضاً أضراراً جسيمة بالبنى التحتية الأوكرانية، وساهمت في تآكل شعبية زيلينسكي إلى مستويات قياسية وتصاعد نسبة المطالبين بوقف الحرب. وأظهر آخر استطلاع لمعهد “غالوب” أن 24 في المئة من الأوكرانيين يؤيدون استمرار الحرب، في مقابل نسبة 69 في المئة يريدون وضع حد لها في أقرب وقت ممكن.

إقرأ على موقع 180  مقبرة جماعية بين يافا والقدس تضم رفات 80 جندياً مصرياً

يعتقد ترامب أن القمة مع بوتين، ستشكل تمهيداً لقمة ثلاثية تجمعهما لاحقاً مع زيلينسكي. جواب الرئيس الروسي على القمة الثلاثية لم يكن جواباً قاطعاً وتركه معلقاً “باجتماعات للخبراء من البلدين”. لكن اللقاء الثلاثي لا بد وأن يأتي في مرحلة تكون قد تبلورت فيها الحلول وأحجام التنازلات من كلا الجانبين، وهي مرحلة ما تزال بعيدة نسبياً. ولا يزال بوتين مؤمناً بأن 99 في المئة من أوراق الحل هي في يد الولايات المتحدة وحدها، ولذلك كان يصر منذ البداية على ضرورة عودة المفاوضات الأميركية-الروسية.

تأتي القمة في وقت تملك القوات الروسية اليد العليا في الميدان. ولذلك، يعتبر خيار بوتين بالذهاب إلى تسوية بدل المضي في الرهان على القتال، هو تنازل بحد ذاته، وفق ما يستنتج مدير معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية الروسي فيودور فويتولوفسكي.

وترى الباحثة البارزة في مركز روسيا التابع لمعهد كارنيغي- موسكو تاتيانا ستانوفايا، أن بوتين يفضل استسلام زيلينسكي تحت ضغط ترامب، بحيث يصير في امكان القوات الروسية وقف القتال.

وتنقل صحيفتا “وول ستريت جورنال” و”النيويورك تايمز” الأميركيتان، أن بوتين أبلغ ويتكوف أنه يقبل بمبدأ تخلي أوكرانيا عن أربع مناطق ضمتها روسيا هي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون والانسحاب من 1719 كيلومتراً مربعاً تسيطر عليها روسيا في منطقتي خاركيف وسومي مقابل وقف النار فقط. طرحٌ، ينظر إليه الأوروبيون بعين الشك ويحضون ترامب على عدم القبول به.

بعد الضربات الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية في 22 حزيران/يونيو الماضي في خضم حرب الـ12 يوماً الإسرائيلية على إيران، وصف ويتكوف ترامب بأنه “شرطي العالم”. وصف له دلالته على القدرات التي يمتلكها الرئيس الأميركي لحل الأزمات الدولية، بعد وقف النار بين إيران وإسرائيل ومن قبل بين الهند وباكستان والكونغو الديموقراطية ورواندا، ولاحقاً بين كمبوديا وتايلاند.. وأخيراً إبرام اتفاق بين أذربيجان وأرمينيا أنهى نزاعاً حدودياً تاريخياً بين هاتين الدولتين.

بعد 8 أشهر على عودته إلى البيت الأبيض، تقف أزمتا غزة وأوكرانيا، حجر عثرة في طريق “الشرطي” دونالد ترامب إلى أوسلو.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  فلسطين: القلعة الإسرائيلية تتصدّع؟