إسرائيل ترد على الرد السوري .. والمعارضة “تستفيد”

في خضمّ تحولات الشمال السوري التي تجري على وقع تحركات أربعة جيوش (الروسي والتركي والأميركي والسوري)، وفي ظل تطورات المنطقة والاقليم من إيران إلى العراق مروراً ببيروت وغزة، لم يكن ينقص المشهد إلا أن يدمغ بالبصمة الاسرائيلية حتى تكتمل أجزاؤه وتأخذ أبعادُه امتداداتِها القصوى استراتيجياً وسياسياً.

ثلاث جولات من الصراع كانت الأجواء والأراضي السورية ميداناً لها خلال ما يقارب عشرة أيام فقط. أولى هذه الجولات تمثلت في المحاولة الفاشلة لاغتيال القيادي في الجهاد الاسلامي أكرم العجوري في 12 تشرين الثاني/نوفمبر. هذه الغارة التي جاءت متزامنة مع استهداف بهاء أبو العطا في غزة، كانت رسالة واضحة من الكيان العبري بالربط بين الجبهات ميدانياً واستراتيجياً. ولم تكن العودة إلى سياسة الاغتيالات هي الخط الأحمر الوحيد الذي تجاوزته تل أبيب في سبيل إيصال رسالتها، فغارتها على منزل العجوري أسفرت عن مقتل مدنيين، ما يعني أن إسرائيل قفزت فوق خط “الاستهداف الشخصي” موسعة من دائرة الدم التي تخلفها غاراتها، وهذا ما قرأته دمشق وحلفاؤها على أنه تصعيد نوعي ومحاولة لتغيير قواعد الاشتباك.

وفيما سارعت الجهاد الاسلامي في غزة إلى الرد على اغتيال ومحاولة اغتيال قادتها عبر مواجهات دامت لأكثر من يومين انتهى باتفاق تهدئة هش، شهدت دمشق ليل الاثنين- الثلاثاء (اي بعد اسبوع من استهداف العجوري) جولة غامضة من المواجهات وسط تضارب الروايات حول ملابساتها. ففي حين أعلنت تل أبيب عن اعتراض القبة الحديدية لأربعة صواريخ انطلقت من الأراضي السورية باتجاه أهداف إسرائيلية في الجولان المحتل، كانت وكالة “سانا” الرسمية تتحدث عن “سماع دوي انفجارات بالقرب من مطار دمشق” مشددة على أن “الدفاعات الجوية السورية تصدت لصواريخ يرجح أنها إسرائيلية وأسقطت معظمها في محيط المطار”.

وفي حال صحت الرواية الاسرائيلية، يكون من الممكن اعتبار إطلاق الصواريخ الأربعة من سوريا باتجاه الأراضي المحتلة، نوعاً من الرد على الغارة الاسرائيلية التي استهدفت العجوري، وذلك لمنع تحويل هذه الغارة، بما تضمنته من تجاوز لخطوط حمر، إلى نهج إسرائيلي متواصل، ولمنع تغيير قواعد الاشتباك.

وقد يكون التعتيم السوري على هذا الرد بمثابة تبني لسياسة الغموض البناء وعدم الرغبة في التصعيد الإعلامي بما أن الرد العسكري قد أنجز. ولكن هناك من يقول أيضاً إن عدم الإعلان السوري قد ينطوي على رغبة في ترك الحساب مفتوحاً لعدم وجود مصلحة في إغلاقه طالما أن معركة “كسب النقاط” مستمرة في ظل الأوضاع الساخنة التي تشهدها سوريا والاقليم.

وعكست تصريحات المسؤولين الاسرائيليين قناعتهم برواية “الرد السوري الغامض” معتبرين أن ما جرى يمثل تطوراً نوعياً. وكان مما له دلالته أن وزير الخارجية الاسرائيلي يسرائيل كاتس قال في تعقيبه على إطلاق الصواريخ الأربعة أن “إسرائيل لن تخوض حرب استنزاف ضد إيران لكنها في الوقت نفسه ليست السعودية” فيما بادر وزير الأمن نفتالي بينت إلى إجراء مشاورات مع القيادة الأمنية ورئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي في مقر وزارة الأمن في تل أبيب من أجل بحث سبل الرد، وهو ما قاد عملياً إلى الجولة الثالثة التي جرت فجر اليوم الأربعاء.

عكست تصريحات المسؤولين الاسرائيليين قناعتهم برواية “الرد السوري الغامض”

انطلاقاً من ذلك، أعلنت إسرائيل عن “شن طائراتها غارات على أهداف تابعة لفيلق القدس الايراني وأخرى للجيش السوري رداً على الهجوم الذي نفذته قوة إيرانية ضد إسرائيل” في إشارة إلى الصواريخ التي استهدفت الجولان المحتل.

في المقابل، ذكر مصدر عسكري سوري في تصريح لـ “سانا”، أنه” في تمام الساعة الواحدة والدقيقة العشرين من فجر اليوم (الأربعاء) قام الطيران الحربي الإسرائيلي من اتجاهي الجولان المحتل ومرج عيون اللبنانية باستهداف محيط مدينة دمشق بعدد من الصواريخ، وعلى الفور تصدت منظومات دفاعنا الجوي للهجوم الكثيف وتمكنت من اعتراض الصواريخ المعادية وتدمير معظمها قبل الوصول إلى أهدافها”.

وأضاف المصدر “العمل ما يزال مستمرا لتدقيق الموقف بشكل واضح وتحديد الأضرار والخسائر التي خلفها العدوان”.

من جهته نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان (مقره في لندن) عن مصادر محلية، أنه “تم سماع دوي انفجارات ضخمة في العاصمة دمشق ومحيطها، ناجمة عن تصدي دفاعات النظام الجوية لصواريخ إسرائيلية طالت مواقع تابعة للجيش السوري وقوات إيرانية”.

وأفاد المرصد بسقوط عدة صواريخ في محيط ضاحية قدسيا، وريف دمشق الجنوبي والجنوب غربي، تزامنا مع سماع أصوات سيارات إسعاف في المنطقة، فضلا عن نشوب حرائق ضخمة في المواقع التي جرى استهدافها.

لكن اللافت في الغارات الأخيرة أن الكيان الصهيوني لم يسارع فقط إلى إعلان مسؤوليته عنها عبر بيان رسمي وهو ما كان يتجنبه في غارات سابقة، بل أكد على نقطة في غاية الأهمية وهي أن الاستهداف طال جهتين: الأولى العنصر الذي يستضيف الايرانيين أي النظام السوري حيث تم ضرب بطاريات صواريخ أرض-جو متقدمة دخلت الخدمة في العقد الأخير ومستودعات أسلحة ومقرات قيادة ومواقع رصد بحسب قوله. والثانية العنصر الذي يتموضع عسكرياً في سوريا اي “فيلق القدس وميليشياته” حيث تم استهداف “مقر قيادة وسيطرة كبير في مطار دمشق الدولي بالاضافة الى معسكر كبير للميليشيات الشيعية وأهداف لوجستية أخرى”.

إقرأ على موقع 180  نهاية ناغورني-كراباخ.. عجز روسي أم اندفاع تركي ـ أذري؟ 

وقد أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك عبر تغريدة على موقع تويتر قال فيها ” أكدت سابقاً أن كل من يضر بنا سوف يُستهدف وهو ما فعلناه في الليلة الماضية ضد المواقع العسكرية لفيلق القدس والأهداف العسكرية السورية”.

ومن شأن ذلك أن يشكل إحراجاً لموسكو التي قيل فيما مضى أنها لا تقبل بقيام الكيان الصهيوني باستهداف الجيش السوري، لكن مع غض طرفها عن غارات إسرائيل ضد مواقع إيرانية، وذلك في إطار محاولاتها الساعية إلى إدارة التناقضات التي ينطوي عليها الملف السوري.

ولا يمكن في هذا الصدد التغافل عن أن الغارات الاسرائيلية جاءت بعد ساعات فقط من محادثات أجراها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شباط، مع سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بتروشيف. وركزت هذه المحادثات على التسوية السورية والتعاون الروسي الإسرائيلي عبر قنوات وزارتي الدفاع وأجهزة العدل”.

ولطالما سعت إسرائيل إلى توقيت غاراتها مع مواعيد اجتماعات روسية- إسرائيلية أو زيارات يقوم بها مسؤولون إسرائيليون إلى موسكو، للايهام بأن اعتداءاتها تحظى بغطاء روسي، وذلك في محاولة مستمرة منها لضرب أسافين بين روسيا وسوريا من جهة وروسيا وإيران من جهة ثانية.

لطالما سعت إسرائيل إلى توقيت غاراتها مع مواعيد اجتماعات روسية- إسرائيلية

ولعل هذه الجولات تؤكد أن إسرائيل هي الجيش الخامس الذي يدلي بدلوه على جبهات القتال في سوريا، ويسعى تحت عناوين فرعية إلى ترك بصمته على طبيعة التحولات التي تجري على خرائط الصراع والنفوذ. فلم تكن من قبيل مصادفة أن تتزامن هذه الغارات مع إعلان الإدارة الأميركية عن إضفاء الشرعية على سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، ولا مع مساعي الولايات المتحدة لتخريب التفاهمات الروسية-التركية في الشمال السوري وخصوصاً في تل تمر تعبيراً عن رفضها لنتائج هذه التفاهمات.

وربما يختصر ما قاله المعارض السوري سمير النشار كثيراً مما يمكن قوله في هذا الخصوص، حيث كتب على حسابه في تويتر تعقيباً على الغارات الاسرائيلية ” القصف الاسرائيلي مبعث سعادة وسرور … خاصة لمجتمع الثورة والمعارضة” وأضاف “أكيد إسرائيل دولة عدوة ومحتلة لكن علينا الاعتراف أننا نستفيد من تداعيات هذا القصف ويحقق لنا مصلحتنا”.

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله سليمان علي

كاتب وصحافي سوري، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  صيغة موسكو.. "إنتداب" إقليمي يملأ الفراغ الأميركي؟