موسولينى يجُر إيطاليا للفاشية فالحرب العالمية الثانية (7)

بعد أن شرحنا الكيفية التى صعدت بها النازية فى ألمانيا والديكتاتورية العسكرية فى اليابان ودورهما فى التصعيد السياسى والعسكرى وصولا إلى الحرب العالمية الثانية، يتبقى لنا شرح صعود الفاشية فى إيطاليا على يد موسولينى كى نكمل أضلاع مثلث قوى المحور.

صعدت الفاشية فى إيطاليا فى ظروف مشابهة كثيرا لصعود النظم الشمولية فى ألمانيا واليابان، حيث المد القومى والرغبة فى تسيد العالم والشعور بالتفوق العرقى أو الثقافى أو كليهما، فضلا عن الإيمان الشعبى بالقائد الواحد الملهم والمخلص!
كان موسولينى صحفيا وسياسيا فى الحزب الاشتراكى الإيطالى قبل الحرب العالمية الأولى، ولكنه ومع اندلاع الحرب قرر وبخلاف سياسة الحزب الاشتراكى الرافضة للانحياز لأى من أطرافها إعلان تأييده للحلفاء وهو ما تسبب فى فصله من الحزب. إلا أن ذلك لم يوقف موسولينى من تأييد دول الحلفاء، بل وخدم فى الجيش الإيطالى كما تشير بعض المراجع إلى أنه كان يتم تجنيده من الأجهزة الأمنية فى بريطانيا لتأييد الحرب بين أتباعه، وذلك قبل أن يعتزل العمل العسكرى ويعود إلى العمل السياسى والإعلامى مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
بعد نهاية الحرب، كان موسولينى قد قرر بشكل نهائى أن الأيديولوجية الاشتراكية ودعوتها إلى المساواة الطبقية هى محض مثاليات مهزومة، ورأى أن البديل هو تأييد القومية وتأكيد التفوق الحضارى والثقافى للشعوب المستحقة! لكن لماذا كان يرى موسولينى أن إيطاليا تستحق دون غيرها هذا التفوق الحضارى؟

باختصار كان موسوليني يرى أن السبب ببساطة هو التفوق الحضارى والمادى للإمبراطورية الرومانية التى يجب أن تسود أوروبا مرة أخرى ومن هنا فعليها أن تتوسع على حساب الشعوب المجاورة! كان موسولينى متأثرا بكتابات نيتشه وداروين عن الطبيعة البشرية وحركة التاريخ التى كان يراها مجرد صراع من أجل بقاء الأقوى! كما كان موسولينى معاديا للديموقراطية، حيث كان يرى أحقية النخب وحدها فى قيادة الشأن السياسى على خلاف الطبقات الشعبية التى يجب أن تتبع النخب، وبدلا من الدعوة إلى المساواة الطبقية التى كانت محور الفكر الاشتراكى، فقد دعا إلى «اتحاد الطبقات» من أجل دعم القومية الإيطالية.

كان موسولينى يقوم بإعداد المسرح السياسى لسيطرة الحزب الفاشى على إيطاليا والتخلص من الديموقراطية للأبد، فقام بتغيير قانون الانتخابات ليجعل من إيطاليا كلها دائرة انتخابية واحدة وهو ما سهّل بالفعل سيطرة التحالف الفاشى على ثلثى مقاعد البرلمان فى تلك الانتخابات

دعت الحركة القومية إلى الاستعمار ليكون محور سياستها الخارجية ليس فقط تأسيسا فى فكرة التفوق الحضارى لروما ولكن أيضا بناء على رؤية شديدة العنصرية ترى تفوق الجنس الأبيض على نظيره الأسود، ومن هنا كانت واحدة من أهم سياسات الفاشية الإيطالية الدعوة إلى استعمار أفريقيا!

***

بدأ موسولينى فى تأسيس الحركة الفاشية فى إيطاليا بحلول عام ١٩١٩ كما بدأ فى تشكيل تحالف واسع مع غيره من الحركات السياسية التى تشترك مع الحركة الفاشية فى معاداة الحزب الاشتراكى ولا سيما الليبراليون والمحافظون الطليان. فشل موسولينى فى الفوز بمقعد بالبرلمان الإيطالى قبل أن يتم انتخابه للمرة الأولى فى عام ١٩٢١ لكن كانت الخطوة الأهم فى صعود موسولينى والحركة الفاشية إلى الحكم هى مظاهرات الزحف نحو روما فى تشرين الأول/أكتوبر من عام ١٩٢٢ والتى نظم من خلالها الحزب الفاشى مظاهرة حاشدة تضم عشرات الآلاف من الفاشيين مرتدين قمصانا سوداء داعين الملك إيمانويل فيكتور إلى إقالة حكومة رئيس الوزراء لويجى فاكتا أو استقالة الأخير. طلب فاكتا من الملك إعلان حالة الطوارئ للسيطرة على المظاهرات، ولكن أمام رفض الملك الذى كان يخشى اندلاع حرب أهلية فى البلاد فضلا عن خشيته من شعبية موسولينى الجارفة وسط النخب الإيطالية والجيش، فقد قام فاكتا فى النهاية بتقديم استقالته ليتم تكليف موسولينى بتشكيل الحكومة فى نهاية الأمر!
منذ اليوم الأول كان موسولينى يعرف ما يصبو إليه من تشكيل الحكومة، حيث عمل تدريجيا على إطلاق يد الجماعات العسكرية التابعة للحزب الفاشى للتخلص من الخصوم وصولا إلى ممارسة الاغتيالات السياسية المساهمة فى تقويض نزاهة الانتخابات البرلمانية التالية والتى جرت فى عام ١٩٢٤. قبل هذه الانتخابات كان موسولينى يقوم بإعداد المسرح السياسى لسيطرة الحزب الفاشى على إيطاليا والتخلص من الديموقراطية للأبد، فقام بتغيير قانون الانتخابات ليجعل من إيطاليا كلها دائرة انتخابية واحدة وهو ما سهّل بالفعل سيطرة التحالف الفاشى على ثلثى مقاعد البرلمان فى تلك الانتخابات!
بعد ذلك وكما فعل النازى (هتلر)، قام القائد الإيطالى بتعديل الدستور وإعطاء نفسه صلاحيات واسعة كان أهمها إنهاء سلطة البرلمان فى عزله وجعلها مقتصرة على الملك الإيطالى وحده. كما حوّل إيطاليا إلى دولة الحزب الواحد، بحيث أن انتخابات ١٩٢٩ تمت بالاستفتاء لا بالانتخاب، ومن هنا سيطر الفاشيون على الحكم بشكل مطلق. وبدأ موسولينى إطلاق حزمة سياسات اقتصادية وثقافية جديدة قامت على بناء المشاريع الكبرى ودعم الصناعات العسكرية وتغيير المناهج التعليمية ومحتوى الصحافة، فضلا عن استمالة المتدينين الكاثوليك بعد الموافقة على إنشاء وحدة سياسية مستقلة للفاتيكان!
بعد أن رتب موسولينى الأوضاع الداخلية فإنه أكمل سياسته الخارجية العدائية؛ فقام بمهاجمة اليونان والاستيلاء على العديد من الأراضى السلافية، كما قام بدعم النظام العسكرى لفرانكو فى إسبانيا وارتكاب المجازر بحق الليبيين، فضلا عن حربه مع إثيوبيا للسيطرة على منطقة القرن الأفريقى، كما خطط للهجوم على كل من يوغسلافيا وفرنسا قبل أن يتراجع عن الفكرة لاحقا بعد أن علم بالاستعداد الفرنسى للهجوم الذى تم تسريب أخباره للقيادة الفرنسية.
بسبب المذابح الإيطالية بحق الإثيوبيين وعمليات التطهير العرقى الممنهج التى قامت بها القوات الإيطالية بدعم مباشر من موسولينى، فقد تم فرض عقوبات دولية على إيطاليا، إلا أن هذه العقوبات لم تكن إلا دافعا للفاشى الإيطالى من أجل الحصول على المزيد من الدعم الشعبى، كما كانت أيضا فاصلة فى قرار موسولينى الانضمام إلى التحالف الثنائى بين اليابان وألمانيا المناهض للشيوعية الدولية وهو كان بمثابة الخطوة الأهم نحو تكوين المحور الثلاثى الذى خاض بعد ذلك بقليل الحرب العالمية الثانية على النحو الذى تم شرحه فى المقالات السابقة.

إقرأ على موقع 180  ألمانيا.. وعودة "العدو التاريخي"!

***

لكن كيف إذن يمكننا تفسير تصاعد الفاشية والنازية فى أوروبا وشرق آسيا؟ وما هى الأسباب التى أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية رغم أهوال الحرب الأولى ورغم تأسيس نظام دولى جديد قائم على القانون الدولى الذى مثلته عصبة الأمم؟ هذا ما نجيب عنه فى مقال الأسبوع القادم.
(*) تم استياق الكثير من المعلومات فى هذه المقالة من ورقة بحثية بعنوان «الحرب العالمية الأولى وصعود الفاشية فى إيطاليا» لجينالوقا روسو والمنشورة على الموقع الإلكترونى لجامعة بوسطن، بقسم الاقتصاد، عام ٢٠٢٠.

(**) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
أحمد عبدربه

مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة وأستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "هآرتس": التنقيب اللبناني.. والإسرائيلي أداة ردع متبادَلة!