رئاسة تايوان تُشعل شرارة التوتر بين بكين وتايبيه

أثارت الانتخابات الرئاسية فى تايوان، في 13 كانون الثاني/يناير، غضب الصين لفوز لاى تشينج تى، عضو الحزب الديموقراطى التقدمى المنبوذ من الصين، إذ عرف عنه دفاعه القوى عن استقلال تايوان، مما يثير مخاوف الصين بشأن مخططات استعادة الجزيرة التايوانية إليها. وقد تناول عدد من المواقع والصحف والمجلات الأجنبية مصير التوتر بين تايبيه وبكين فى عهد لاى تشينج تى، وهل ستستطيع واشنطن السيطرة على هذا التوتر والحفاظ على أمن واستقرار المضيق؟

حذر مسئولون صينيون من فوز لاى تشينج المنتمى للحزب الديموقراطى التقدمى فى الانتخابات التايوانية. وهدد تشن بينهوا، المتحدث باسم مكتب مجلس الدولة الصينى لشئون تايوان، «بأن لاى ذو نزعة انفصالية ومن شأن انتخابه أن يخلق وضعا خطيرا من الرياح والأمواج العاتية فى مضيق تايوان».

في المقابل، يعتقد السياسيون التايوانيون أن فوز لاى فى هذه الانتخابات دلالة على رغبة أغلبية الشعب التايوانى فى الاستقلال الفعلى عن الصين، “إذا فاز لاى بنسبة 40% من الأصوات، فهى علامة على أن الأغلبية تريد الاستمرار على طريق حزبه لتعزيز الردع والعلاقات مع الديموقراطيات الأخرى» (صحيفة الإيكونومست البريطانية). فى ضوء هذا، لا بد من الإشارة إلى أن آراء شعب دولة الصين الشعبية انقسمت ما بين منزعج من نتائج الانتخابات واعتقاده بضرورة ضم تايوان إلى الصين، ومحترم لرغبة ناخبى تايوان مصحوبا بالقلق من مستقبل مشحون بالتوتر، وتنقل صحيفة الإيكونومست عن طالب جامعى من شنغهاى يرى أن فوز لاى علامة على مستقبل ملبد بالغيوم، لكنه وصف الانتخابات بأنها تعبير عن إرادة الناخبين فى تايوان، واستطرد قائلا: «من بين أبناء جيلى، أعرف القليل ممن يريدون الحرب. فى حين أن بعض كبار السن قد يأملون فى أن نتمكن من استعادة تايوان بالقوة ذات يوم».

اتخذت بكين عدة إجراءات دبلوماسية ردا على نتائج الانتخابات فى تايوان:

أولاً؛ أعلنت دولة ناورو، وهى جزيرة صغيرة فى المحيط الهادئ، تحويل علاقاتها الدبلوماسية إلى الصين بدلا من تايوان بعد يومين من إجراء الانتخابات. وأصدرت وزارة الخارجية التايوانية بيانا أكدت فيه أن الصين تواصلت مرارا وتكرارا مع شخصيات سياسية هناك وعرضت المساعدة الاقتصادية لإقناع الجزيرة بقطع العلاقات مع تايبيه. وهو تكتيك مبتذل تستخدمه بكين لمعاقبة تايبيه وعزلها فى عهد رؤساء الحزب الديموقراطى التقدمى «نجحت الصين حتى الآن فى إغراء 10 دول لقطع العلاقات مع تايوان لصالح جمهورية الصين الشعبية خلال فترة رئاسة تساى» (بريان هارت، سكوت كينيدى، جود بلانشيت، بونى لين، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية).

ثانياً؛ أصدرت سلطات جمهورية الصين الشعبية بيانات تنتقد الولايات المتحدة واليابان والدول الأوروبية لإرسالها وفودا إلى تايوان فى أعقاب الانتخابات، وانتقدت وزارة الخارجية الأمريكية والفلبين لإصدارهما بيانات تهنئة إلى لاى تشينج.

ثالثاً؛ أصدر تشن بينهوا بيانا يقلل من قيمة نتيجة الانتخابات مؤكدا أن تايوان جزء من الصين «مهما كانت التغييرات التى تحدث الآن فى تايبيه»، وأن موقف الحكومة الصينية المتمثل فى التمسك بمبدأ صين واحدة ومعارضة النزعة الانفصالية فى تايوان لن يتغير.
رابعاً؛ هددت بكين بفرض عقوبات اقتصادية على تايوان، على الرغم من عضوية الاثنتين فى منظمة التجارة العالمية، كما أن علاقاتهما الاقتصادية تحكمها فى المقام الأول اتفاقية إطار التعاون الاقتصادى (ECFA)، والتى دخلت حيز التنفيذ فى عام 2010. لكن أطلقت بكين تحقيقا رسميا فى امتثال تايوان للاتفاقية، فى أبريل/نيسان 2023، «بسبب قائمة طويلة من السلع الصينية التى تمنع تايوان استيرادها إلى الجزيرة». وقبل أيام قليلة من الانتخابات، أعلنت الصين عن قائمة أولية من العقوبات البسيطة على تايوان متهمة إياها بانتهاك التزاماتها، لذا من المحتمل أن نرى فى الأشهر المقبلة، بكين تضيق الخناق على الشركات التايوانية فى الصين، إضافة إلى تعليق اتفاقية الشراكة الاقتصادية الأوروبية بشكل كامل.

***

من المحتمل أن تشهد المنطقة توترات غير مسبوقة بين الجانبين في المرحلة المقبلة، مع احتمال ممارسة بكين المزيد من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية على تايبيه. كذلك من غير الواضح إذا كانت واشنطن ستستمر فى دعم تايوان عسكريا وسط التوترات التى يشهدها العالم، بخاصة بعد ما ورد مجددا على لسان بايدن بأن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان

لا شك أن هذه التطورات فى الجزيرة التايوانية من شأنها إثارة قلق الولايات المتحدة، وبالفعل قام وفد غير رسمى من كبار المسئولين الأمريكيين السابقين بزيارة تايوان بعد الانتخابات مباشرة. لم يلتقوا فقط بالسيد لاى والرئيسة المنتهية ولايتها، تساى إنج وين، ولكن أيضا بالسيد إريك تشو، رئيس حزب الكومينتانج، وذلك للتأكيد على استمرار دعم واشنطن لتايبيه، والاعتقاد بأن جميع الأحزاب التايوانية تريد أن تفعل «ما هو الأفضل لتايوان، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية».

وأدلى الأدميرال جون أكويلينو، القائد العسكرى الأمريكى الأعلى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، بخطاب فى هونولولو بعد الانتخابات جاء فيه: «أتوقع بعض استعراض القوة (من جانب الصين) ضد تايوان فى المدى القريب” (كميل إليميا، موقع Eurasia review).

يبقى السؤال هنا كيف ستترجم واشنطن موقفها الداعم لتايوان إلى سياسة فعلية، وبخاصة ما يتعلق بالمسائل الدفاعية التى تعتبرها واشنطن حاسمة، مثل تزويد تايوان بالأسلحة التى من شأنها أن تجعل الصين تفكر مرتين قبل الغزو؟ ــ وهو ما يحاول الخبراء والمسئولون الأمريكيون تقييمه الآن (جاك ديتش، مجلة فورين بوليسى). لذا أرسلت البحرية الأمريكية سفينة حربية عبر مضيق تايوان، فى يوم 24 يناير/كانون الثاني، وهو ما وصفته الصين بأنه عمل استفزازى ويمهد الطريق للحرب.
من المهم الإشارة إلى رفض إدارة جو بايدن طلبات معينة لتايوان، مثل طائرات الهليكوبتر المضادة للغواصات، بدعوى دفع تايوان إلى التركيز بشكل أكبر على نشر الأسلحة التى سيكون لها تأثير مباشر على ردع الصين. كذلك أكدت الولايات المتحدة، كما ورد على لسان رئيسها جو بايدن، أنها لا تدعم استقلال الجزيرة التايوانية.
يرى هينو كلينك، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكى لشئون شرق آسيا، أنه من الأفضل للرئيس التايوانى الجديد فى المرحلة المقبلة، «زيادة مدة التجنيد الإجبارى، والتدريبات العسكرية الأكثر واقعية، والاتجاه إلى إنفاق المزيد على الدفاع بالإضافة إلى شراء النوع المناسب من الأسلحة». هنا أتفق مع رأى مجلة فورين بوليسى أنه حتى لو اتفق لاى مع واشنطن بنسبة 100% وأراد اتباع هذه السياسات التى تعتقد الولايات المتحدة أنها الأفضل، فسيظل يتعين عليه التعامل مع سيطرة حزب الكومينتانج المعارض(KMT) على أغلبية المقاعد فى البرلمان التايوانى مما قد يعرقل خططه ومشاريعه.

إقرأ على موقع 180  تقارب تركي أرميني.. ولكن

***

على صعيد آخر، انقسم موقف الدول الآسيوية إزاء الانتخابات التايوانية وفوز لاى تشينج تى بالرئاسة بين الدعم والتهنئة أو المعارضة لكسب ود الصين. فأظهرت ميانمار، إحدى أعضاء رابطة الآسيان، دعمها الصريح للصين فى بيان لها مؤكدة أن تايوان جزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية. بينما أثارت الفلبين، العضو فى رابطة دول الآسيان، ضجة عندما هنأ الرئيس فرديناند ماركوس جونيور رئيس تايوان المنتخب لاى على موقع X (تويتر سابقا)، مما أثار غضب الصين، لترد وزارة الخارجية الصينية فى نفس اليوم على تهنئة ماركوس، قائلة إنه بحاجة إلى «قراءة المزيد» لفهم تاريخ تايوان مع اعتبارها رسالة التهنئة هذه انتهاكا صريحا لمبدأ صين واحدة.
وهذا ما دفع وزارة الشئون الخارجية فى حكومة ماركوس إلى التأكيد على «سياسة الصين الواحدة». لذا انتقدت سناتور المعارضة الفلبينية، ريزا هونتيفيروس موقف ماركوس وسياسة إدارته غير المتسق قائلة: «لا يمكننا أن نجعل الرئيس، المهندس الرئيسى للسياسة الخارجية، يقول شيئا، بينما تقول وزارة الخارجية شيئا آخر».
جوهر القول، إن الفترة القادمة في العلاقات التايوانية الصينية لن تكون سهلة، لذا لا بد للرئيس الجديد، لاى تشينج تى، التحلى بالعقلانية والتريث للتصدى لاستفزازات الصين دون الإضرار بأمن واستقرار تايوان والمنطقة.

ومن المحتمل أن تشهد المنطقة توترات غير مسبوقة بين الجانبين في المرحلة المقبلة، مع احتمال ممارسة بكين المزيد من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية على تايبيه. كذلك من غير الواضح إذا كانت واشنطن ستستمر فى دعم تايوان عسكريا وسط التوترات والصراعات التى يشهدها العالم، بخاصة بعد ما ورد مجددا على لسان بايدن بأن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  نظرة إسرائيلية للأزمة اللبنانية.. "تقويض مكانة حزب الله"!