تلقى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون صفعة جديدة مع صدور قرار المحكمة العليا البريطانية، القاضي بعدم قانونية قراره تعليق أعمال مجلس العموم لمدة خمسة أسابيع والذي وصف بانه فضيحة دستورية.
وقالت المحكمة في قرارها: “هذا ليس تأجيلا طبيعيا. لقد منع البرلمان من القيام بدوره الطبيعي”. ودعت المحكمة النواب الى الاجتماع “في أقرب الآجال”، وهذا ما حصل فعلا.
وكان قرارجونسون تعليق اعمال مجلس العموم مقدمة لسلسلة معارك بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية خسرها جونسون كلها، وحرفت خطته لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي “بريكست” عن مسارها. وبدلاً من الحفاظ على وحدة حزبه، سلك جونسون سياسة متشددة مع المتمردين المحافظين عندما فصلهم من الحزب، ليخسر بذلك 21 صوتاً ومعها الغالبية التي كان يتمتع بها داخل البرلمان.
وكانت نتيجة تشدد جونسون واضحة، عندما صوت البرلمان لصالح قانون يجبر رئيس الوزراء على طلب تأجيل موعد “بريكست” في نهاية تشرين الأول/اكتوبر. وبعد هاتين الهزيمتين، جاءت الثالثة عندما رفض البرلمان اقتراح حكومة جونسون التوجه لانتخابات عامة مبكرة. وكانت الهزيمة الرابعة في مجلس اللوردات، عندما تجاوز تشريع منع “بريكست” من دون اتفاق المراحل ذاتها التي مر بها في مجلس العموم.
والقت استقالة وزيرين من حكومة جونسون هما شقيقه جو جونسون، وزير الدولة لشؤون الجامعات، ووزير العمل والتقاعد آمبر رود، بظلهما على التصويت الخامس، الذي خسره جونسون ايضا.
بل إن استفزاز جونسون المستمر للبرلمان، بعدما أعلن أن تعليق أعماله سيكون فوريا، دفع النواب لإلحاق هزيمة سادسة بحكومته عندما صوتوا لصالح إجبار الحكومة على كشف جميع المراسلات الحكومية الخاصة بإغلاق البرلمان.
ومع ذلك، يصر جونسون على عدم نيته تأجيل موعد “بريكست”، ويؤكد أن حكومته تبحث في الطرق القانونية للالتفاف على رغبة مجلس العموم، في مواجهة قد ترسم مستقبل العلاقة بين البرلمان والحكومة لعقود مقبلة.
اذا خسر جونسون في هذه الانتخابات او اضطر الى تقديم استقالته بسبب الازمات المتلاحقة فستكون فترة حكمه الاقصر في تاريخ الحكومات البريطانية وربما ايضا الاسوأ على الاطلاق
في ظلّ هذه الفوضى، ثمة سيناريوهات محتملة لأزمة “بريكست”، علما أن التجربة البريطانية تشير إلى سيناريوهات غير متوقعة قد تطرأ على الأزمة. وهذه السيناريوهات هي:
اولا، تأجيل “بريكست”:
تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين الأول/أكتوبر إلا إذا طلبت من هذا التكتل تأجيل الموعد ووافق قادة باقي الدول الأعضاء على ذلك. ويرغب جونسون بإبقاء الموعد لكن العديد من النواب يخشون أن يتسبب تهديده بترك الاتحاد الأوروبي بدون الاتفاق على الشروط مع بروكسل، باضطرابات كبيرة.
وتبنى النواب قانوناً يجبر جونسون على طلب تأجيل “بريكست” لمدة ثلاثة أشهر حتى 31 كانون الثاني/يناير 2020، مع خيار لتأجيله أكثر.
ومن شأن ذلك أن يدخل حيّز التنفيذ إذا فشل رئيس الوزراء في الحصول على اتفاق للانفصال أو تمكن بطريقة ما من إقناع النواب بدعم الانفصال “بدون اتفاق” بحلول 19 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
ثانيا، اتفاق “بريكست”:
بإمكان جونسون أن يبقي مهلة 31 تشرين الأول/أكتوبر 2019، إذا تمكن من التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يحظى بتأييد غالبية النواب، إلا أن هذه مهمة عسيرة.
وتوصلت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي لاتفاق مع بروكسل العام الماضي لكن النواب رفضوه ثلاث مرّات. ورفض قادة الاتحاد الأوروبي حتى الآن إعادة طرح النص للتفاوض واتهموا حكومة جونسون بالفشل في عرض أي خطط بديلة ملموسة.
وأمل جونسون بأن يقنعهم تهديده بالانسحاب بدون اتفاق بإعادة التفاوض بينما يشير إلى أن سلوكيات النواب قوّضت استراتيجيته، لكنه يعتقد أن التوصل إلى اتفاق ما يزال ممكنًا قبيل قمة قادة الاتحاد الأوروبي المزمع عقدها في 17 و18 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، قبيل موعد “بريكست” المقرر في 31 تشرين الأول/أكتوبر.
ثالثا، “بريكست” بدون اتفاق:
قال جونسون إنه يفضل “الموت في حفرة” على تأجيل “بريكست”، بعد ثلاث سنوات من تصويت البريطانيين، في استفتاء عام، على مغادرة الاتحاد الأوروبي. وأشارت حكومته إلى أنها ستبحث عن ثغرات في القانون الذي أقره النواب لإفساح المجال لانفصال “بدون اتفاق”، برغم إصرارها على تمسكها بالقانون.
وتسري تكهنات بأن جونسون يفضّل الاستقالة على طلب تأجيل موعد بريكست، لكن سيكون على شخص ما، موظف أو سياسي معارض، تقديم الطلب.
وهناك احتمال أن يمل قادة الاتحاد الأوروبي من مراوغة بريطانيا ويرفضوا تأجيل “بريكست”، برغم أن التكتل غير مستعد لتحمل مسؤولية انفصال غير منظّم.
رابعا، انتخابات مبكرة:
بعد طرده 21 من النواب في حزبه المحافظ الذين رفضوا قانون “بريكست” الأسبوع الماضي، لم يعد جونسون يحظى بالغالبية في مجلس العموم الذي يضم 650 مقعداً. هذا التطور يجعله في موقع صعب إذ لا يمكنه إدارة شؤون البلاد فيما بات إجراء انتخابات أمراً لا يمكن تجنبه. لكن التوقيت لا يزال موضع تساؤل.
وكان جونسون يرغب بأن تجري الانتخابات في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2019، على أمل فوزه بما يكفي من المقاعد في مجلس العموم لتمرير خططه المرتبطة بـ”بريكست”.
لكن حزب العمال المعارض أشار إلى أنه لن يدعم إجراء انتخابات إلا إذا تم التراجع تمامًا عن خيار الانسحاب بدون اتفاق. وعلى ثلثي النواب أن يدعموا إجراء انتخابات مبكرة.
وبدأ الحديث يتحول الآن إلى إجراء انتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
خامسا، لا “بريكست”:
في حال فاز جونسون في أي انتخابات مقبلة أو تمكّن من التوصل إلى اتفاق مع حزب “بريكست” المناهض للاتحاد الأوروبي، فسيكون بإمكانه تحقيق “بريكست” من دون اتفاق خلال الأشهر المقبلة.
من جهته، تعهّد حزب العمال في حال فوزه إجراء استفتاء جديد مع خيار للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يفضي إلى إلغاء “بريكست”.
واذا خسر جونسون في هذه الانتخابات او اضطر الى تقديم استقالته بسبب الازمات المتلاحقة فستكون فترة حكمه الاقصر في تاريخ الحكومات البريطانية وربما ايضا الاسوأ على الاطلاق.