لاءات ثلاث .. والرد في “ما ترون لا ما تسمعون”

أعاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأمور إلى سياقها الطبيعي، وكرّس تثبيتها حيث يجب أن تكون، تماماً مثلما أعاد رمي كرة النار الإسرائيلية في الملعب الإسرائيلي في انتظار الرد الآتي "من حيث يحتسب العدو ومن حيث لا يحتسب". ماذا عن الأهداف واللاءات.. والرد الآتي؟

أولاً؛ إسقاط الأهداف الإسرائيلية من وراء غزوتي يومي الثلاثاء والأربعاء الأسودين ومنها:

الهدف الأول تحقيق عملية القتل الجماعي لآلاف المقاومين وهذا ما لم يحصل، إذ لم يجاوز عدد الشهداء الـ 32 والباقون جرحى بالرغم من العدد الهائل منهم، الأمر الذي يجعلها جريمة حرب ضد الانسانية بامتياز، تستوجب تحقيقا دولياً كونها طالت آلاف البشر، وبينهم مدنيون ممن لا ناقة لهم ولا جمل ومنهم أطفال ومعلمون وعُمّال وموظفون ومسعفون وممرضون وسياسيون ورجال مال وأعمال من كافة النسيج اللبناني، بما يعنيه ذلك من استباحة لدولة بمنازلها ومدارسها ومستشفياتها وبغيرها من المؤسسات حتى التي ليس لها شأن بالمقاومة، وهي استباحة أكدها إعلام العدو بالقول “لقد حان الوقت لقصف كل المستشفيات في لبنان حيث يتواجد جميع أفراد حزب الله وعائلاتهم”.

الهدف الثاني كان إحباط معنويات اللبنانيين عموماً وبيئة المقاومة خصوصاً ولكن حصل العكس من خلال اتساع دوائر التعاطف العابر للطوائف مع المقاومة، وهو ما تجلى في الالتفاف السياسي والشعبي حولها. السياسي الذي عبّرت عنه المواقف الرسمية من كافة المستويات والحزبية من كافة المشارب، والشعبي الذي تمثل في تدفق اللبنانيين في كل المناطق للتبرع بالدم والكلى والعيون وحتى بجزء من الكبد، وفي مسارعة الأطباء والممرضين إلى التطوع للمعالجة والعمليات في كل المناطق، وجاء الخطاب ليُشكّل رافعة إضافية تُحصّن هذا المشهد وتُسقط رهانات العدو.

الهدف الثالث أراد العدو منه ضرب بنية المقاومة ليسجل تفوقاً استخباراتياً بتوجيه ضربة موجعة لها، ترفع معنويات جيشه المنهك، وتعيد ردعه المتآكل، وترضي جبهته الداخلية المنهارة، وهذا ما فشل العدو بتحقيقه، فالغزوتان لم تفقدا المقاومة القدرة على القيادة والتحكم والسيطرة، بدليل مواصلة المقاومة حرب إسناد غزة بعشرات الهجمات العابرة للحدود بعشرات الصواريخ والمُسيّرات التي قتل وأصيب في أحدها 15 جندياً وضابطاً بينهم قائد سرية، وهو ما أظهر أن المقاومة امتصت الصدمة دون أن تبلع الضربة بعدما كان هدف الإسرائيلي إخراج آلاف المقاومين من الميدان، بالرغم من إدراكه أن لدى المقاومة عشرات الآلاف وأكثر، وبالتالي فهذا لن يؤثر أو يُقدّم أو يُؤخّر في حركتها وقوتها وعديدها البشري، فيما هو تارة يُقرّ بأن جيشه ينزف وعالق في غزة، وتارة أخرى يُقرّر الاستعانة بجنود قواته البحرية للقتال في البر بسبب النقص في الجيش وتعب جنود الاحتياط.

الهدف الرابع أراد نتنياهو منه تحويل الأنظار عن حال الانقسامات التي تعصف بكيانه سواء على المستوى السياسي داخل حكومته، أو بينها وبين أحزاب سياسية أخرى في المعارضة، أو بينها وبين المؤسسة العسكرية، أو بينها وبين الشارع الملتهب بعنوان تحرير الأسرى، لكن حتى تحويل الأنظار هذا لم يتحقق وأثبتته ردات الفعل التي عكسها إعلامه بالسؤال عن النتائج.

الهدف الخامس في التوقيت إذ جاءت الغزوتان في لحظة احتدام حملة التهديدات الإسرائيلية شبه اليومية بغزوة عسكرية للبنان لتبرير التأخر المتكرر في التنفيذ بعدما بلغت التهديدات أوجها خلال الساعات التي سبقت العدوان ومع ذلك كشفت الغزوتان هشاشة وخواء هذه التهديدات.

ثانياً؛ أجهض خطاب السيد نصرالله مفاعيل العدوان الاسرائيلي قبل أن يقع، من خلال لاءاتٍ ثلاث:

الأولى؛ لا وقف لجبهة الإسناد من لبنان قبل وقف العدوان على غزة كون الغزوتين هدفتا إلى فك المسار اللبناني عن الفلسطيني بما ينقل الإسرائيلي من حرب الاستنزاف إلى حرب واسعة.

الثانية؛ لا عودة للمستوطنين إلى الشمال قبل وقف الحرب وهي العودة التي أضافها نتنياهو إلى أهدافه الثلاثة في حرب غزة التي لم يُحقّق واحداً منها وهي سحق حماس وإطلاق سراح الأسرى وضمان عودة غزة تهديداً مستقبلياً لأمن الكيان.

الثالثة؛ لا “حزام أمنياً” في الجنوب اللبناني بل حزام أمني مفروض الآن داخل الشمال بعمق 40 كلم وما فوق، وبالعمق الذي تُقرّره المقاومة، أما حزام داخل لبنان فهو مجرد أضغاث أحلام.

ماذا عن الرد؟

لا إنكار أن الغزوتين الجماعيتين، شكّلتا إختراقاً أمنياً لا مثيل له بمثل هذا الحجم، “ضربةٌ تحت الحزام”؟ ربما، لكن العدو تلقى ويتلقى ضربات تحت الحزام، وفوق الحزام. “ضربةٌ على الخاصرة اللبنانية”؟ ربما، لكنها ليست ضربة على الرأس، بل طعنة غادرة تجرح ولا تقتل، وجولة من جولات المعركة المفتوحة وليست نهاية المطاف بل بداية منعطف جديد في مسار الحرب فكيف إذا صحّ القول “إن تنفيذ إسرائيل لعملية خطيرة بهذه التقنية وهذا الحجم اليوم أنقذ حزب الله من كارثة استراتيجية في المستقبل”؟

ربما أرادت الغزوتان الدمويتان إحراج المقاومة لإخراجها، عبر استدراجها إلى ردٍ بحجمهما، يُشكّل ذريعةً بحجم الحرب التي يحلم العدو بشنها على لبنان، بعدما فوّتت المقاومة عليه الفرصة الأولى بطبيعة وكيفية ردها على اغتيال الشهيد القيادي فؤاد شكر، ولهذا وسّع بيكاره هذه المرة لتوسع المقاومة ردّها وهذا ما تُدركه جيداً، ولكن هذا لا يُلغي حقيقة أن الردّ هذه المرة سيكون بحجم الجريمة – المجزرة، أي غير مسبوقٍ أيضاً اذ لا عدوان بلا رد بحجمه وربما أكبر بما يعنيه ذلك من من تناسب وتماثل بين الفعل العدواني وردّ الفعل المقاوم وهذا يعني أن الرد على المجزرتين الجماعيتين قد يتخطى حدود المِثِلْ “من حيث يحتسب العدو ومن حيث لا يحتسب”، ولكن هذه المرة بغموض استراتيجي لا زمان له ولا مكان “والخبر في ما ترون لا ما تسمعون”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": إسرائيل تنهار.. ومستقبلها مظلم
غالب سرحان

كاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الإعتقالات السياسية في تركيا.. أرقام قياسية