ثمة نظرة الى كل أنواع الإيروتيك على أنها عبارة عن بورنوغرافيا. هذا التقييم نابع من الثقافة، لذلك وجب الحديث في القسم الأول عن الآتي:
١.إيروتيك أم بورنوغرافيا؟
٢.استخدام الحرية بشكل مزيف واستخدام الدين للكبت.
٣.الذكورية في الرجل أو المرأة.
لا تسمح الثقافة البصرية العربية مثلاً بتماثيل عارية في الشوارع، لذلك يدخل كل شيء من هذا القبيل في حيز البورنوغرافيا، أي الشكل المحتقر للجسد والاثارة، علماً أن الإحتقار الحالي لم يكن موجوداً في صدر الإسلام. (هذا الأمر يُمكن مناقشته في مقالة لاحقة).
إيروتيك أم بورنوغرافيا؟
هذ هو السؤال المتكرر دوما عند الحديث عن الفن/ الأدب الإيروتيكي. إنه بورنوغرافيا وليس فناً، وأن “الإيروتيك” كلمة فنية لتدليس البورنوغرافيا.
الإيروتيك هي ” تقديمات أو تمثيلات على الاقل فى النهاية تؤخذ على أنها نشاط جنسي”.[1]
الأصل اللغوي لبورنوغرافيا
يتم الاعتراض دوماً على الفن الإيروتيكي كونه يُقدّم صوراً عارية مذمومة وفاضحة للجسد الإنساني (رجل أو إمرأة).
”قال القدماء بأن بارازيوس اخترع البورنوغرافيا حوالى عام 410 ق. م. فى أثينا والبورنوغرافيا تعنى حرفيا ”رسم المومسات” [2].
ويتم الخلط بين الفن العاري والبورنوغرافيا كثيراً بين عامة الناس حيث يطلق بعض هؤلاء على أي لوحة أو تمثال عارٍ عبارة “بورنوغرافيا”.
الفرق بين البورنوغرافيا والإيروتيك
الفرق هنا فى الفعل الجمالي والاستثارة، فإن تمت الاستثارة الجمالية نفسها أكثر من الاستثارة الجنسية فهذا الفن إيروتيكي، أي حسب الدلالة فى الرائي، أما إن كان مجرد إستثارة جنسية، فهذا بورنوغرافي .
فالبورنوغرافيا ليس لها وظيفة سوى إثارة الغرائز الحسية بينما للإيروتيك وظائف جمالية.
والذين يقفون ضد الفن العاري، يريدونه أن يبقى مُغلفاً مقموعاً محجوباً برغم أنه قيمة أساسية في حياة الانسان مثله مثل القيم الأخرى التي إن حُرمت يولد ذلك تشوهات كثيرة.
ثقافة الرائي
والدلالة هنا اعتبارية نبعاً لثقافة الرائي، فإذا كان مكبوتاً جنسياً سيجد الجسد العاري، حتى لو كان لدمية، مجالاً لإثارته الجنسية.
النسبية هنا ليست معرفية ناضجة بل نسبية مجروحة بالكثير من الكبت وحسب ثقافة ونوازع الشخص.
قصة بودلير و”العاهرة”
حتى أن الشاعر والناقد الفرنسي الفاجر شارل بودلير كان يتحدث عن عاهرة عادية ذهبت معه إلى متحف فوجدت لوحات ومنحوتات عارية كثيراً. يقول عن هذه الواقعة:
”أغبياء البرجوازية الذين يتشدقُون دائماً بكلماتِ من قبيل (لا أخلاقى)، (لا أخلاقية)، (الأخلاق فى الفنّ) وغيرها من الحماقات، يُذكِّروننِى بـ(لويز فيلديو)، وهي عاهرة بخمسة فرنكات، رافقتنى ذات يوم في زيارة إلى اللوفر، وكانت تلك أوّل مرة تزور فيها هذا المتحف، فاحمَرَّ وجهُها وراحت تغطيه بكفّها وتجذبنى من كُم السترة، متسائلةً أمام اللوحات الخالدة: كيف أمكن عرض كل هذه العَوْرَات على الناس”؟[3]
التابو الأكبر
يدعو المزيف سواء أكان عربياً أو غيره إلى حرية الجسد عندما يشتهي ويزدريها عندما يشتهي آخر أخته.
المزيف، أي قلة الصدق في التعامل مع المفاهيم واستخدامها من دون أسس معيارية، بل تبريرا واستخداما لكبته أو شهوته.
فبعد مواجهة الكثير من المجتمع كان التابو الأكبر نسبيا هو الجسد، بتعبيراته كلها من رقص وجنس وجندر.. الخ.
السُباب والجسد
التابو هذا به نسبة احتقار ولذلك يستخدم في السباب، وأصنفه على أنه مُقدّس ومُدنّس في آن معاً؛ مُقدّس عندما يُراد ومُدنّس عندما يفعله الآخر خارج تقييمات الشخص.
أي أحد يدافع عن حقوق المرأة في أي شأن، الميراث، الحجاب، الحرية الفكرية.. إلخ، يتم نعته بلفظ “الخول”.
يطلق على كل مدافع عن حقوق المرأة في المجتمع العربي بين المقيدين لفظ “خول”، وهو لفظ تصنيفي ومعناه الشعبي التاريخي هو المثلية المبطنة أو عدم الرجولة (بالمعنى الشعبي) أو قلة الذكورية.
ويُرجع البعض الأصل الأحدث لـ“الخول” الى القرن التاسع عشر، حين كان الرقص محظوراً على النساء، فكانت “الخولات” هي فئة من الرجال يرقصون الرقص الشرقي النسائي، وكان “الخولات” يتشبهون بالنساء في استخدام الصاجات وارتداء بدلة الرقص والتزين النسائي”.
سند التصنيف”الخول”
فسند التصنيف، كما رأينا، هو اقتران الفن (الرقص) بالمرأة وبالتالي ثمة نظرة ذكورية مطلقة تعتبر أن الرجل يجب أن يستخدم جسده فقط في أفعال سلطوية!
وتعبير “المثلي” يستخدمه الرجال في نعت بعضهم، حتى في المزاح للتأثير على قوة الحجة بالخلل والاضطراب والمفارقة الدنيئة، فلا توجد حركة دلالية في المفاهيم بل توجد ثنائية لكل شيء.
وبهذه الثنائية، الرجل هو القوي الفاعل والمرأة هي المفعول به المتدنية، والنعت بالأنثوية عار للرجل وشتيمة!
السُلطات والتصنيف
التصنيف من أدوات المجتمع الجاهل المقموع لقهر المختلف والمتفكر والمتأمل.
وسيكولوجية تلك المجتمعات شديدة التعقيد كون السلطات كلها فاعلة ومستفيضة في التأثير ولا توجد مقاومات ولا احتجاجات.
التشكل الجمالي الوحيد لهذا المقهور والمقموع هو قهر المرأة حتى وهو يستمتع بجمالها في الجنس والرؤية، كأن الأمر لعبة جمالية عميقة سادية.
الذكورية المطلقة
الذكورية التي تظن أنها فوق الأنثوية تاريخيا من الصعب التحرر منها بالنسبة للرجل لأنه مُعطَى أوهام حقوقية وراثية من المجتمع، حتى أنها أصبحت بمثابة الحقوق المطلقة مثلها مثلها كلام الله في دينه، تسهل له التعامل مع المرأة كسلعة فلا يمكن أن يتحرر من ذلك بسهولة.
الجسد والتسليع
الذي يعاضد ذلك هو التدين أيضاً والثقافة الرأسمالية التي جعلت الجسد سلعة والجسد الأنثوي بالخصوص “فالتبضيع التجاري للجسد هو أحد أوجه المنظومة المادية المعاصرة التي أدت إلى تسليع الإنسان وتشيئته. ويعنى الإتجار بالجسد من خلال تسويقه وبيعه عبر وسائل الإعلام المختلفة. خاصة الجسد الأنثوي الذي تشهد صورته حضوراً مكثفاً بل مفرطاً في الصحف والمجلات والتلفزيون والسينما والرسائل الإشهارية بمختلف وسائطها، وبرامج مسابقات ملكات وملوك الجمال وعروض الأزياء والفيديو كليب وصيحات الموضة.. بهدف لفت انتباه المتلقي وإثارته من خلال الجاذبية الجمالية والغريزية للجسد”.[4] والتخلص من تلك الحقوق غير الإنسانية وغير القانونية أمر يندر وجوده لأنه يتطلب صدقاً كبيراً ذاتياً.
المرأة في العقل الذكوري
فالمرأة في عقل الرجل الذكوري أو المرأة الذكورية “فضاء يمارس فيه الرجل طقوسه المتفق عليها في قلاع السلطة البطريركية حيث تمر من العذرية إلى الأمومة. كأنما جسدها يصلح للحل والإنجاب فقط. وشكّلت المرأة في الذهنية الذكورية المهيمنة الكائن المستضعف الذي لا يستطيع حماية نفسه.. إلا بالانطواء تحت رحمة الآخر الذي ينظر إليه على أنه شيء من الأشياء الخاصة. وهو ما ساهم في عبودية المرأة الجسدية أو الاقتصادية والأسرية وبالتالي زجها على الهامش المعتم بحكم هيمنة قيم ومعتقدات وأفكار. وسلطات متحيزة تتعامل مع المرأة جسدا ومتعة”.[5]
المراجع:
- فى الجنس والسبب ريتشارد بوزنر.
- الجنس والفزع لباسكال كينيار.
- بودلير، قلبى عارياً.
- قواسم بن عيسى، ميديولجيا الجسد بين التنميط الاستطيقي والتبضيع التجاري.
- سليم سهلي، بروقي وسيلة، البناء الفوقي وتعنيف الجسد الأنثوي في الأسرة التقليدية.