سميح المعايطة08/11/2019
لا يحتاج أهل لبنان لمن يقدم لهم وصفات علاجية، فهم أهل السياسة والثقافة والأحزاب، وأبناء الطوائف والمعادلات الدولية، وهم أكثر من يخوض نقاشا في الشأن العام في وسائل اعلامهم. ولبنان منذ عقود في قلب الاهتمام العربي مع كل حدث يجري فيه. حدث ذلك قبل سنوات الحرب الأهلية الأليمة بسنوات وما زال يحدث إلى يومنا هذا.
أحداث لبنان اليوم او الانتفاضة او الثورة او “المؤامرة”، كما تعتبرها بعض القوى اللبنانية، إستحوذت على الاهتمام العربي، ربما لأن اللبنانيين خرجوا إلى الشوارع بطريقتهم المتخمة بالهم الاجتماعي والاقتصادي والتي لا تخلو من النكهة السياسية، على جاري عادة اللبنانيين، لكن مع تغليب ثقافتهم الاجتماعية التي عبرت عن نفسها بالحراك العابر لكل الأديان والطوائف والمذاهب والمناطق، وهذا الأمر جعل حتى من لا تعنيهم السياسة ولا الثورات يتابعون ما يجري.
كانت انتفاضة لبنان جزءا لا يتجزأ من موجة إنتفاضات عربية جديدة، رأى فيها البعض مدخلا لتغيير معادلة لبنان السياسية، لمصلحة ما يسمى معسكر الإعتدال العربي وعلى أنقاض عهد موال لإيران.
كان الجميع ينتظر بعد موجة الخطابات الأولى من رموز العهد اللبناني الحالي أن تتحقق مطالب اللبنانيين، لكن ردود الفعل المتدحرجة، أظهرت حالة من الخوف والرعب لدى أركان العهد، فإذ بنا نجد أن أولوية كل مسؤول لبناني محاولة حماية نفسه وعلى طريقته، فالبعض ذهب إلى حد تخوين الحراك الشعبي والبعض الآخر، إختار ان يواجه خصومه بالاقتراب من الناس منعا للبدائل من طائفته.
وربما يغيب عن جزء من الأجيال الجديدة ان الشعب اللبناني برغم خصوصيته في ادارة حياته الاجتماعية، إلا أنه من اكثر شعوب المنطقه التي صمدت أمام كل أنواع المعاناة سواء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي او أخطار وأهوال الحرب الأهلية أو القتال الناتج عن تدخل الأشقاء في شؤونهم الداخلية. هو شعب معطاء قّدم عشرات آلاف الضحايا ونال نصيبه من الهجرة والتهجير والنزوح. وها هو يعاني اليوم من أوضاع اقتصادية صعبة جدا، لكن لبنان اختار ان يكون أيضا بلد الثقافة وحرية الإعلام والفن وبلد السياحة، ومن يستمع إلى مطربيه، يشعر أنهم يغنون لأهل الرفاه والنعيم، وليسوا جزءا من شعب يخرج من حرب إلى عدوان واحتلال واقتتال.
المشهد الأهم في عين كل عربي أن انتفاضة لبنان حدث إستثنائي وتاريخي ليس فقط لمن يريدون تغيير المعادلة في بلدهم بل أيضا لمن يريدون ان يكون لبنان نموذجاً يقتدى به، مثلما كانت تونس في العام 2010.
(*) وزير أردني سابق