إذا تبيّن أن اليابان غير موافقة ضمنياً على هروب كارلوس غصن، وهذا ما سيظهر تدريجياً من خلال رد فعلها، فإن تبعات هذه العملية على سمعة وصورة لبنان قد تكون، في مكان ما، مشابهة لتبعات قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، على سمعة وصورة السعودية. لأن لبنان الرسمي، حتى وإن أعلن عدم مسؤوليته عن تحركات غصن، سيكون متهماً بتغطية جريمة هروب تنتقص من سيادة دولة مستقلة هي اليابان، وتنتهك سلطة قضاء في بلد تسود فيه مبادئ دولة القانون. وسيغدو لبنان في عيون الرأي العام الأجنبي، بلداً يحمي الهاربين من العدالة. نقطة سوداء ستضاف إذن على سجله. وكأنه لا يكفيه تردي حالة صورته في العالم بسبب الفساد وضعف الدولة وترهل الخدمات العامة فيها واهتراء بناها التحتية، ناهيك عن السمعة السلبية لسلطته القضائية التي تعاني من تدخل سياسي مفرط ومهين في شؤونها.
لن يقتصر الأذى على الأرجح على صورة لبنان في الخارج. فإذا كانت عملية تهريبه ونقله إلى بيروت قد تمت من دون وجود صفقة غير معلنة، فما الذي سيمنع عندئذٍ حكومة اليابان من تصعيد قد يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان وربما إلى فرض عقوبات عليه؟ وإنْ لم تكن فرنسا متواطئة سراً مع من قرر تنفيذ هذه العملية، فهل يتحمّل لبنان نتائج غضب السلطات الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون من حكّامه، الذين يقدمون لغصن الحماية وربما الرعاية؟
على لبنان إعادة تسليم كارلوس غصن إلى اليابان، احتراماً لمبدأ دولة القانون وسلطة القضاء، حتى ولو لم يكن هناك اتفاق بين بيروت وطوكيو على تبادل وتسليم السجناء
فرضية عدم وجود صفقة وتواطؤ تعززها المعلومات التي تداولتها بعض الصحف الدولية، ومفادها أنه بحوزة القضاء الياباني معطيات جديدة ضد غصن. لكن في حال كانت هناك فعلاً موافقة ضمنية يابانية وفرنسية على هروب كارلوس غصن وقدومه إلى لبنان، أو إذا كان هناك غض طرف تجاه عملية تهريبه، فهذا يعني أمرين: يعكس أولاً مدى ازدراء الدول للبنان. ويعبّر عن نظرة دولية إلى لبنان باعتباره “مكباً ومزبلة” للفاسدين في العالم، بعدما كان هناك من يعتبره خلال الحرب الأهلية مكباً للنفايات السامة. ويشكّل ثانياً ليس فقط صفعة جديدة ومزيداً من التشويه لصورة لبنان، بل أيضاً صفعة وإساءة لصورة وقيم الدول الديمقراطية التي تمثل كل من اليابان وفرنسا واحدة منها. يتعلق الأمر باحتمال ترتبط جديّته بمدى صحّة التكهنات التي تشير إلى أن باريس وطوكيو تفضلان عدم استمرار محاكمة كارلوس غصن في اليابان، من أجل تفادي “اعترافات” قد تهز عروش البعض هنا وهناك. وكأن هناك مقايضة تقوم على ترك غصن ينعم بحريته خارج السجن الياباني مقابل تكتمه عن زملاء له متورطين في الفساد والتهرب الضريبي والاختلاسات المالية؟
أياً تكن حيثيات عملية الهروب، على لبنان إعادة تسليم كارلوس غصن إلى اليابان، احتراماً لمبدأ دولة القانون وسلطة القضاء، حتى ولو لم يكن هناك اتفاق بين بيروت وطوكيو على تبادل وتسليم السجناء. من شأن مبادرة حسن نية كهذه من قبل لبنان، أن تحسن سمعته وصورته على الساحة الدولية، بعد كل ما لحق بهما من أذى متراكم منذ عقود.
(*) أستاذ جامعي