هل تنجح مبادرة باتيلي في إطفاء ليل ليبيا الطويل؟

يُعوّل الليبيون (7 ملايين نسمة) على الإنتخابات وسيلة وحيدة لإنتخاب ممثليهم ووضع بلدهم على سكة الحل السياسي وإنهاء الحقبة الإنتقالية التي يُخشى أن تستمر عقداً ثانياً من الزمن. ثمة مصالح وأجندات أجنبية تتقاطع مع طموحات وأنانيات شخصية.. والنتيجة إخضاع الشعب الليبي لعذابات وآلام طويلة.

تعيش ليبيا إنسداداً سياسياً يحاول ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الديبلوماسي السنغالي عبدالله باتيلي إختراقه عبر مبادرة قدّمها إلى مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي أثناء مناقشة الأزمة الليبية.

سبق لمستشارة الأمين العام للأمم المتحدة السيدة ستيفاني ويليامز أن دعت إلى لجنة حوار سنة 2020 أدت إلى قيام حكومة الوحدة الوطنية التي كان من أبرز مهماتها إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021. لكن الرياح ذهبت بما لا تشتهي السفن وتمكنت النخب المفروضة بقوة الأمر الواقع من تضييع تلك الفرصة والعودة بالأزمة إلى المربع الأول.
وتقوم مبادرة عبدالله باتيلي على تشكيل لجنة تسييرية من شخصيات تمثل شتى الأطياف القبلية والمدنية والسياسية والإقتصادية والثقافية، وخاصة تلك التي تمثل الشباب والمرأة والمجتمع المدني مهمتها إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية 2023. أما آلية عمل هذه اللجنة، فتكون بإشراف الأمم المتحدة واللجنة العسكرية 5+5 التي برهنت عبر السنوات الأخيرة جديتها في تذليل العراقيل ومد جسور التواصل والتقارب والتفاهم بين المناطق.
مبادرة باتيلي سرعان ما إستقبلتها قيادات الأمر الواقع المتصارعة على أرض ليبيا بلغة عدائية، وفي المقابل، لقيت ترحيباً واسعاً لدى الأوساط الشعبية والمدنية التي تتطلع إلى الخلاص والإنقاذ. كما حظيت بتأييد دولي ولا سيما من أميركا وبريطانيا، في حين فضّلت روسيا أن يكون الحل ليبياً، ورفضتها مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة.

على مدى 12 عاماً، صارت ليبيا أسيرة جماعات ليبية متحاربة (مطعمة بمرتزقة عرب وأجانب) وأجندات أجنبية طامعة، مما يضاعف العراقيل أمام أية مبادرة لإجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية، خوفاً من أن تأتي نتائج الإنتخابات لغير صالحهم

الواقع أن قيادة البرلمان (عقيلة صالح) والمجلس الأعلى للدولة (خالد المشري) لم يتمكنا من إيجاد حل لخلافاتهما بشأن أحقية الترشح للإنتخابات. وتدور عقدة العقد حول حق العسكريين ومزدوجي الجنسية في الترشح، الأمر الذي يتمسك به رئيس البرلمان، بينما يصر مجلس الدولة على ضرورة تنازل مزدوجي الجنسية عن جنسياتهم المكتسبة وأن يستقيل العسكريون من مناصبهم قبل التقدم للإنتخابات.
والمقصود بذلك المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي الذي يطمح إلى خلافة معمر القذافي، وهو يحمل الجنسية الأميركية ويرفض الإستقالة من قيادة الجيش. وبرأي معظم المراقبين، يستحيل عقد أية إنتخابات رئاسية من دون حل مشكلة حفتر ومن دون أن يكون المشير على قائمة المرشحين لأنه يسيطر فعليا على ثلثي البلاد وخاصة منطقة الهلال النفطي الإستراتيجية.
لذلك تعتبر مشكلة حفتر من أبرز المعوقات أمام وضع مبادرة باتيلي موضع التنفيذ في بلد يواجه الأزمة تلو الأزمة منذ إنتفاضة شباط/فبراير 2011. وعلى مدى 12 عاماً، صارت ليبيا أسيرة جماعات ليبية متحاربة (مطعمة بمرتزقة عرب وأجانب) وأجندات أجنبية طامعة، مما يضاعف العراقيل أمام أية مبادرة لإجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية، خوفا من أن تأتي نتائج الإنتخابات لغير صالحهم.

ومن أجل الخروج من المأزق السياسي الذي تتخبط به ليبيا، لا بد من إطلاق مبادرة دولية محصنة من دول القرار في مجلس الأمن بما يؤدي إلى إعادة إحياء العملية السياسية وبما يضمن تجاوب معظم الأطراف الليبيبة المتصارعة معها وصولاً إلى تشكيل لجنة تسييرية مؤقتة مكلفة بإجراء الإنتخابات وتقبل نتائجها.
هذه الصيغة المقترحة وجدت تجاوبا من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة وعدد من الأحزاب السياسية والمجلس الرئاسي. بينما رفض البرلمان والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الإستقرار برئاسة فتحي باشاغا التي تتمسك بوجود حكومة تتمتع بثقة البرلمان وتدعي أنها قادرة على إجراء إنتخابات.
وحالياً تتنازع حكومتان الشرعية، الأولى هي حكومة الوحدة الوطنية ومقرها طرابلس ولا تحظى بثقة البرلمان ولكنها تحظى بإعتراف المجتمع الدولي. والحكومة الثانية في سرت حيث تحظى حكومة الإستقرار بإعتراف البرلمان ولكن من دون غطاء دولي.
وهكذا تبقى ليبيا عرضة للمفاجآت والتوترات والإشتباكات المسلحة تتنقل من مرحلة إنتقالية إلى أخرى بدون التوصل إلى إستقرار. إستفحال وجود مليشيات مسلحة تابعة للإخوان المسلمين وأمراء حرب يقدر عددهم بأكثر من 300 تنظيم يسيطرون على طرابلس ومصراته وزنتان يشكلون خطرا على أية تسوية سياسية لأنهم يؤيدون بقاء سلطات الأمر الواقع ويساندون بقائها دفاعاً عن مصالحهم ووجودهم.
ويبقى السؤال: هل حان الوقت لليبيا أن تستريح على يد باتيلي الضليع في الشؤون الليبية وهو الديبلوماسي الأفريقي والسنغالي الرفيع الذي يحمل الرقم 6 من مندوبي الأمين العام للأمم المتحدة الذين جرّبوا وفشلوا في إطفاء ظلام ليبيا الطويل؟

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  بالأرقام.. كيف "طارت" نصف ودائع اللبنانيين؟
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  صدّام والقذافي.. سيرةُ عداوة ثورية!