

في غضون ذلك، تتوالى بعض التسريبات حول احتمالية تقسيم قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل، وربما تصبح نقاط ما يعرف بـ”الخط الأصفر” حدوداً دائمةً بين أماكن سيطرة كل من إسرائيل وحماس في قطاع غزة. ونظراً للهشاشة البنيوية التي يعاني منها الاتفاق منذ صياغته واقراره، وشموله على العديد من النقاط الغامضة والمفخخة التي قد تنفجر في أي لحظة، وأهمها عدم وضوح الآليات التنفيذية إضافة إلى افتقاره إلى جداول زمنية تنفيذية وخلوه من ملاحق تفسيرية واضحة للقضايا الخلافية التي قد تظهر مستقبلاً، إضافة إلى ذلك، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان مُجبرًا ومُكرهًا على توقيع هذا الاتفاق، من دون اغفال المعارضة الواسعة للاتفاق من قبل غلاة اليمين الإسرائيلي، في ظل تقديرات بأن نتنياهو يسعى إلى كسب المزيد من الوقت والمناورة السياسية مع الإدارة الأميركية، وربما يكون خيار قطاع غزة بين حماس وإسرائيل خيارا ورادا وربما الذهاب الى نموذج اتفاق أوسلو الموقع في العام 1993 بتقسيم القطاع الى مناطق (أ، ب، ج)، بحيث تحتفظ إسرائيل بسيطرة أمنية وعسكرية وإدارية في المناطق الواقعة خلف ما بات يعرف بـ”الخط الأصفر”، وتترك لحركة حماس السيطرة في مراكز التجمعات السكانية.
وقد يمنح الأميركيون الضوء الأخضر لإسرائيل بإسقاط الحالة اللبنانية على قطاع غزة ولكن بأدوات أكثر حدة، أي الإستهداف اليومي لما تعتبرها إسرائيل “تهديدات” بكلفة صفرية، مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على نحو 52% من مساحة القطاع، ورسم ما يُعرف بـ”الخط الأصفر” الذي يمنع الفلسطينيين من الاقتراب منه، وربما تسعى إسرائيل إلى أن تُضم هذه المنطقة مستقبلاً أو تجعلها منطقة عازلة تحت السيطرة الإسرائيلية، وعند بدء تنفيذ المرحلة الثانية والتي يبدو أنها ستكون أكثر تعقيداً، فإن سمة التعقيد والغموض تلقي بظلالها على تلك المرحلة الغامضة وخاصة في نقطتين بالغتي الأهمية وهما من يحكم غزة مستقبلاً وآليات نزع السلاح، فضلاً عن نشر قوة دولية لحفظ السلام في القطاع وانسحاب الجيش الإسرائيلي.
والملاحظ أن الحجيج الأميركي إلى تل أبيب من نائب الرئيس جي. دي. فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، هدفه حث نتنياهو على تنفيذ ما جاء في هذا الاتفاق، وفقاً للرؤية الأميركية.
وفي ظل تلك التحركات الدبلوماسية ولا سيما الأميركية، فإن العودة إلى القتال بشكل واسع في القطاع غير محتملة، إلا أن الحرب لم تتوقف فعليًا، فهي لم تنتهِ، لكنها لن تعود كما كانت خلال السنتين الماضيتين، فالخروقات تتواصل يوميًا، مع سقوط ضحايا مدنيين، ولكن الذي حصل هو أن أدوات الحرب قد تغيرت، وأن استمرارها يأتي ضمن إطار التكيف الأميركي الجديد مع رؤية الشرق الأوسط الجديد التي لا تسمح بعودة الحرب الشاملة في غزة.
وبطبيعة الحال ثمة تفسيرات مختلفة لكل طرف؛ فالجانب الأميركي والإسرائيلي ينظر إلى نزع السلاح باعتباره هدفًا رئيسيًا، بينما التفسير الفلسطيني والعربي يختلف تمامًا، ما قد يؤخر أو يعقد تطبيق المرحلة الثانية، إضافة إلى أن مسألة إعادة رفات الأسرى الإسرائيليين التي لم تنتهِ حتى الآن قد تُشكل عائقًا رئيسيًا أمام الانتقال إلى المرحلة الثانية.
وما زالت مسألة الحكم وانتقال السلطة تشكل معضلة أساسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وبخاصة كل ما يتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط وومن تضم ومدى صلاحياتها واستقلاليتها المالية والسياسية وهل تكون تابعة لمجلس السلام العالمي أم للسلطة الفلسطينية، فضلاً عن الخلاف حول قوة حفظ النظام ضمن خطة ترامب، إضافة إلى الترتيبات التي تتعلق بانتشار قوات حفظ السلام وهل تتحول إلى قوات فض اشتباك أو أنها قوات شرطية مساندة لقوى الأمن في قطاع غزة، إذ تم تدريب نحو 5 آلاف إلى 10 آلاف شرطي فلسطيني في العاصمة المصرية القاهرة، بالإضافة إلى وجود قوات دولية لمراقبة الأمن ونزع السلاح داخل غزة، مع تساؤلات حول جنسياتها وصلاحياتها، وما إذا كان القرار سيصدر تحت الفصل السادس أم الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
الأسئلة أكثر من الأجوبة وإن غداً لناظره قريب.