عبدالله بو حبيب يكتب عن “اليونيفيل”: هل آن أوان تعديلها أو التخلص منها؟

قبيل منتصف ليل الحادي والعشرين من تموز/يوليو 2025، إتصل بي الصديق الوزير عبدالله بو حبيب من منزله في روميه، وكان قد عاد لتوه من واشنطن، وطلب مني فتح بريدي الإلكتروني لأجد مقالة طويلة جداً، فسألته عن سر الإطالة على غير عادته، فأجابني أن المقالة ستكون أحد فصول الكتاب الجديد الذي يُوشك على وضع لمساته الأخيرة عليه.

في اليوم التالي، أرسل لي مقالة ثانية حول تعامل لبنان مع قضية الحرب الروسية الأوكرانية. كان الإتفاق يقضي بأن ننشر مقالة “اليونيفيل” في الأسبوع الأخير الذي يسبق التمديد لقوات الطوارىء الدولية، ثم نختار سوية “التوقيت المناسب” للمقالة الثانية، غير أن المواعيد تبدّلت مع إخلال الصديق عبدالله بو حبيب بوعد المتابعة والكتابة وتجربة الحوار التي كان ينوي تدشينها سريعاً. رحيله الصادم فاجأ عائلته كما فاجأ كلّ محبيه، وبينهم أسرة 180 بوست التي كان يتباهى بانتمائه إليها، حتى عندما كان وزيراً وأصرّ أن يستمر اسمه بين كتّاب الموقع واعداً بالكتابة عندما يسمح له وقته.

الوقت كان غادراً وأليماً عندما خطف عبدالله من بيننا، لكأن خلاصاته التي خرج بها من بعد تجربة سياسية وديبلوماسية واقتصادية غنية وحافلة، طوال ستة عقود من الزمن، ليس سهلاً هضمها، في زمن “المتاريس” التي خرج منها عبدالله ليجد نفسه منتمياً إلى حزب الواقعية السياسية اللبنانية الذي لا يستثني أحداً ولا يُلغي أحداً، بدليل أنه كان يفتح أبوابه أمام الجميع من دون استثناء. ماذا يتضمن الفصل الذي كتبه معالي وزير خارجية لبنان السابق الراحل عبدالله بو حبيب حول تجربة تعامله مع ملف “اليونيفيل” بين سفارة واشنطن في ثمانينيات القرن الماضي ووزارة الخارجية اللبنانية التي تركها في مطلع العام 2025؟

***

“كنت في زيارة إلى لبنان وأعقدُ لقاء مع الشيخ بشير الجميل في آذار/مارس 1978 عندما أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بواسطة القرار الدولي الرقم 425 انشاء قوة “اليونيفيل” أو “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”، ومهمتها حفظ السلام في جنوب لبنان، وبالأخص عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية. هذا القرار كان نتيجة للاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان (آذار/مارس 1978).

كان بشير الجميل وقتذاك حليفاً غير معلن لإسرائيل ولم نتطرق في حديثنا الطويل لقرار مجلس الأمن، بل تحدثنا عن المستقبل، مستقبل لبنان والدور الذي ستلعبه القوى النظامية (العسكريّة) في حزب الكتائب، وبالأخص دور بشير، وكيف يُمكنني مساعدته، إذ كنت وقتذاك موظفاً (بصفة خبير اقتصادي) في المقر الرئيسي للبنك الدولي في واشنطن منذ شهر أيار/مايو 1976.

واشنطن.. و”اليونيفيل”

منذ البداية لم تكن إسرائيل متحمسة لإنشاء قوة “اليونيفيل”، لكن معارضتها لم تمنع الولايات المتحدة من تأييد قيام قوة حفظ السلام هذه بشدة واصرار، حيث لم يكن لإسرائيل نفوذ قوي ومؤثر في واشنطن خلال حقبة الرئيس الأميركي جيمي كارتر. كما أن واشنطن كانت تخشى ردة فعل عربية، وبالأخص سورية، جرّاء استمرار الاجتياح الإسرائيلي للبنان. كان موقف واشنطن سلبياً من تحالف بشير مع إسرائيل، إذ أنها كانت تسعى لحصر الحرب القائمة في لبنان منذ العام 1975 على الأرض اللبنانية، مع تدخل سوري لا يتحول إلى احتلال دائم. لقد تبلور ذلك الموقف في عهد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وعلى يد وزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر. كانت واشنطن تعتبر أن الحرب اللبنانية مرتبطة بمشاكل المنطقة لأن اللبنانيين قبلوا باستعمال وطنهم مسرحاً لحروب الآخرين على أرضهم، واستقدم كلٌ منهم قوى خارجية لتصفية حسابات داخلية.

لم تتغير السياسة الأميركية تجاه لبنان خلال إدارة الرئيس جيمي كارتر (1977-1981) ولذلك قادت واشنطن عملية انشاء “اليونيفيل” وتراوحت مساهمتها المالية منذ عام 1978 بحوالي الثلاثين بالمئة من إجمالي موازنتها التي بلغت في العام 2025 حوالي 510 مليون دولار وكانت مساهمة الولايات المتحدة وحدها حوالي 177 مليون دولار.

لم يكن هناك حزب الله موجوداً في لبنان في العام 1978. كانت القوى المناهضة لإسرائيل عبارة عن منظمات وقوى لبنانية (يسارية) وفلسطينية انضمت إليها منذ بدء الحرب الأهلية عناصر ومجموعات يسارية عربية ودولية.

كان هدف مجلس الأمن من إضافة صفة “المؤقتة” إلى عنوان القرار 425 أن تنشر الحكومة اللبنانية لواءً من الجيش اللبناني للتعاون مع القوى الدولية لحفظ الأمن في جنوب لبنان. بكلام آخر، كانت وظيفة هذه القوى (الأممية واللبنانية) منع أي هجوم على إسرائيل من جانب أعدائها الفلسطينيين واليساريين اللبنانيين. ويعني تعبير “المؤقتة” أن القوى الأممية ستساعد الجيش اللبناني في استتاب الأمن على أن تنتهي مهامها عندما يستطيع الجيش أن يقوم بهذه المهمة وحده.

سعد حداد وحادثة كوكبا

وكانت إسرائيل، قبل اجتياحها للجنوب اللبناني، قد بدأت بتقديم مساعدات عسكرية ومادية للواء في الجيش اللبناني بقيادة الضابط سعد حداد الذي انقطع عن قيادة الجيش بعد فشله في مهمته لحفظ الأمن في منطقة جنوب لبنان أو ما كانت تُعرف بـ”فتح لاند” منذ توقيع اتفاق القاهرة بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969. اختلف حداد مع قوى المقاومة وراح ينسق دوره مع الجيش الإسرائيلي الذي أبقى قواته في حزام أمني على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل، أي من الناقورة غرباً حتى شبعا شرقاً.

حاولت الدولة اللبنانية استعادة سلطتها على الجنوب، فقرّرت حكومة الرئيس الدكتور سليم الحص في عهد الرئيس الياس سركيس إرسال قوة من الجيش إليه تعمل بالتنسيق مع “اليونيفيل”. وفي 31 تموز/يوليو 1978 تحركت هذه القوة باتجاه مرجعيون لكنّها توقفت في بلدة كوكبا بعد تعرّضها لقصف مدفعي كثيف من قوات سعد حداد بأمر إسرائيلي، وأخفقت الأمم المتحدة والولايات المتحدة في إقناع اسرائيل بعدم عرقلة انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الجنوبية الحدودية.

وفي 19 كانون الثاني/يناير من العام 1979 صدر عن مجلس الأمن القرار 444 الذي دعا الحكومة اللبنانية إلى وضع برنامج عمل خلال ثلاثة أشهر لاستعادة سيطرتها على جنوب البلاد. غير أن اسرائيل رفضت انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وأصرت على بقاء الحزام الأمني، وأعلن سعد حداد «دولة لبنان الحر» على الأراضي التي يسيطر عليها بتاريخ 19 نيسان/أبريل 1979.

وفي العام 1981 حاولت الدولة اللبنانية مرة جديدة إرسال وحدات من الجيش إلى المناطق الحدودية بهدف تنفيذ القرار الدولي، وعدم إعطاء الاسرائيليين الذرائع التي تبرر اعتداءاتهم. وعلى غرار ما حصل في السابق تعرضت وحدة من الجيش فور وصولها الى القنطرة إلى اعتداء من ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي”، وبعد أيام قليلة اقتحمت قوة اسرائيلية بلدة تولين الجنوبية واشتبكت مع الجيش اللبناني. وفي تموز/يوليو 1981 شنّت اسرائيل هجوماً عنيفاً جدًا ضد لبنان حيث دمّرت ستة جسور تربط الجنوب بباقي أنحاء البلاد.

بقيت “اليونيفيل” القوة الوحيدة التي تحاول احلال الأمن في منطقة جنوب نهر الليطاني وطبعاً لم تتمكن من وقف هجمات القوى الفلسطينية واليسارية اللبنانية على إسرائيل ولا الاعتداءات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية على لبنان ولم تستطع وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان في حزيران/يونيو 1982 والتي أدت في نهايتها إلى رحيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في شهر آب/أغسطس واستمرار “اليونيفيل” في مهمتها جنوب نهر الليطاني. التغيير الوحيد الذي حصل تمثّل في دخول الجيش اللبناني، ولو بعدد قليل، إلى منطقة تواجد “اليونيفيل” وبدء التنسيق بينهما.

ومنذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي وحتى تحرير الجنوب اللبناني في العام 2000، تمكن حزب الله من احتكار حركة المقاومة في الجنوب اللبناني وأصبح – بدعم إيراني وسوري – القوة الوحيدة التي تقاوم الإحتلال الإسرائيلي في تلك المنطقة اللبنانية.

وفي ربيع العام 2000 ، قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود باراك، الانسحاب من لبنان إلى خط أسمي “الخط الأزرق”، بالقرب من الحدود الدولية أو “خط الهدنة” الذي اتفق عليه بين لبنان وإسرائيل من خلال مفاوضات غير مباشرة عام 1949 في جزيرة رودس اليونانية بمساعدة ورعاية الأمم المتحدة.

“اليونيفيل” في خطر في واشنطن

لم تكن “اليونيفيل” على جدول أعمال سفارة لبنان لدى واشنطن عندما استلمتها في أيار/مايو 1983، خلال السنة الأولى من عهد الرئيس أمين الجميل. كانت قضايا “اليونيفيل” تُعالج بين البعثة في نيويورك ووزارة الخارجية في بيروت. لذلك، كان معظم المعنيين بالشأن اللبناني في واشنطن يعملون من أجل وقف الحرب الداخلية التي تأجّجت بعد انسحاب إسرائيل من جبل لبنان إلى جزين وصيدا وباقي الأقضية الجنوبية في أيلول/سبتمبر 1983. كانت سوريا بقيادة حافظ الأسد ترعى توازنات لبنان بعد ابرام اتفاق 17 أيار/مايو 1983 بين لبنان وإسرائيل. لقد طالت المفاوضات للوصول إلى الاتفاق المذكور، بمشاركة أميركية مباشرة، ما سمح للاتحاد السوفييتي أن يُعيد تزويد سوريا والميليشيات اللبنانية وتلك الفلسطينية التي كانت ترابط في البقاع والشمال بالسلاح والذخيرة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم أوار الحرب الداخلية في لبنان.

في خريف العام 1987 انتقل ملف “اليونيفيل” إلى العاصمة الأميركية، عندما أوقف السيناتور الأميركي الديموقراطي أرنست (فريتز) هولينغز رصدْ أيّ اعتماد لقوات الطوارىء الدولية. والمتعارف عليه في عمل مجلس الشيوخ الأميركي أن شيخاً واحداً في لجنة الاعتمادات يُمكنه أن يوقف رصد اعتماد لأي بند في الموازنة.

أعلمتني وقتذاك وزارة الخارجية الأميركية بأمر التوقف عن الدعم المالي الذي اتخذه هولينغز، وكان ذلك تعبيراً عن حرصها على بقاء قوات “اليونيفيل”، لأن تمّنُع الولايات المتحدة عن دفع مساهمتها قد يدفع بدول أخرى مساهمة للإقدام على أمر مماثل، ما يؤدي إلى انهاء مهمة “اليونيفيل”. أعلمتني وزارة الخارجية الأميركية أيضاً أن السيناتور هولينغز هو الوحيد في لجنة الاعتمادات ضد استمرار عمل “اليونيفيل”. في الواقع، طلبت الخارجية الأميركية مني محاولة اقناع هولينغز بوقف معارضته لوجود “اليونيفيل” بسبب صلتي الحميمة مع زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ السيناتور جورج ميتشل.

علمتُ في ما بعد أن السيناتور هولينغز زار إسرائيل خلال تلك السنة، وجال في طوافة في شمال إسرائيل كما في سماء المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، وأقنعه المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أن وجود “اليونيفيل” في جنوب لبنان لم يمنع الهجمات “الإرهابية” من لبنان على شمال إسرائيل، لا بل ثمة من يتغاضى في هذه القوات عن هجوم هؤلاء الإرهابيين على إسرائيل، ولذلك تبنى هولينغز الموقف الإسرائيلي القائل بأن بقاء “اليونيفيل” هو هدرٌ للمال ومضرٌ بأمن إسرائيل.

وبعد البحث والتدقيق اتفقت مع زميلي في السفارة، المسؤول وقتذاك عن العلاقات مع الكونغرس، السفير يوسف صيّاح أن هناك عنصرين أساسيين يمكن استعمالهما في محاولة اقناع السيناتور هولينغز بتغيير موقفه: أولاً؛ أن زعيم الأكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور جورج ميتشل من أصول لبنانية إذ أن والدته هاجرت من بلدة بكاسين في قضاء جزين إلى ولاية ماين في الشمال الشرقي من الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين، أي أن ميتشل ترعرع في بيئة لبنانية، كذلك كان متعاطفاً جداً مع لبنان وليس عدواً لإسرائيل. ثانياً؛ هناك ما يزيد على عشرة سفراء في واشنطن تساهم بلدانهم في القوة الدولية ويمكن الطلب منهم الاتصال بوزارة الخارجية الأميركية والسيناتور هولينغز للغاية ذاتها.

وفي وقت لاحق، زرتُ أعضاء لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ ونصحني هؤلاء بالاجتماع مع هولينغز الذي امتنع عن إعطائي موعداً للاجتماع به. قصدت السيناتور ميتشل الذي رتّب لي مكتبه اجتماعاً مع السيناتور هولينغز، لكن سرعان ما ألغي في يوم الموعد المحدد، كما ألغى مكتبه موعداً آخر رتّبه أيضاً مكتب ميتشل. قصدت بعدها سفراء الدول المساهمة في “اليونيفيل” وكان سفير إحدى الدول المساهمة (السويد)، عميداً للسلك الدبلوماسي في واشنطن فجمع زملائه واجتمعوا بالسيناتور المذكور من دون أي نتيجة.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1987، حضرت حفل استقبال في العاصمة الأميركية، برفقة زوجتي “جولي”، وتبين لي أن السيناتور هولينغز كان موجوداً مع زوجته. لم يكن على حد علمي أبداً أن زوجتي وزوجته صديقتان. رحبت “بيتزي”، قرينة هولينغز، وبحفاوة إستثنائية بزوجتي في الحفل وأخبرت زوجها أن “جولي” من مدينة تشارلستون، مسقط رأسه في ولاية كارولينا الجنوبية، وأن زوجها (أنا) هو سفير لبنان لدى واشنطن. جفل السيناتور هولينغز عندما سمع كلمات زوجته، لكنه ما لبث بعد حديث اجتماعي ودي أن خاطبني بلطافة وقال لي أنت تعلم أنني ألغيت موعدين مقررين معك، لكن ليتصل مكتبك بمكتبي في أقرب فرصة لترتيب اجتماع معاً. وبالفعل تم التواصل ومن ثم عقد الاجتماع وغيّر السيناتور موقفه واستمرت “اليونيفيل” في مهمتها بتمويل أميركي.

وفي17 تشرين الثاني/نوفمبر كتبت جريدة “نيويورك تايمز” تقريراً تضمن الآتي:

“نجح السفير (اللبناني) عبدالله بوحبيب منذ فترة قصيرة بتغيير وُجهة نظر السيناتور أرنست هولينغز، العضو الأساسي في لجنة الاعتمادات، بشأن تمديد مهمة قوات اليونيفيل”.

“اليونيفيل”.. الفصل السابع

حصلت تعديلات طفيفة في مهام “اليونيفيل” بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 وكذلك عندما انسحبت إسرائيل إلى “الخط الأزرق” في العام 2000. غير أن التعديلات الأكثر وضوحاً وتأثيراً حصلت بعد حرب تموز/يوليو 2006 التي استمرت ثلاثة وثلاثين يوماً دمّرت إسرائيل خلالها قرى عديدة في جنوب لبنان وأحياء بأكملها في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، بالإضافة إلى تدمير معظم الجسور والطرقات الرئيسية وشبكات الكهرباء والمحروقات في معظم أنحاء لبنان.

أنهى مجلس الأمن حرب لبنان الثانية بقراره الرقم 1701 الذي تطّلب وجود حوالي 15,000 عنصر من قوات “اليونيفيل” المُعزّزة ووجود عدد مماثل من ضباط وجنود الجيش اللبناني. الهدف من وجود هاتين القوتين، الدولية واللبنانية، تأكيد انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها وفعاليتها بدعم من الأمم المتحدة والدول الصديقة، “لتعزيز انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني والتوفير له ما يحتاج من عتاد ومساعدته لزيادة عديده، بحيث لا يكون سلاح دون موافقة حكومة لبنان، ولا تكون هناك سلطة غير سلطة حكومة لبنان”، وذلك وفقاً لما نصّ عليه قرار مجلس الأمن 1701 الذي أُقر في 12 آب/أغسطس 2006. كما شدّد القرار على أن ترافق “اليونيفيل” وتدعم القوات المسلحة اللبنانية أثناء انتشارها في جميع أنحاء منطقة جنوب النهر، بما في ذلك مساعدة حكومة لبنان، بناءً على طلبها، في تأمين حدودها الأخرى لمنع دخول الأسلحة أو المواد ذات الصلة إلى لبنان من دون موافقتها.

لم يكن صدور القرار 1701 أمراً سهلاً؛ إذ أنه عكس في طياته موازين القوى التي فرضتها معادلة حرب العام 2006، وبدا واضحاً منذ الأيام الأولى لتلك الحرب ومع توالي تقديم الأوراق الدولية الداعية لانهاء الحرب، أن إسرائيل، وبدعم من بعض عواصم القرار الدولي، تسعى إلى فرض قرار دولي على أساس الفصل السابع، ولكن المفاوضات المكوكية التي قادها الأميركيون والقطريون بين بيروت وتل أبيب وواشنطن ونيويورك وباريس، بشكل أساسي، أدت إلى صدور القرار بصيغته المعمول بها منذ 19 سنة.

وباستثناء بعض الحوادث الطفيفة التي كانت تُعالج بسرعة، تمكنت قوات “اليونيفيل” بين العامين 2006 و2023 من توفير الأمن والأمان والطمأنينة بدليل الحركة العمرانية التي أعقبت حرب 2006 وما رافقها من ازدهار بفعل أموال الإعمار من جهة ودعم المغتربين من جهة ثانية، فضلاً عن الأموال التي تُضخ من القوى المحلية من جهة ثالثة.

إقرأ على موقع 180  "اليُتم السُني" في لبنان.. من الحريرية إلى الميقاتية!

غير أن الخروقات الإسرائيلية استمرت جواً وبراً وبحراً، بينما كان حزب الله، ولا سيما في أعقاب اندلاع الأزمة السورية، يُعزّز وجوده في الجنوب وبالأخص في المناطق الحدودية القريبة من “الخط الأزرق”. كانت تقارير “اليونيفيل” تشير إلى كل ذلك وتتخوف من التصعيد لكن من دون توقع أيّ انفجار. بدأت الرسائل الإسرائيلية تصلنا من خلال واشنطن وسفارتها في لبنان في الأشهر الأولى من تسلمي زمام وزارة الخارجية اللبنانية في أيلول/سبتمبر 2021. غير أن الإحتجاج الأبرز حصل غداة المناورة العسكرية الإعلامية التي نفذها حزب الله في الجنوب في أيار/مايو 2023 ودعا إليها مئات الصحفيين اللبنانيين والعرب والأجانب لمشاهدتها. اعتبرت السفارة الأميركية في بيروت تلك المناورة “خرقاً فاضحاً للقرار1701 “، وطلبت من الحكومة اللبنانية إدانتها ومنع هكذا خروقات في المستقبل.

الاحتجاج الثاني كان على خلفية إقدام حزب الله على وضع ما يزيد عن خمس عشرة حاوية حول “الخط الأزرق” بادعاء أنها تخص جمعية بيئية غير حكومية تدعى “أخضر بلا حدود”. إشتكت قيادة “اليونيفيل” من عرقلة بعض الحاويات طرق دوريات قوات الطوارىء الدولية.

ثالث الإحتجاجات وصلنا عبر قنوات ديبلوماسية عديدة، وتضمن طلباً من الجيش اللبناني أن يمنع عناصر “قوة الرضوان” التابعة لحزب الله من التجمع في مناطق قريبة من القرى والمستوطنات الإسرائيلية أو قرب “الخط الأزرق” الحدودي المتعارف عليه.

هذه الإحتجاجات كانت محور مداولات بيني وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون. وتم تكليف وزارة الخارجية بفتح قنوات حوار مع حزب الله من أجل معالجة تلك الخروقات؛ وباستثناء إزاحة الحاويات من الطرق التي تسلكها دوريات “اليونيفيل”، لم يكن هناك نفي حزبي لما يقومون به من خروقات للقرار 1701، بل كانوا يُركّزون على الخروقات الإسرائيلية ووعدوا بأن خروقاتهم ستتوقف عندما تتوقف تلك الخروقات.

كان الجو في جنوب لبنان يُنذر بأزمة في صيف العام 2023 قبيل التمديد السنوي لولاية “اليونيفيل” مع نهاية كل شهر آب/أغسطس، وكانت جذور تلك الأزمة قد بدأت تُطل علينا قبل عام تحديداً أثناء تمديد ولاية “اليونيفيل” في العام 2022. كانت فرنسا الدولة “حاملة القلم” (تم تعريف مصطلح “حامل القلم” في مجلس الأمن عام 2010 على أنه عضو المجلس الذي يبدأ ويترأس عملية الصياغة لقرار أو بيان يصدر عن مجلس الأمن) قد أدخلت في مشروع التمديد فقرات تعطي “اليونيفيل” صلاحيات تتيح لها حرية حركة عسكرية من دون التشاور المسبق مع الجيش اللبناني، ما يجعل القرار أقرب إلى الفصل السابع الذي يسمح لقوات الأمم المتحدة باستعمال القوة لتحقيق أهدافها. وبطبيعة الحال، تسبب ذلك بمشاكل مع حزب الله في مناطق تواجد “اليونيفيل”.

بعد قرار التمديد الجديد في شهر آب/أغسطس 2022، قامت وزارة الخارجية اللبنانية بالتواصل مع قيادة “اليونيفيل” في جنوب لبنان ونيويورك، وشدّدنا على وجوب عدم تغيير قواعد الإشتباك والعمل في ضوء القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن لأن من شأن ذلك التسبب بمشاكل مع حزب الله والأهالي. وبالفعل أبدى المسؤولون الدوليون تفهماً لوجهة نظرنا ووعدوا بالتعامل مع الأمر كأن القرار الجديد لم يصدر، ولكنهم أنذرونا، وقتذاك، بأن الأوضاع في جنوب لبنان غير مريحة وحذرونا من مشاكل وخيمة مستقبلاً. مرّ عامٌ كاملٌ من دون أيّ حادثة كبيرة تذكر بعد تمديد العام 2022.

ومع اقتراب موعد التجديد لقوات “اليونيفيل” في نهاية آب/أغسطس 2023، اتفقت مع رئيس الحكومة أن أتوجه شخصياً إلى نيويورك لمحاولة إقناع أعضاء مجلس الأمن بإصدار قرار يُعيد الأمور إلى ما كانت عليه منذ العام 2006. وقبل يوم من سفري زارني مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله السيد عمّار الموسوي وأعلمني أن الحزب غير معني ببقاء “اليونيفيل” أو عدمه وبالتالي يترك للحكومة اللبنانية أمر التعامل مع هذا الشأن حسب ما تراه مناسباً. فوجئت بموقف حزب الله وبخاصة أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لطالما كان يُصر على بقاء “اليونيفيل” في الجنوب ويُعلن وقوفه إلى جانبها ظالمة أم مظلومة.

توجهت على الفور إلى السراي الحكومي، بناء على موعد عاجل، وأطلعت الرئيس نجيب ميقاتي على ما سمعته رسمياً من حزب الله. تعجّب دولته من ذلك ووعد بمراجعة قيادة الحزب والرئيس بري. كما اتفقنا على عدم تغيير موعد سفري وأنه سيتصل بي إذا لزم الأمر.

وصلتُ إلى نيويورك مساء 22 آب/أغسطس 2023، وكان قد سبقني إلى هناك وفود إسرائيلية جالت على مسؤولين في الإدارة والكونغرس ومراكز الأبحاث (في واشنطن)، ثم كرّرت مواقفها أمام مندوبي دول مجلس الأمن والمسؤولين الكبار في الأمم المتحدة بنيويورك بأن لا جدوى من استمرار مهمة قوات “اليونيفيل” إن لم تصبح قوة ضاربة (الفصل السابع) تضع حداً لتجاوزات حزب الله.

في نيويورك، عقدت على مدى يومين متاليين من وصولي سلسلة اجتماعات مكثفة شملت الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش وكبار المسؤولين في الأمانة العامة ومندوبي الدول العربية لدى الأمم المتحدة ومندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن. كان هناك، الى حد بعيد، تأييد عربي وغربي لتعزيز وتقوية دور “اليونيفيل”. الإمارات العربية المتحدة، التي كانت تُمثّل المجموعة العربية في مجلس الأمن، كانت الأكثر حماسة لهكذا مسار. كان الجميع يُشدّد على أهمية تثبيت حرية حركة القوات الدولية، وبخاصة أن الحدود اللبنانية الإسرائيلية شهدت خلال العام 2022 – 2023 أكبر عدد من الأحداث التي أدت إلى حد حرية حركة “اليونيفيل”، كما شهدت أيضاً أكبر عدد من الأعمال الاستفزازية على جانبي الحدود. وكان الكثيرون هناك يعتبرون أن هذه الخروقات تُهدّد الأمن والاستقرار في جنوب لبنان والمنطقة.

وقد اتصل بي في اليوم التالي لوجودي في نيويورك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليُعلمني أنه باستطاعتي التهديد بسحب الرسالة اللبنانية التي تطلب التجديد لـ”اليونيفيل” إن لم يكن هناك موافقة على تعديل قرار العام 2022. وبالفعل، توقفت المفاوضات بعد ان أعلمتُ بعثتي فرنسا والولايات المتحدة بالخبر الآتي من بيروت. البعثة الفرنسية، حاملة القلم، أعطت علماً لبعثة لبنان أن قضية التجديد لقوات “اليونيفيل” انتقلت من نيويورك إلى باريس. وعلمت من بيروت في اليوم التالي أن الفرنسيين أوقفوا فجأة التفاوض مع الحكومة اللبنانية وقرّروا التفاوض مباشرة مع حزب الله وتوصلوا إلى اتفاق يأخذ بالاعتبار المطالب اللبنانية.

ولما كنت على علم وثيق بالموقف الأميركي، تملكني الشك في امكان قبول مجلس الأمن بهكذا اتفاق. وأيضاً، لمّا كنتُ من صُنف من لا يُجيدون “قطف ثمار الآخرين” (عبارةٌ ترددت على مسامعي من بيروت)، قرّرت العودة إلى بيروت ليل الخميس 24 آب/أغسطس ووصلت إليها في مساء اليوم التالي. تلقيت إلكترونياً حين وصولي قرار مجلس الأمن بشأن التجديد لـ”اليونيفيل”، فأرسلته تواً الى الرئيس ميقاتي وتشاورنا في مضمونه وقررنا قبوله. القرار لم يأخذ بالاعتبار المطالب اللبنانية لكن أشار إلى ضرورة التنسيق بين “اليونيفيل” والحكومة اللبنانية..

مرّ التمديد لقوات الطوارىء الدولية في صيف العام 2023، ولم تكد تمضي خمسة أسابيع حتى وقع حدث “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهو حدثٌ غير مسبوق بتداعياته الإقليمية، نظراً لما كان له من أثر عميق في صميم الأمن القومي الإسرائيلي.. وهذا الحدث بتداعياته اللبنانية (حرب الإسناد ومن ثم حرب الـ66 يوماً يحتاج إلى وقفة مطولة ومتأنية).

لم تحل تلك الحرب على أرض غزة وجنوب لبنان دون عودة الاسرائيليين والأميركيين إلى تجديد مطالبتهم بتقوية مهام “اليونيفيل”. وقبيل موعد التجديد الدوري في نهاية شهر آب/أغسطس 2024، كان موقف لبنان يقضي ببقاء الحال على ما كان عليه في العام السابق في انتظار انتهاء الحرب في جنوب لبنان حيث قد يكون لقوات “اليونيفيل” مهام جديدة تنتظرها. وبعد أخذ ورد قصيرين، تم التجديد لقوات “اليونيفيل” حتى نهاية آب/أغسطس 2025، من دون أي تغيير في المهام التي أصابها تعديل في العام 2022.

هنا، أسمح لنفسي بطرح السؤال الآتي: من يريد “اليونيفيل” ومن يعارضها؟

أولاً؛ الدولة اللبنانية بكلّ مؤسساتها ومكوناتها، رئيس جمهورية وحكومة ومجلساً نيابياً، يريدون بقاء “اليونيفيل” ويحترمون ويقدرون مساهمتها في حفظ الأمن والسلام في جنوب لبنان، كما أنهم يدركون أهمية وضرورة وجودها سياسياً واقتصادياً وإنمائياً.

ثانياً؛ حزب الله لم يكن متحمساً لوجود “اليونيفيل” ولطالما كان يُشكّك في دور بعض الوحدات التي تعمل لمصلحة لإسرائيل، وبخاصة أن البعض من هؤلاء كان يمضي إجازاته السنوية في إسرائيل.

ثالثاً؛ قبلت إسرائيل على مضض وجود “اليونيفيل” واستمرارها في جنوب لبنان وذلك تماشياً مع الإجماع الدولي وبالأخص موقف الولايات المتحدة التي تدعم “اليونيفيل” سياسياً ودبلوماسياً ومالياً منذ العام 1978 حتى يومنا هذا.

رابعاً؛ بالاجمال، تدعم معظم الدول المعنية وبالأخص الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن استمرار “اليونيفيل” وتُثمن ما تقوم به في جنوب لبنان وعلى الحدود مع إسرائيل من أجل حفظ السلام.

خلاصة: المجتمع الدولي والمقاومة

لم تعترف ولم تقبل الدول الغربية ومعظم الدول العربية بوجود الجناح العسكري لحزب الله في لبنان ومعظمها لطالما كان يُصنفه رسمياً “منظمة إرهابية”. إن مواقف هذه الدول قريبٌ جداً من الموقف الإسرائيلي الرافض لوجود “مقاومة عسكرية” على حدودها الشمالية. وبينما تغاضت دول غربية وعربية عن وجود جيشين على أرض بلد صغير المساحة كلبنان، إلا أن الولايات المتحدة وعدداً كبيراً من الدول الأوروبية والعربية كانت دائماً معارضة لوجود جناح عسكري في حزب الله، ليس بالنظر لما يُشكّله من خطر على إسرائيل، إنما أيضاً لاستهدافه مصالح إسرائيلية ويهودية في بلدان غربية عديدة.

وحتى الدول المؤسسة لمنظمة “بريكس” (BRICS): البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، يمكن اعتبارها دول متسامحة مع الوجود العسكري لحزب الله في لبنان وليست مؤيدة لوجود جيشين في بلد واحد، بالإضافة إلى أن جميع هذه الدول تقيم علاقات جيدة مع إسرائيل. وأذكر أنني سألت مرة أحد سفراء بلدان “البريكس” وكان بلده عضواً في مجلس الأمن، عن سبب تأييد حكومته للتعديلات التي طلبتها الولايات المتحدة اثناء مناقشة التمديد لـ”اليونيفيل” في آب/أغسطس 2022، فأجابني أن أحداً من بعثتكم لم يطلب منا معارضة الصيغة المطروحة، ما يعني أن بلده، من الناحية المبدئية، يريد لقوة “اليونيفيل” أن تتمتع بحرية الحركة في أماكن عملها في جنوب لبنان.

وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 تاريخ اندلاع حرب “طوفان الأقصى”، تصاعدت الانتقادات لحزب الله على خلفية قراره بالانخراط في تلك الحرب وكان معظم من نجتمع بهم يُندّدون ويُنذرون بأن لبنان سيدفع ثمن ذلك غالياً. كان كل من نلتقي به من المسؤولين الدوليين يبتسم بسخرية وازدراء عندما نحاول تبرير مشاركة حزب الله في “حرب الإسناد” وليس في حرب تهدف إلى تصفية “الكيان الصهيونى”. كذلك، كان معظم هؤلاء يتساءل عن معنى وفائدة تلك المساندة وعن كيفية تأثيرها على مجرى الحرب في غزة وهل أوقفت هدم المدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة والمدن والمخيمات وهل أوقفت قتل الفلسطينيين وتهجيرهم؟

وقد زار بيروت عددٌ كبيرٌ من وزراء خارجية دول أوروبية ومن جنوب أميركا لمحاولة اقناعنا بالخروج من تلك الحرب، ومنهم من زار بيروت أكثر من مرة لهذه الغاية. كان معظم هؤلاء يُعبّرون عن حبهم للبنان واللبنانيين ويطلبون من الحكومة اللبنانية الضغط على حزب الله للخروج من تلك الحرب قبل فوات الأوان.

ولو عُدنا إلى قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 (2006)، نجد أنه اعتُمد باجماع الدول الأعضاء في شهر آب/أغسطس 2006، وهدفه إنهاء الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل في منطقة جنوب نهر الليطاني. ولتحقيق ذلك، وافق مجلس الأمن على زيادة قوة (اليونيفيل) إلى 15,000 جندي كحد أقصى، حتى تتولى مراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم القوات المسلحة اللبنانية أثناء انسحاب إسرائيل.

كذلك، طلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة ان يضع، من خلال الاتصال بالعناصر الفاعلة الرئيسية الدولية والأطراف المعنية، مقترحات لتنفيذ الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف (1989)، وقراري مجلس الأمن 1559 (2004) و1680 (2006)، بما في ذلك نزع سلاح الميليشيات وكافة التنظيمات العسكرية، وترسيم الحدود الدولية للبنان، لا سيما في مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكدة، بما في ذلك معالجة مسألة منطقة مزارع شبعا، وعرض تلك المقترحات على مجلس الأمن في غضون ثلاثين يوماً.

باختصار، على لبنان أن يُعالج داخلياً كيفية تنفيذ قرارات مجلس الأمن بجدية وبوضع أجندة قابلة للتطبيق ومن ثم التفاوض مع الهيئات المعنية في الأمانة العامة للأمم المتحدة لتنفيذ تلك الأجندة وحل كل القضايا العالقة مع سوريا وإسرائيل.

لقد أفرزت الحرب الاسرائيلية الأخيرة موازين قوى جديدة وعطلت قدرة الردع التي راكمها حزب الله على مدى 17 عاماً (2006-2023)، الأمر الذي سينعكس على قرار التجديد لـ”اليونيفيل” المزمع صدوره عن مجلس الأمن الدولي في نهاية شهر آب/أغسطس 2025.

إن بقاء القديم على قدمه بات شبه مستحيل، وصار بقاء “اليونيفيل” في جنوب لبنان الآن على المحك. فهل شارف زمن “اليونيفيل” على نهايته، أم سنكون أمام “يونيفيل” بحلة جديدة من حيث تخفيض العدد ومنح حرية حركة أوسع من ذي قبل؟ وهل تتقاطع مصالح المتضررين من وجود “اليونيفيل”، بين من يُريدها على قياسه وبين من لا يُريدها أبداً فيصبح التخلص منها حاجة للأطراف الفاعلة؟

القرار الجديد، إذا كُتب له الصدور في نهاية الشهر المقبل (آب/أغسطس) سيُعطي هامش حركة اكبر وأوسع لقوات “اليونيفيل” ويجعل عملها أقرب إلى الفصل السابع الذي لا يستوجب موافقة لبنان لا على وجودها ولا على حرية عملها في الجنوب اللبناني.

إن غياب التوافق الوطني حول العناوين الأساسية يفتح الباب أمام تشققات في الجسم الوطني اللبناني من جهة ويجعل الداخل أكثر قدرة على فرض “أجنداته” اللبنانية من جهة ثانية، وبالتالي أية مقاربة لدور ومهام قوات “اليونيفيل” لا تعكس المصلحة الوطنية اللبنانية العليا والتوازنات الإقليمية والدولية الجديدة، سترتد سلباً على لبنان وتجعل بلدنا يتراوح بين عدم الاستقرار والموعد الدوري مع الحروب القصيرة والصغيرة”.

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله بو حبيب

وزير خارجية لبنان السابق

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  بانتظار "البرابرة"(*)!