“بالنظر إلى التشكيلة السياسية الحالية، قد تؤدي الانتخابات العامة التي ستجرى في تركيا في 14 مايو/أيار 2023 إلى هزيمة رجب طيب أردوغان، الذي يتولى حزبه – حزب العدالة والتنمية – السلطة منذ 2002. فبعد أن خسر النظام المدن الكبرى خلال الانتخابات البلدية في 2019، تعزّز هذا الاحتمال بسبب سوء إدارة الحكومة لتبعات الزلزال الذي تسبب، يوم 6 فبراير/شباط، في هلاك أكثر من 50 ألف شخص في تركيا. وقد سبق في سنة 1999، بعد زلزال مرمرة، أن سهّل نفس المشهد المؤسف لعجز مؤسسات فاسدة في التعامل مع العواقب المادية والبشرية للكارثة، صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة (…).
وتكتسي الانتخابات العامة التي ستُجرى في غضون أيام قليلة أهمية خاصة. سيتم إجراء انتخابين في 14 مايو/أيار: الدور الأول من الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية. يتم تنظيم الانتخابات الرئاسية في دورتين بين المرشحين اللذين يحصلان على أكبر عدد من الأصوات إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية في الدور الأول. تتميز تركيا بنظام رئاسي قوي، خاصة منذ إلغاء منصب رئيس الوزراء سنة 2018، ويشكّل الوزراء حكومة مع رئيس جمهورية يتمتع بصلاحيات واسعة. لا يوجد سوى مجلس واحد منتخب بالتصويت على قائمة المقاطعات، مع بعض الأحكام المحددة التي تعتبر حاسمة.
حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يجعل فوز أردوغان غير مؤكد، حتى لو استفاد النظام لبعض الوقت من مماطلة المعارضة في اختيار مرشّحها للانتخابات الرئاسية
حملة منظمة حول ائتلافات
يتقدم نظام الرئيس المنتهية ولايته تحت ألوان “تحالف الجمهورية” (Cumhuriyet İttifakı). أرضيته برنامج قومي استبدادي، نيوليبرالي بعمق، محافظ بشكل متزايد ومناهض لحقوق المرأة. يتألّف هذا التحالف بشكل أساسي من حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية (AKP) الذي يتولى السلطة منذ 2002، وله 285 نائبًا منتهية ولايتهم من أصل 600. ونجد إلى جواره حزب الحركة القومية المتطرف (Milliyetçi Hareket Partisi-MHP)، الحليف الرئيسي لحزب العدالة والتنمية في البرلمان بـ 48 نائبًا، وهو القوة الثانية في هذا الائتلاف، إضافة إلى العديد من الأحزاب القومية والمحافظة الصغيرة ذات الأهمية الأقل.
المنافس الرئيسي لتحالف الجمهورية هو تحالف الأمة (Millet İttifakı)، الذي يُبرز برنامجه بشكل أساسي عن ليبرالية سياسية لمكافحة الفساد، وليبرالية اقتصادية ممزوجة بحدّ أدنى من الحقوق الاجتماعية. يريد هذا التحالف على الخصوص استرداد 418 مليار دولار يُقدّر أنها سُرقت من الدولة من قبل النظام وأتباعه. وينتظم هذا التحالف حول حزب الشعب الجمهوري (Cumhuriyet Halk Partisi) القومي من يسار الوسط، صاحب 134 نائبًا. وقد انضمّ إليه الحزب الجيِّد (İyi Parti) القومي المتطرف، الذي يضمّ 36 نائباً، فضلاً عن عدة أحزاب أصغر. يدعم هذا التحالف كمال كليتشدار أوغلي.
تحالف المعارضة الثاني، اليساري، هو تحالف “العمل والحرية” (Emek ve Özgürlük İttifakı)، وقد تشكل حول حزب الشعوب الديمقراطي (Halkların Demokratik Partisi)، وهي حركة قومية كردية ويسارية، لها 57 نائبا منتهية ولايتهم. أخيرًا، يدعم تحالف السلف (Ata İttifakı) القومي سنان أوغان. كما يترشّح محرم إينجه، المنشق عن حزب الشعب الجمهوري، كمستقل.
إذا كان تصميم أردوغان يبدو ثابتًا، فمن المحتمل أن يكون ترشيحه غير قانوني، إذ أن الدستور ينصّ على فترتين متتاليتين كحدٍّ أقصى. ومع ذلك، يعتبر أردوغان أن المراجعة الدستورية لعام 2017 أعادت الحسابات إلى الصفر. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن الرئيس المنتهية ولايته أبداً من إثبات حصوله على شهادة جامعية، بينما ينصّ الدستور التركي على وجوب أن يكون المترشح للرئاسة متحصّلاً على شهادة التعليم العالي. هذا ليس سوى مثالاً عرضيًّا على اصطفاف معظم الجهاز القضائي وراء الرئاسة، والمزايا العديدة التي يتمتع بها النظام في هذه المنافسة الانتخابية. فعلاً، فهو يتمتع بسيطرة مطلقة على وسائل الإعلام العمومية ويحظى بدعم الغالبية العظمى من تلك العاملة في القطاع الخاص.
في حالة انتصاره، يحتاج تحالف الأمة إلى دعم تحالف العمل والحرية من أجل تأمين الأغلبية في البرلمان. وسيفتح الفوز المحتمل لكمال كليتشدار أوغلو آفاقاً جديدة ليسار مناضل
ترددات وانشقاقات في المعارضة
لكن حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يجعل فوز أردوغان غير مؤكد، حتى لو استفاد النظام لبعض الوقت من مماطلة المعارضة في اختيار مرشّحها للانتخابات الرئاسية. على عكس المواعيد النهائية السابقة أراد رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلي، أن يكون مرشّح المعارضة، بينما كان شريكه “الحزب الجيِّد” يفضّل الاصطفاف إمّا وراء رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، أو وراء رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، عضو حزب الحركة القومية اليميني المتطرف (MHP) من 1989 إلى 2013. وإذا كان “الحزب الجيّد” يرى أن كمال كليتشدار أوغلو لا يتمتع بالصفات التي تجعله “الأكثر أهلية” للانتخاب، فهذا يعود بلا شك إلى هويته الكردية والعلوية، في بلد ذي غالبية سنية كبيرة حيث “المسألة الكردية” محلّ جدل. لكن بين صورة أكرم إمام أوغلو التي عزّزتها الهجمات القضائية التي شنّها عليه النظام، وكون اختيار منصور يافاش غير مقبول للحركة الكردية نظرًا لماضيه، كان تعيين مرشّح التحالف أمراً معقّداً. ومع ذلك، انتهى الأمر بقيادة حزب الشعب الجمهوري إلى إقناع الأحزاب اليمينية الصغيرة المشاركة في التحالف بدعم كمال كليتشدار أوغلو، والذي كان سخيًّا في منحهم ترشيحات مؤهلة للنجاح في الانتخابات البرلمانية.
تسبب هذا في قطيعة مع “الحزب الجيّد”، الذي أعلن انسحابه من التحالف من خلال خطاب ناري أطلقته رئيسته ميرال أكشنر. غير أن الأخيرة استهانت ـ هي وقيادة أركان حزبها – كليًّا بالصورة السلبية للغاية التي ولّدتها هذه القطيعة لدى أطياف المجتمع الراغبة في وضع حدّ للأردوغانية. وعلاوة على ذلك، لم يكن للحزب الجيّد أي بديل، لأن رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة رفضا عرضه وأعادا تأكيد وفاءهما لقيادة حزبهما. وهكذا، بعد أن وجد نفسه ظهراً إلى الحائط تمامًا أيام قليلة فقط بعد مغادرته تحالف الأمة، وافق “الحزب الجيّد” على اتفاق يسمح له بحفظ ماء الوجه وعاد، ضعيفاً، ضمن التحالف (…).
آفاق اليسار
تمثل هذه الانتخابات رهانا تاريخيا بالنسبة لتركيا. يُعدّ إعادة انتخاب أردوغان بمثابة إدامة نظام استبدادي ونيوليبرالي بشكل متزايد، وصل إلى حدّ تعدي نقطة فارقة من حيث الهجمات على حقوق المرأة وحقوق المثليين. تسير الضراوة الشديدة التي يتسّم بها خطاب الشركاء المحافظين المتطرفين لحزب العدالة والتنمية الذين يريدون تجريم الزنا أو إلغاء القانون المتعلّق بالعنف المنزلي في نفس الاتجاه. أما تحالف الأمة، فهو ملتزم أوّلا بمكافحة الفساد، ويتمثّل وعده الرئيسي بالإفراج عن آلاف السجناء السياسيين – وغالبيتهم العظمى من الأكراد -، وإعادة بعث البلديات الكردية الموضوعة تحت إشراف الدولة، والبحث عن حلّ سياسي للمسألة الكردية. في حالة انتصاره، يحتاج تحالف الأمة إلى دعم تحالف العمل والحرية من أجل تأمين الأغلبية في البرلمان. وسيفتح الفوز المحتمل لكمال كليتشدار أوغلو آفاقاً جديدة ليسار مناضل”.
(*) راجع النص كاملاً على “أوريان 21“