طلال سلمان بادر، أنتج.. ونجح

لم يرد الأستاذ طلال سلمان "السفير" منبرًا حرًا فحسب، بل أراده مُتحرّرًا من قيود المألوف، خارج السرب قولاً وفعلاً. بادر وأنتج ونجح، فكانت "السفير" الصوت المُدوّي في لبنان ومنه إلى المحيط العربي.

من القومية العربية انطلق، ومنها إلى فلسطين، قضية لا تقلّ ثباتًا عن الناصرية، وإلى مسائل أخرى ملازمة. توافق العرب على رفض الاحتلال واختلفوا على التحرير، مقاربات وغايات. لكن لا همّ في ميزان طلال سلمان، ما دام للصوت وقع وصدى. ففي حضرة الحاكم المعصوم والجمهور المكتوم، حيث الصوت الواحد، فلا بدّ من أصوات مُغايرة. وفي لبنان المتعدد الأصوات ، حلّت “السفير” نجمًا ساطعًا في فضاء الصحافة المجرّبة. “سلاح” لبنان في العالم العربي الصحافة الحرّة، و”السفير”.. “سلاح” طلال سلمان الأمضى.

من البقاع إلى بيروت، طلال سلمان ابن مسيرة شهدت ثورات وخيبات، واكبتها أجيال وأحلام وانتظارات. إنه زمن الطموحات الكبرى في رفض الأمر الواقع، إلى أن فَرَض الواقع ايقاعه بعد أكثر من أربعة عقود من “سفارة” لم تهدأ و”سفير” لم ييأس. فمن الطائفية إلى المذهبية في لبنان. ومن الوحدة العربية إلى التشرذم. ومن خيارات التنوع والانفتاح إلى الدين الفاصل.

ظلّ “حزب” طلال سلمان قائمًا، إلى أن بات الوطن بلا “السفير”، والأصح “السفير” بلا وطن. ظلّت “السفير” مرآة الحال العربية، إلى أن باتت حالات والوطن أوطان. الربيع العربي- الحدث الأبرز في العالم العربي في السنوات الأخيرة- كان عربيًا بالاسم، ولم تحمل مواقف الاعتراض الشعبي التي أفرزها أيا من مضامين الأمس، القريب والبعيد، التي كانت “السفير” نتاجه ورئيس تحريرها في طليعة رافعي لواءه. غابت “السفير” وظلّ الأستاذ طلال مواظبًا في مكتبه، “على الطريق”، في جمهورية بلا جمهور. وذهب أركان الجمهورية، وهم كُثر، كلّ في طريق الانجاز والنجاح، قبل الغياب وبعده.

لم أكن على معرفة شخصية بالأستاذ طلال سلمان في بدايات “السفير”. إلى أن كانت مفاجأة اتصاله الهاتفي في 1988، بعد أشهر من عودتي إلى لبنان من أميركا، حيث استكملت دراستي الجامعية، طالبًا مني مقابلة حول السياسة الدولية. وكلّف صحافية مُقيمة في “الشرقية” (آنذاك) بالمهمة. وهذا ما حصل.

ظلّ “حزب” طلال سلمان قائمًا، إلى أن بات الوطن بلا “السفير”، والأصح “السفير” بلا وطن. ظلّت “السفير” مرآة الحال العربية، إلى أن باتت حالات والوطن أوطان

بعد أعوام شاركت في لقاءات بدعوة من الأستاذ طلال في مكاتب الجريدة مع مجموعة من المثقفين والكتّاب. ولم يطل الأمر إلى أن بدأت كتابة مقالة أسبوعية لأكثر من عامين على صفحة “السفير” الرئيسية، إلى حين توقفت عن الصدور. وكان من المتوقع أن تتناول كتاباتي الشأن السياسي، علمًا أن الأستاذ طلال لم يشر إلى أي موضوع أو توجّه معيّن. هذه الثقة في التعاطي تركت أطيب الأثر والاحترام تجاه رجل صدق في تعامله بلا أي تردّد أو مقدمات. وللأمانة، مرة واحدة فقط اتصل الأستاذ طلال ناصحًا بإعادة النظر في نص أرسلته مُبديًا الاستعداد لنشره، تاركًا لي الخيار. قرّرت عدم نشر المقال إذ كان يحمل مضامين قد يُساء فهمها ولا يُمكن الاستفاضة في خلفياتها في نص محدود الكلمات.

خارج الإطار المهني، طلال سلمان هو غيره في الكتابة وأظن أيضًا في إدارة صحيفة يومية واسعة الانتشار. حضور الأستاذ طلال ودود بلا تكلّف أو ادعاء، بساطة جاذبة، لياقة ومرونة ودماثة توحي بخجل مستور، وظرف جاهز حمّال رسائل في كل الاتجاهات.

جسّد طلال سلمان في حياته المهنية مسار حقبة غير مسبوقة ان لجهة قرائها وكُتّابها أو في ما يخص همومها واهتماماتها في لبنان والعالم العربي. في زمن الصخب والثورة أخذت “السفير” مداها وتركت أثرًا عميقًا في توجّهات الحاكم والمحكوم. وفي زمن التراجع والجمود ظلّ الصوت عاليًا وإن خفت الصدى.

حضور ألمعي ثابت في مسار الصحافة اللبنانية والعربية صنعه طلال سلمان في حياته، وارث التزام ونضال لن يغيب مع رحيله. وفي الحالين، ما تركه طلال سلمان قد لا يتكرّر.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  عن شيوخٍ في الخامسة والعشرين!
د. فريد الخازن

سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  صفر الرواتب.. صفر الجوع القادم