جدعون ليفي: رفض إسرائيل “تحرير 1500 أسير فلسطيني” سيزيد كوارثها

Avatar18008/02/2024
يقول الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، في مقالة له في "هآرتس"، إنه من الأفضل لإسرائيل وضع حد لحرب غزة التي "ربحتها حماس منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر". وإذا كانت تريد فعلاً تحقيق إنجاز واحد يُذكر؛ وهو تحرير أسراها؛ فالقرار الحكيم الوحيد أمامها الآن هو إطلاق سراح 1500 أسير فلسطيني، كما تطلب "حماس". لأن الكارثة المؤلمة بالنسبة لها ستكون إذا لم تفعل ذلك.

شروط الصفقة مع حركة “حماس” تُطرح دائماً في إسرائيل على أنها “ثمن مؤلم”. والافتراض السائد هناك هو أن كلّ ما هو جيد لـ”حماس” هو سيئ لإسرائيل، وكلّ ما هو سيئ للفلسطينيين جيد لنا. إنها لعبة صفرية. فإسرائيل أقنعت نفسها بأنه ممنوع عليها توقيع أي صفقة تكون جيدة بأي شيء لـ”حماس”؛ لأنها بالضرورة ستكون سيئة بالنسبة إليها، لا بل أنها ستكون مؤلمة أيضاً. يمكن التشكيك في مثل هذه الافتراضات. فـ”الثمن” ليس دائماً مهماً، كما وأنه ليس دائماً مؤلماً، كما يريدوننا أن نعتقد.

إن تحرير الأسرى، بمن فيهم الأمنيين، ووقف الحرب سيكونان انجازين جيدين بالنسبة إلى “حماس”. ويمكن أيضاً أن يكونا جيدين بالنسبة إلى إسرائيل. ففي جميع الأحوال، يمكن أن يكون البديل أسوأ بكثير بالنسبة إلى إسرائيل. فحركة “حماس” لن تُطلق سراح الرهائن من دون شروط، كما أن إسرائيل لن تُطلق سراح الأسرى الفلسطينيين قط من دون مقابل. ولدى إسرائيل عشرات آلاف منهم على مدار السنوات، والآن لديها المزيد. إسرائيل علّمت الفلسطينيين أن تحرير أسراهم لا يمكن أن يتحقق إلا عبر صفقة تبادُل.

وبالمناسبة، أغلب المعتقلين الفلسطينيين خُطفوا من منازلهم على يد الجيش، وحتى إنهم لم يخضعوا لأي محاكمة. كما أن السجون الإسرائيلية مليئة بالأسرى الأمنيين. وهؤلاء، وبعكس ما يُطرح في الإعلام الرسمي، ليسوا جميعهم “مخربين، وأياديهم ملطخة بالدماء”. بل على العكس، كثير منهم أسرى سياسيين ذنبهم أنهم يعيشون في ظل نظام يمنع على الفلسطينيين أي عمل سياسي. كذلك بين الأسرى الفلسطينيين من حُكم عليهم بأحكام كبيرة بعد إدانتهم بأمور صغيرة وتافهة جداً. وإن كان هناك حاجة لإثبات وجود نظام “الأبارتهايد” الإسرائيلي، فتكفي الإشارة إلى نظام القضاء المزدوج الذي تتبعه إسرائيل: هناك قضاء منفصل لليهود وآخر للفلسطينيين.

صحيح أنه يوجد أيضاً في السجون الإسرائيلية فلسطينيون مُدانون بجرائم قتل وغير ذلك. لكن كثيرين منهم أمضوا عشرات الأعوام خلف القضبان، أي أنهم قضوا محكوميتهم وزيادة، وصار لهم الحق في استعادة حريتهم، تماماً كما يجري مع نظرائهم اليهود. السجون الإسرائيلية تعجّ أيضاً بأسرى فلسطينيين مسنين أدينوا بممارسة الكفاح المسلح. لكن هؤلاء مضت على محكوميتهم سنوات طويلة، وإطلاق سراحهم؛ وقد تقدم بهم السن؛ لن يضرّ بإسرائيل.

إن كان هناك حاجة لإثبات وجود نظام “الأبارتهايد” الإسرائيلي، تكفي الإشارة إلى نظام القضاء المزدوج الذي تتبعه إسرائيل: واحد لليهود وآخر للفلسطينيين

هناك أيضاً مَن سيكون تحريرهم بمثابة بشرى سارة لإسرائيل، وعلى رأسهم مروان البرغوثي، وغيره. فإذا كانت إسرائيل حقاً تبحث عن “شريك جدّي” لتغيير واقع الحرب وإحلال السلام، فإن هذا “الشريك” موجود في السجون الإسرائيلية. القيادة المطلوبة للفلسطينيين موجودة في معتقلي “مجدو” و”نفحة”. إن تاريخ نضالات التحرير في التاريخ، ومن ضمنها تاريخ نضال الشعب اليهودي، شهدت وجود شُجعان تحرروا من سجون محتلّيهم. صحيح أن هناك عائلات يهودية ثكلى فقدت أعزاء قبل أعوام، وهؤلاء بالطبع لا يرغبون في رؤية “قتَلة” أولادهم يتحررون. هذا الأمر مفهوم جيداً، لكن هناك الكثير من “القتَلة” الآخرين الذين يتحررون، على الرغم من آلام العائلات. ففي النهاية هذه العائلات لا يمكن أن تفرض ما هو جيد لإسرائيل.

الخطوة المناسبة والذكية التي كان يجب أن تتخذ، والتي يجب أن تتخذ الآن، هي تحرير دفعة من الأسرى كبادرة حُسن نية، وليس كخضوع لشروط ما في مفاوضات ما. لا مكان للحديث عن “خضوع” هنا. إن إطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين قرار حكيم جداً يجب تنفيذه. إن تحرير 1500 أسير، كما تطلب “حماس”، ليس كارثة ولن يكون مؤلماً لإسرائيل، كما يروّج بعض المسؤوليين الإسرائيليين. على العكس تماماً، فذلك سيؤدي بالمقابل إلى تحرير الرهائن الإسرائيليين. والكارثة المؤلمة الوحيدة لإسرائيل ستكون في عدم السعي لتحرير أسراها.

إن وقفُ هذه الحرب السيئة لن يكون كارثة، ولا مؤلماً. ففي هذه الحرب فقدت إسرائيل إنسانيتها، وليس من المتوقع أن تحقق فيها أي إنجازات دراماتيكية تُذكر بسبب ما ارتكبته من أعمال وحشية وقتل وتدمير لم يُشهد لها مثيل من قبل. صحيح أن إسرائيل ستخسر كرامتها، وسيتم التعامل مع “حماس” كمنتصرة.. لكنه الواقع. “حماس” منتصرة في جميع الأحوال. لقد جرى اعتبارها كذلك منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وحتى لو توصلنا إلى “النصر المطلق”، كما يطرح بنيامين نتنياهو- وهذا ما لن يتم التوصل إليه قط- فإن “حماس” انتصرت في الحرب. لذلك، من الأفضل وضع حد لهذه الحرب.

يجب وضع الكليشيهات والشعارات الخرقاء التي نغمر بها الإسرائيليين جانباً، والتفكير بأعصاب باردة: هل هذه الصفقة هي فعلاً سيئة؟ ولماذا؟ وهل يوجد أفضل منها؟

إقرأ على موقع 180  سيرة عاموس عوز.. من بيغن إلى بن غوريون! (3)

(*) المصدر “مؤسسة الدراسات الفلسطينية“.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  ميخائيل ميلشتاين: ما يحدث في جنين قابل للتمدد!