كانت لدى السوريين قابلية لما حدث ويحدث في بلدهم منذ آذار/مارس 2011، وذلك من أبواب عدة، ربما أولها السياسة والفكر السياسي، إذ لو كان في هذا البلد المشرقي الجميل فكر سياسي وحيوية سياسية لما أمكن له أن يصل إلى لحظة الحرب، ولما أمكن لخصومه التغلغل فيه وتفجيره بأبسط وأيسر السبل، ومن أقل الأماكن والمواضِع توقعاً.
بعد حوالي عشر سنوات من حرب مهولة طالت كل شيء في سورية، من المفترض أن يطرح السوريون اليوم سؤالاً تأسيسياً بالغ الأهمية والحساسية وهو: هل فكر السوريون بالحرب، وأين الفكر السياسي في سورية اليوم؟
من المفترض بالسوريين أن “يتمثلوا” دروس الحرب، وأن ينعكس ذلك في الفكر أو الخطاب السياسي، وأن يُعد شرطاً شارطاً لـ”تدبيرها”، والقطع معها، والانتقال منها إلى السياسة والسلام، بل والعمل على تفادي وقوع حرب أخرى، ما أمكن.
لعلَّ المسألة الرئيسة أمام أي خطاب سياسي هي التفكير في: أيّة سياسة، وأيّ مجتمع ودولة في سورية ما بعد الحرب؟ لكن المهم في الخطاب هو “ما يَتَبَدَّى بالفعل”، أو ما يحاول فواعل الخطاب ومنتجوه ومهندسوه أن يُصَيِّروه فعلاً أو واقعاً.
وإنَّ التحدي الرئيس الكامن وراء مفهوم “ما بعد الحرب” هو تحدي “الخروج من الحرب”، و”إعادة إنتاج” أو “إعادة تأهيل” أو “تجديد” الفكرة السورية، والعقد الاجتماعي لسورية، وقبل ذلك (أو بالتزامن معه) القطع مع رهانات فواعل الحدث السوري، التي أخذت تعبر في بعض جوانبها وتمظهراتها عن أوليات قد لا تتطابق مع مقتضى المصلحة السورية.
وهكذا، فإن من المفترض بالسوريين البحث عن براديغم أو إطار إرشادي جديد لتفكيرهم في السياسة، في ضوء خبرة الحرب، لكن ألا يتماهى معها، ينفصل عنها لكن من دون قطعية، شيء يمكن وعيه لكن ليس من اليسير التعبير عنه، وإن أمكن التعبير عنه، فقد لا يكون من اليسير قبوله أو تلقيه، وسوف أترك ذلك لمناسبة أخرى، إن أمكنت الفرصة.