وجّه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم رسالة إلى السعودية يدعوها للحوار يؤكد فيها أن سلاح المقاومة في لبنان يستهدف العدو الاسرائيلي ولا يستهدفها هي أو غيرها من الدول، وكان قد سبقه موقف لافت للانتباه للقيادي في حزب الله محمود قماطي يُعلن فيه أن لا مشكلة بين حزب الله والسعودية.
هيّأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كل الظروف اللازمة لولادة الاتفاق الأمني السوري-الإسرائيلي في الأيام المقبلة. هذا الاتفاق الذي يعتبر أقل من معاهدة سلام، وأكثر من مجرد ترتيبات أمنية، سيُصوّره البيت الأبيض على أنه نجاح باهر للسياسة الأميركية في المنطقة، بعد الفشل في وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وهيمنة حالة من عدم الثقة على العلاقات مع دول الخليج، عقب القصف الإسرائيلي للدوحة في 9 أيلول/سبتمبر الجاري.
يوفر الاتفاق السوري ـ الإسرائيلي فرصة أخرى لترامب، كي يؤكد أنه “رئيس سلام”، ويبعث برسالة إلى دول العالم، بأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على صوغ اتفاقات السلام وانهاء الحروب. وإذا ما نجح ترامب في جمع الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض أو في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه سيحصل بذلك على صورة انجاز، استعصى عليه في أوكرانيا. ولن يتأخر في توظيفه لإثبات عدم جدوى المسار الذي تتبعه دول أخرى، لا تزال تؤمن بأن السلام يمر عبر الدفع قدماً بحل الدولتين، والتغطية على حدث الاعتراف بدولة فلسطين من قبل دول أوروبية وغربية هذا الأسبوع في نيويورك أيضاً.
ترامب والشرع.. والمقايضات!
لا شك في أن سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، كان من نتائج الضربات التي تلقتها إيران و”حزب الله” اللبناني عقب هجوم “حماس” على غلاف غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ونتيجة لغرق روسيا في الحرب الأوكرانية، وبفعل العقوبات الاقتصادية الغربية ولا سيما “قانون قيصر” الأميركي.
وقد التقطت إدارة ترامب لحظة تغيير النظام في سوريا، كي تبني عليها أحد ركائز سياستها الجديدة. وكانت المقايضة واضحة جداً: في مقابل الدعم الأميركي للحكم السوري الجديد ورفع العقوبات عن سوريا، يتعين الذهاب إلى اتفاق مع إسرائيل. ولم يستعبد الشرع في حديثه إلى “رويترز” الأسبوع الماضي، أن يلي الاتفاق الأمني، اتفاق للسلام في وقت لاحق.
ويرى الشرع أيضاً في الاتفاق الأمني “حاجة” لإقامة ترتيبات شبيهة بتلك التي كانت مُطبّقة بموجب فصل القوات عام 1974، الذي تلا حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. لكن الوضع في موازين القوى الآن مختل كلياً لمصلحة إسرائيل التي توغلت في المنطقة العازلة عقب سقوط الأسد، ودمّرت كل أصول الجيش السوري السابق ومعداته الثقيلة من دبابات وطائرات وصواريخ وأنظمة للدفاع الجوي، وفرضت منطقة عازلة جديدة بحكم الأمر الواقع من جنوب دمشق وحتى الجولان المحتل.
وبحسب آخر التسريبات عن الاتفاق الأمني، فإن الجولان الذي احتلته إسرائيل عام 1967 وضمّته عام 1981، هو خارج التفاوض. وستبقى القوات الإسرائيلية في قمة جبل الشيخ التي احتلتها في الأشهر الأخيرة، ولن يكون مسموحاً للحكم السوري الجديد بنشر أسلحة ثقيلة جنوب دمشق. وفعلاً، تم سحب كل العتاد الثقيل من الجنوب في الأشهر الأخيرة، بينما لا يزال الجيش الإسرائيلي يدمر ما يرصده من سلاح خلال توغلاته اليومية في أرياف القنيطرة ودرعا ودمشق. وتصر إسرائيل على الحصول على ممر جوي فوق سوريا يمتد إلى إيران. وإلى ذلك، ترفض إسرائيل نشر قوات تركية في وسط سوريا وجنوبها، وتطالب بممر إنساني إلى محافظة السويداء. وهناك تقارير تتحدث عن مسعى أميركي وإسرائيلي لدى سوريا لاستقبال جزء من فلسطينيي غزة الذين ستهجرهم إسرائيل بعد استكمال احتلال القطاع.
على ماذا سيحصل أحمد الشرع؟
في معرض تقويمه لعقود من السياسات الأميركية في الشرق الأوسط منذ عقود، يصل كاتب العمود في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية ستيفن أي. كوك، إلى خلاصة مفادها أن “الأوهام هي التي تسيّر” هذه السياسات، وبأن “واشنطن تدفع بأفكار عفا عليها الزمن وبأهداف غير واقعية”
ترفع أميركا كل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا بما فيها “قانون قيصر”، وتعترف رسمياً بالنظام الجديد وتدعم أركانه في مواجهة مطالب الأكراد والدروز، بإقامة نظام فيديرالي أو لا مركزي، وتعمل على ضمان أن تكون سوريا دولة موحدة بكل ما للكلمة من معانٍ. بالمقابل، تغاضت واشنطن عن ضم المقاتلين الأجانب، وعددهم بالآلاف، إلى الجيش السوري الجديد؛ علماً أن معظم التقارير التي أصدرتها منظمات دولية مستقلة، تشير إلى مشاركة المقاتلين الأجانب في الهجمات على الأقليتين العلوية والدرزية.
أما أقصى ما ذهب إليه الموفد الأميركي توم برّاك في تطمين الأقليات، فهو التصريح بأن التطورات في سوريا (ويقصد مجازر الساحل السوري والسويداء)، تفضي إلى خلاصة بأنه لا يمكن تأسيس نظام “شديد المركزية” في سوريا.
ملاحظة برّاك، أتت عقب إصرار إسرائيل على أنها ضامن للدروز في السويداء. وسعى الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه برعاية أميركية وأردنية حول السويداء إلى التأكيد لدمشق، بأن المحافظة ستبقى جزءاً لا يتجزأ من سوريا، في مقابل تعيين درزي قريب من النظام الجديد في منصب مسؤول الأمن في المحافظة، والوعد بإشراك جهات أممية في التحقيق بالمجازر التي حصلت في تموز/يوليو الماضي.
تأمين يتجاوز الجبهة السورية
ومهما تكن الصيغة النهائية التي سيرسي عليها الاتفاق الأمني، في ظل تمسك الشرع بسيادة سوريا على أجوائها ووحدة أراضيها وأن يكون الاتفاق خاضعاً لرقابة الأمم المتحدة، سيعتبره ترامب إنجازاً كبيراً لسياسته، بينما إسرائيل تفاخر بأن الأراضي التي احتلتها مؤخراً لا تتيح لها تأمين الجبهة السورية فقط، وإنما مراقبة الحدود اللبنانية والضغط أكثر على الحكومة اللبنانية، كي تمضي في “حصرية السلاح”. ولا يخفي المسؤولون الأميركيون تطلعهم إلى اتفاق أمني مماثل بين لبنان وإسرائيل.
ولم تكن تركيا بعيدة عن الاتفاق الأمني، الذي صيغت بنوده في جولات من المفاوضات بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ومستشار نتنياهو للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، عقد معظمها في أذربيجان، حليفة أنقرة.
وعلى رغم أن الاتفاق يرفض انشاء قواعد عسكرية تركية في وسط سوريا وجنوبها، فإنه يترك للجيش التركي حرية الحركة في الشمال السوري. أما واشنطن فهي التي ستتولى الضغط على أكراد سوريا، كي يندمجوا في المؤسسات العسكرية والإدارية للنظام الجديد، ويتخلوا عن “الإدارة الذاتية” و”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد). بعض المسؤولين عن الملف السوري في وزارة الخارجية الذين أقالهم ترامب قبل أيام، كانوا من المتعاطفين مع مطالبة الأكراد بوضع خاص ضمن الدولة الناشئة.
والاتفاق مع سوريا، ليس مفصولاً عن التطورات البالغة الخطورة التي تمر بها المنطقة. من مضي إسرائيل في احتلال مدينة غزة، وتصاعد التوتر مع مصر والاتهامات لها بخرق اتفاقات كمب ديفيد لعام 1979.
ويحتاج ترامب إلى الاتفاق السوري-الإسرائيلي، كي ينقذ سياسته الشرق أوسطية التي تعرضت لضربة قوية، بإقدام نتنياهو على قصف الدوحة، الدولة الحليفة للولايات المتحدة.
ومهما تكن الصيغة النهائية التي سيرسي عليها الاتفاق الأمني، في ظل تمسك الشرع بسيادة سوريا على أجوائها ووحدة أراضيها وأن يكون الاتفاق خاضعاً لرقابة الأمم المتحدة، سيعتبره ترامب إنجازاً كبيراً لسياسته، بينما إسرائيل تفاخر بأن الأراضي التي احتلتها مؤخراً لا تتيح لها تأمين الجبهة السورية فقط، وإنما مراقبة الحدود اللبنانية والضغط أكثر على الحكومة اللبنانية، كي تمضي في “حصرية السلاح”. ولا يخفي المسؤولون الأميركيون تطلعهم إلى اتفاق أمني مماثل بين لبنان وإسرائيل
باكستان النووية متاحة للسعودية!
ولم يكن من قبيل الصدف، أن توقّع السعودية بعد أسبوع من الغارة على الدوحة، مع باكستان، الدولة التي تمتلك سلاحاً نووياً، على “اتفاق للدفاع الاستراتيجي المشترك”، يلتزم كل بلد بموجبه بالدفاع عن البلد الآخر في حال تعرضه لهجوم. وقال وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف إن برنامج بلاده النووي “سيكون متاحاً” للسعودية وفق الاتفاق الدفاعي المشترك، وأضاف :”ستجري إتاحة ما لدينا والقدرات التي نملكها (للسعودية) وفقاً للاتفاق (الدفاعي)”.
وقبل ذلك بيومين، زار أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني السعودية وأجرى مباحثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي عقد أيضاً لقاء مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على هامش القمة العربية-الإسلامية في الدوحة الإثنين الماضي.
وفي وقت دعت القمة المذكورة، الدول إلى “مراجعة” الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، يرد ترامب بالاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل، الذي يعد ترجمة سياسية أولى للمكاسب العسكرية التي حققتها حروب نتنياهو.
في معرض تقويمه لعقود من السياسات الأميركية في الشرق الأوسط منذ عقود، يصل كاتب العمود في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية ستيفن أي. كوك، إلى خلاصة مفادها أن “الأوهام هي التي تسيّر” هذه السياسات، وبأن “واشنطن تدفع بأفكار عفا عليها الزمن وبأهداف غير واقعية”.
ثمة رؤيتان تتجاذبان أنظمة وشعوب المنطقة منذ ما يقارب الأربعة عقود ونيف، الأولى، تتمثل بـ"محور المقاومة" بقيادة إيران بُعيد انتصار ثورتها الإسلامية عام 1979، والتي تعتبر خيار المواجهة مع إسرائيل هو الطريق الناجع لانتصار القضية الفلسطينية. والثانية، تقوم على فكرة الواقعية السياسية وقراءة موازين القوى في المنطقة والعالم، وبالتالي تجنح نحو السلام، وتتمثل في ما تسمى دول "الاعتدال العربي"؛ الدول التي تبنت ما تسمى "الرؤية الإبراهيمية" وخاضت منذ سنوات غمار التطبيع المجاني مع إسرائيل.
الركون إلى "الصديق الأميركي" كضامن وحيد للأمن الخليجي تحوّل إلى وهم نفسي تجاوزه الزمن. واشنطن التي عُرضت طويلاً كحارس الاستقرار تنظر إلى المنطقة بميزان مصالحها الفورية، وتضع كل ما يُسمّى "القيم المشتركة" في سلة السياسة الواقعية حين تتعارض مع مركز ثقلها المالي والعسكري. التحالف مع إسرائيل يمثل انعكاس غياب البدائل الاستراتيجية الخليجية آنذاك، وتجسيد ذات خليجية انشغلت بطلب الحماية الخارجية أكثر مما انشغلت ببناء قوتها الداخلية.
في أعقاب "طوفان الأقصى" في خريف العام 2023، لم تعد إسرائيل تكتفي بمراجعة إستراتيجيّتها الأمنيّة؛ بل شرعت في عملية إعادة بناء هندسةٍ كاملةٍ لدولتها من الدّاخل، بما في ذلك عقيدتها العسكرية، وذلك في خدمة رؤيةٍ أمنيّةٍ جديدةٍ متطرّفةٍ لا مكان فيها للخطوط الحمر التقليديّة التي كانت راسخة قبل السابع من أكتوبر.
هزَّت أحداث "طوفان الأقصى"، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إسرائيل حتى النُخاع، ما جعل قادتها يتبنون نهجاً أمنياً جديداً، وفق مبدأ "انهض واقتل أولاً"(*)، بحيث لا مكان في هذا النهج لأي خطوط حمراء، ولا اعتبار لأي طرف بما في ذلك أقرب الحلفاء. وحدها القوة المُفرطة الاستباقية سيدة الموقف أينما دعت الحاجة لذلك. إن ما تسعى إليه إسرائيل اليوم هو صياغة نظام إقليمي جديد يحمي مصالحها أولاً وآخراً، حتى لو تطلب ذلك منها فتح جبهات مُتعددة ولمدى غير منظور، بحسب تقرير نشره مسؤولان كبيران في معهد "مسغاف" للأمن القومي الإسرائيلي في مجلة "فورين أفيرز" .
دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تكرار، أن الحرب التي يشنها على غزة منذ نحو عامين، لن تنتهي في غزة، وإنما ستنتهي فقط "بتغيير الشرق الأوسط" بكامله. وهذا بحسب زعمه، السبيل الوحيد لمنع تعرض إسرائيل مجدداً لهجوم مماثل لهجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
تعدّدت الاجتهادات عن أهداف العدوان الإسرائيلي على قطر، الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام. لكن، ربما بات واضحاً، الآن، أن تل أبيب أرادت توجيه "رسالة بالدم"، مُباركة أميركياً، مُلخصها أنه يتوجب على دول الخليج-وباقي الدول التي تُقيم علاقات معها-القبول بكل شروط ومندرجات الحرب الإسرائيلية على إيران وحلفائها من غزة إلى اليمن مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وأن إمساك العصا من الوسط، لم يعد مقبولاً، وأنه ممنوع إقامة نظام إقليمي غير إسرائيلي.
من غزة ولبنان وسوريا واليمن، إلى إيران مروراً بتهديد تركيا في سوريا والعراق، ومصر في سيناء وأفريقيا، وعطفاً على مشروع "إسرائيل الكبرى" في الضفة والأردن وجنوبي سوريا ولبنان (كمرحلة أولى)، والآن ضرب قطر، أي رسالة يمكن أن نقرأ هنا؟