تختلف الانتخابات التونسية الحالية عن سابقتها في العام 2014، التي كان التنافس فيها منحصراً بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي، حيث يتنافس في هذا الاستحقاق ستة وعشرون مرشحاً من مختلف التيارات السياسية والمستقلين، ينطلق ستة منهم على الأقل بحظوظ وافرة للمرور الى الدور الثاني.
وتقدم عن حزب “نداء تونس” العلماني (حزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي) ستة مرشحين من قياداته او ممن كانوا محسوبين عليه، أبرزهم رئيس الوزراء يوسف الشاهد ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي وصاحب قناة “نسمة” الفضائية نبيل القروي، في مقابل عدد من المرشحين من التيار المحافظ، أبرزهم نائب رئيس “حركة النهضة” الإسلامية عبد الفتاح مورو ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي والمرشح المستقل قيس سعيد.
كما يتنافس في هذا الاستحقاق مرشحون عن اليسار ويسار الوسط أبرزهم محمد عبو وحمة الهمامي والنقابي البارز عبيد البريكي ووزير المال الأسبق الياس الفخفاخ.
وتعتبر هذه الانتخابات من أكثر الاستحقاقات اثارة للجدل حيث سبقت انطلاق الحملة الانتخابية اتهامات متبادلة بين المرشحين بخصوص تجاوز القانون الانتخابي. وكان لرئيس الوزراء يوسف الشاهد نصيب الأسد من الاتهامات التي طالته باستغلاله موارد الدولة في حملته الانتخابية، بالإضافة الى استعمال القضاء لسجن منافسه نبيل القروي بتهمة التهرب الضريبي وغسيل الاموال.
ومثلت الاتهامات المتبادلة محور الحملة الانتخابية الرئاسية خاصة في ما يتعلق بإيقاف نبيل القروي أياماً قبل انطلاق الحملة الانتخابية، وهو ما طرح إشكاليات كبيرة باعتبار أن آخر عمليات سبر الآراء أظهرت ان القروي ضمن الاوائل، ومؤهل بقوة للمرور إلى الدور الثاني، كما أن هذا الأخير لم يشارك في المناظرة التي جمعت المرشحين باعتبار انه موقوف على ذمة قضية تهرب ضريبي وغسيل أموال. وسيتعمق هذا الاشكال في صورة مرور القروي الى الدور الثاني او فوزه في الانتخابات وهو ما قد يضعنا امام سابقة لم يعشها العالم من قبل.
تعتبر هذه الانتخابات من أكثر الاستحقاقات اثارة للجدل حيث سبقت انطلاق الحملة الانتخابية اتهامات متبادلة بين المرشحين
كل ما سبق جعل الانتخابات الرئاسية تطغى على الانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في مطلع الشهر المقبل، برغم ان منصب رئيس الجمهورية لا يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة مقارنة بالحكومة، حيث يقتصر دوره على السياسة الخارجية والدفاع. وبالنسبة إلى الأحزاب فإن النسب التي ستحصل عليها في السباق الرئاسي سيحدد حجمها في البرلمان مع الانتخابات التشريعية.
الاستثناء الآخر الذي يميز هذه الانتخابات السابقة لأوانها أن دورها الأول يسبق الانتخابات البرلمانية فيما يأتي دورها الثاني بعد الإعلان عن نتائج البرلمانية، ذلك أن وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي دفعت الهيئة العليا للانتخابات الى تقديم الدور الاول للرئاسيات، وذلك حتى تتمكن من اعلان رئيس جديد للبلاد قبل مرور تسعين يوما على وفاة الرئيس بحسب الآجال الدستورية.
وعلى سبيل المثال، فإنّ حزب “تحيا تونس” نزل بكل ثقله وراء مرشحه يوسف الشاهد برغم حصيلة حكومته السلبية، وهو يطمح إلى قصر قرطاج ومن ثم ضمان كتلة نيابية فاعلة في البرلمان المقبل، فيما ينطلق وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي من دون حزب قوي يدعمه في مقابل دعم رجال اعمال بارزين وأصحاب نفوذ ومثقفين وسياسيين محسوبين على حزب “نداء تونس”.
ويتنافس الشاهد والزبيدي للظفر بأصوات الكتلة الانتخابية نفسها تقريبا والتي تُعرف بأنها تميل نحو الحداثة وحقوق المرأة ومنافسة الإسلاميين.
من جهتها، تسعى “النهضة” الى ضمان مقعد في الدور الثاني لمرشحها الشيخ عبد الفتاح مورو، نائب رئيس البرلمان ونائب رئيسها راشد الغنوشي، رغم المنافسة الشديدة مع المرشح قيس سعيد لاستمالة أصوات الناخبين المحافظين.
وبالنسبة إلى “النهضة” فإن بلوغ مرشحها الدور الثاني يعتبر مسألة أساسية باعتبار أن مرتبة متقدمة في السباق الرئاسي ترفع من حظوظ الحصول على مرتبة متقدمة في الانتخابات البرلمانية.
وبرغم قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بمنع نشر عمليات سبر الآراء اثناء الحملة الانتخابية حتى لا يتم التأثير على إرادة الناخبين، الا ان شركات استطلاعات الرأي ظلت تعمل من دون نشر تقاريرها، في مقابل بيعها للأحزاب ومراكز الأبحاث.
وبرغم اختلاف النسب بين مختلف الشركات، إلا أن جميعها أثبت تقارباً كبيرا بين المرشحين يجعل التكهن بنتيجة الدور الاول صعبة جداً، لكن المعطيات تشير إلى وجود نبيل القروي وعبد الكريم الزبيدي وعبد الفتاح مورو ويوسف الشاهد وقيس سعيد ضمن المرشحين الخمسة الأوائل مع اختلاف في الترتيب في ما بينهم.
ومع أن التجربة الديمقراطية التونسية لم تتجاوز عقدها الاول، إلا أن هذه الحملة الانتخابية أظهرت فتوراً واضحاً بين الأحزاب السياسية والناخب التونسي الذي توجه جزء منه إلى المرشحين القادمين من خارج منظومة الأحزاب السياسية على غرار قيس سعيد ونبيل القروي. كما أن منظومة الأحزاب التقليدية لم تصمد في الولاية المنقضية، وهو ما نتج عنه ترشح أكثر من شخص عن حزب واحد، ما يضيع فرصهم في الفوز ويشتت الأصوات في ما بينهم لمصلحة مرشحين آخرين.
مهما كانت صعوبة التكهن بالسباق إلا أن الجميع يتفق على أن الحسم سيكون في الدور الثاني الذي يُجرى بعد الانتخابات التشريعية، ويبقى الرهان الأكبر بالنسبة إلى الأحزاب هو ضمان كتلة نيابية وازنة تمكّنها من المشاركة في الحكم وفق توافقات جديدة قد تطوي نهائيا فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي نحو فترة لا تزال ملامحها غامضة حتى الآن.
ا