اتفق الحوثيون والسعودية على وقف إطلاق النار لمدة شهرين، بالتزامن مع شهر رمضان المبارك. وهذه الهدنة المؤقتى، يمكن تمديدها بالتراضي بين الطرفين. كانت أولى نتائج الهدنة تفريغ حمولة أولى من النفط في ميناء الحُديدة، بعدما وافقت الرياض على رفع الحصار الذي تفرضه عن واردات الوقود. هذا الأمر سيُسهل عملية إيصال المواد الغذائية والأدوية والمساعدات الأخرى إلى الشعب اليمني في مختلف المناطق اليمنية. كذلك تم رفع الحصار المفروض على مطار صنعاء، والسماح لعدد محدود من الرحلات الجوية التجارية أسبوعياً، وعلى ما يبدو إلى القاهرة وعمان تحديداً.
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبيرغ، قد أعلن، الأسبوع الماضي، هدنة إنسانية لمدة شهرين، تتضمن وقفاً لكل الأعمال العسكرية، فضلاً عن رفع جزئي للحظر المفروض من “التحالف” الذي تقوده السعودية على ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وكذلك فتح المعابر في مدينة تعز وباقي المدن اليمنية.
يستحق مفاوضو الأمم المتحدة الثناء على الجهود التي بذلوها من أجل إنجاح أول إتفاق جاد لوقف إطلاق النار منذ العام الثاني للصراع الدائر في اليمن منذ عام 2015. لقد وضع غروندبيرغ “إطار عمل” للمناقشات يتجاهل فعلياً قرارات مجلس الأمن الدولية الحالية التي تدعو إلى نزع سلاح الحوثيين وتسليم أراضيهم. ويبدو أن الحوثيين أكثر إنفتاحاً من ذي قبل على الهدنة مع تخفيف جزئي للحصار. وهم كانوا قد أعلنوا وقف إطلاق نار لفترة قصيرة، ومن جانب واحد، قبل اتفاق الأمم المتحدة.
الرئيس الأميركي جو بايدن، رحب بإتفاق الهدنة علانية، ونسب الفضل في ذلك إلى الأمم المتحدة والسعوديين والحكومة اليمنية، فضلاً عن سلطنة عُمان التي سهلت الاتصال بالحوثيين. السلطان العُماني، هيثم بن طارق، يسير على خطى سلفه قابوس كدبلوماسي ماهر يسعى إلى تخفيف التوترات الإقليمية.
بروس ريدل: نجحت إيران في تثبيت موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية يطل على مضيق باب المندب الإستراتيجي، الواقع بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. الحوثيون يديرون مخططاتهم إلى حد ما باستقلالية عن طهران، أي أن قرارهم بيدهم، لكنهم هذه الأيام أصبحوا مقربين جداً من الحرس الثوري الإيراني
سياسة إدارة بايدن تجاه الحرب في اليمن جاءت عكس سياسة إدارة ترامب، التي تمثلت في تقديم الدعم الكامل وغير المشروط للتدخل السعودي في اليمن، والذي كان خطأ كبيراً. قبل عام، دعا بايدن علناً إلى إنهاء الحرب، وعلَّق بعض المساعدات العسكرية الهجومية التي كانت تقدم إلى السعوديين. لكن ذلك لم يكن كافياً لإرضاء المنتقدين داخل الكونغرس. ويبدو أن المعارضة التي اتسعت داخل “الكابيتول هيل” مطالبة بوقف المساعدات الأميركية للمملكة كان لها صدى قوياً في الرياض، ويبدو أيضاً أنها ساعدت في قرار وقف إطلاق النار الجاري حالياً. كان لرفض بايدن التعامل مع ولي العهد الأمير السعودي، محمد بن سلمان، أثره الكبير على السعوديين أكثر مما يُصور في كثير من الأحيان؛ ومن الواضح أنه أثار غضب الأمير بن سلمان مهندس الحرب الكارثية في اليمن. المهم أن يبقى بايدن على موقفه وبحزم.
قرار وقف إطلاق النار لا يمنع الحوثيين من حيازة الصواريخ والطائرات المسيرة التي استخدموها لقصف المدن السعودية والإماراتية ومنشآت النفط في المنطقة. لقد قبل السعوديون متأخرين بحقيقة أنهم لا يستطيعون منع الهجمات التي يتعرضون لها، واقتنعوا أنهم يقوضون ثقة المستثمرين في المملكة. وكان الإماراتيون قد توصلوا إلى الاستنتاج نفسه في وقت سابق من هذا العام.
إيران مستفيدة من الهدنة. نجحت في تثبيت موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية يطل على مضيق باب المندب الإستراتيجي، الواقع بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. الحوثيون يديرون مخططاتهم إلى حد ما باستقلالية عن طهران، أي أن قرارهم بيدهم، لكنهم هذه الأيام أصبحوا مقربين جداً من الحرس الثوري الإيراني، وأكثر مما كانوا عليه قبل سبع سنوات في بداية الحرب.
إن وقف إطلاق النار هش. ويمكن أن ينهار في أي لحظة ولأي سبب. هناك العديد من المُتضررين بما في ذلك تنظيم القاعدة وأمراء الحرب المستقلين وغيرهم ممن يريدون استمرار هذه الحرب. قرار تحويل الهدنة إلى عملية حوار سياسي جدّي ومضمون فيه الكثير من التحديات الصعبة. قد يكون من الحكمة التركيز على التحرك بخطوات صغيرة من أجل تحقيق إنجازات قصيرة المدى، مثل زيادة عدد الرحلات الجوية من صنعاء بهدف تسهيل وتسريع إجلاء المرضى والمصابين. لذلك، فإن الأولوية الآن هي لتمديد وقف إطلاق النار إلى أجل غير مُسمى.
(*) راجع النص بالإنكليزية على موقع “معهد بروكينغز“