لبنان: الحكومة مؤجلة ومعطيات جديدة وزارياً.. وجنوبياً

قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كلمته.. ومشى. رفع سقف التحدي بينه وبين الأميركيين. حيّد كل ما عداهم. المواجهة بالنسبة إليه ليست عسكرية أو أمنية بل سياسية بالدرجة الأولى. فما هي حصة الساحة اللبنانية من تلك المواجهة، وتحديداً السياسية؟

كان الإنطباع السائد، عند أغلب المحللين، ولا سيما منهم أهل السياسة والإعلام، أن ولادة الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب “باتت قاب قوسين وأدنى”، إثر الإعتداء الأميركي الذي ذهب ضحيته قائد فيلق القدس في الحرس الثوري في إيران اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق ابو مهدي المهندس قرب مطار بغداد ليل الخميس ـ الجمعة الماضي.

بالنسبة إلى هؤلاء المتفائلين، “هذا هو الرد المنطقي والطبيعي والسريع، لأن المطلوب تحصين لبنان سياسياً وأمنياً، وبالتالي، ثمة مخاطر إقتصادية ومالية داهمة، ولا مواجهة ناجعة إذا لم يتم تغليب البعد الأخير (الإقتصادي) على ما عداه”. السبب بسيط. “لا خطر عسكرياً أو أمنياً داهماً يتهدد لبنان، لا الآن، ولا في المستقبل القريب. الأولوية هي للخروج من عنق الزجاجة الإقتصادية. إذا نجحنا، عندها يكون ظهرنا محمياً”.

لكن، ماذا عن إسرائيل؟ “معظم التقديرات تشي برغبة الإسرائيلي بإخماد الساحات، ولا سيما غزة للتفرغ للجبهة الشمالية مع لبنان، وعلى رأس هؤلاء رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد الجنرال أفيف كوخافي”. هذه التقديرات كيف تترجم؟ “أولاً حزب الله في حالة إستنفار منذ ليل الخميس الجمعة الماضي. ثانياً، إذا تم ضرب أي هدف عسكري أميركي في المنطقة، بارجة أو طائرة أو قاعدة عسكرية، لن يقف الأميركي مكتوف اليدين. قد يطلب من إسرائيل أن تكون شريكته  في أي رد محتمل، وقد يطلب منها أن ترد في مكان محدد وضد هدف متناسب، وقد تجد إسرائيل مصلحة لها بالشراكة وأن تتحين الفرصة، لأسباب إنتخابية تخص بنيامين نتنياهو (الإنتخابات التشريعية في إسرائيل في 2 آذار/مارس المقبل)، أو لأسباب عسكرية (حالياً يتذرعون بعنوان أولوية مواجهة “الصواريخ الدقيقة”)، فتُقدم على عمل عسكري يورط الأميركيين وربما حلف الناتو في مواجهة كبيرة مع اي من فصائل المقاومة في المنطقة”. الخلاصة في هذه النقطة أن الأميركي صار قابلاً للتحول من عنصر كبح إلى عنصر دفع. الإسرائيلي يريد الحرب منذ 13 سنة مع حزب الله، لكنه لا يملك جواب اليوم التالي للضغط على الزناد. المعادلة توشك أن تتغير ومعها قواعد الإشتباك.

الأميركي صار قابلاً للتحول من عنصر كبح إلى عنصر دفع. الإسرائيلي يريد الحرب منذ 13 سنة مع حزب الله، لكنه لا يملك جواب اليوم التالي للضغط على الزناد. المعادلة توشك أن تتغير ومعها قواعد الإشتباك

ماذا يعطّل ولادة الحكومة، وهل صارت “المعركة الكبرى” التي أعلنها السيد نصرالله، تستوجب حكومة من نوع مختلف، كما يردد كثيرون في الساعات الأخيرة؟

“إنها المطالب الصغرى وليس المعركة الكبرى”. بهذه العبارة يرد أحد العارفين على سائليه.

في المقابل، ثمة إنطباع في حلقة رئاسية ضيقة جداً أن الواقع الإقليمي المستجد “لا يمكن أن يواكب محلياً من خلال أستاذ أكاديمي في الجامعة الأميركية في بيروت”. هل بات فريق الأكثرية النيابية (قوى 8 آذار/مارس) يحتاج إلى عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء العراقي المستقيل) لبنانياً؟

يأتي الجواب أن المقارنة “غير دقيقة”. أولاً، عادل عبد المهدي “تثق به طهران وعلاقته جيدة بالأميركيين وهو لم يقطع خطوطه في يوم من الأيام مع السعوديين، لكنه في اللحظة المناسبة، ضرب يده على الطاولة وطالب بخروج القوات الأجنبية من العراق”. إذا كان البعض يقصد بأن تعويم عبد المهدي عراقياً يستوجب إعادة تعويم رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري، “فهو مُشْتبِه ومُخطىء”. الأخير لا يريد أن يكون رئيس حكومة أصلياً أو رئيس حكومة تصريف أعمال في الظروف العادية، فكيف مع هذه المرحلة الجديدة؟ ثانياً، إذا كان البعض يلمح إلى أن فريق الأكثرية يريد إختيار رئيس حكومة مواجهة “من نوع عبد الرحيم مراد، فهذا الأمر لم يطرح أبدا على بساط البحث حتى الآن”..

ثمة محاولة لإقناع حزب الله أيضا بعدم التدخل في الرد على اغتيال قاسم سليماني. حتماً، جواب حزب الله ليس خافياً، لكن “حماس” لم تحسم أمرها، برغم وجود وفد قيادي رفيع المستوى مثّلها في تشييع سليماني في طهران

ليس خافياً أن الأميركيين أعطوا الإذن لبعض حلفائهم بتشغيل محركاتهم. ثمة حديث عن وجود وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى في القاهرة، وتزامن وجوده مع إنتقال وفد من “حماس” إلى العاصمة المصرية. الوفدان سيجتمعان برئيس جهاز المخابرات المصريّة اللواء عباس كامل. المعادلة نفسها يحاول الأميركيون سحبها على لبنان. ثمة محاولة لإقناع حزب الله أيضا بعدم التدخل في الرد على اغتيال قاسم سليماني. حتماً، جواب حزب الله ليس خافياً، لكن “حماس” لم تحسم أمرها، برغم وجود وفد قيادي رفيع المستوى مثّلها في تشييع سليماني في طهران.

يقول أحد العاملين على خط التأليف “إن كل جهدنا يتمحور حول وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة”، وهذه النقطة يدركها رئيس الحكومة المكلف منذ آخر لقاء جمعه بـ”الخليلين” (المعاونان السياسيان لكل من رئيس مجلس النواب علي حسن خليل وللأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل)  غداة رأس السنة الجديدة. “الثنائي” (أمل وحزب الله) “أنجزا المطلوب منهما”. حتى المواصفات التي إشترطها رئيس الحكومة “وافقنا عليها بما فيها عدم عودة أي من وزراء الحكومة المستقيلة، وقد تجاوبنا معه، برغم تحفظنا على هذا الشرط. طلب حسم هوية وزير المال، فتفاهم مع رئيس مجلس النواب على إسم الدكتور غازي وزني. اسماء الوزراء الشيعة الثلاثة ستعطى له، من ضمن المواصفات التي حددها، قبيل توجهه إلى القصر الجمهوري حاملاً التشكيلة الحكومية بنسختها الأخيرة”.

إقرأ على موقع 180  تونس: الحرب الدستورية تستعر.. و"ثورة الياسمين" حزينة

ماذا عن باقي المكونات؟

بالنسبة إلى الأسماء السنية، صار محسوماً إسم طارق المجذوب (صيدا) وطلال حواط (من مدينة الميناء في الشمال) لوزارة الإتصالات (حلّ محل عثمان سلطان). أما الإسم المتداول لوزارة الداخلية في الساعات الأخيرة، فهو العميد المتقاعد طلال اللادقي (حل محل حسني ضاهر). الإسم الدرزي حسم لمصلحة رمزي مشرفية. الإسم الأرمني من حصة حزب الطاشناق (سيدة على الأرجح). تيار المردة حصل على حقيبة الأشغال ويطالب بحقيبة ثانية (لمساواته بنصف حصة القوات اللبنانية على الأقل).

عندما أصر حسان دياب على دميانوس القطار في الخارجية، قال له باسيل “إذاً نأخذ نحن في التيار الحر وزارة الداخلية ونترك لك الخارجية”. رفض حسان دياب. حصل أخذ ورد، قال بعده الرئيس المكلف: “وفق الدستور، أنا من يشكّل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية وليس رؤساء الكتل هم من يؤلفونها”

تدل هذه السردية أن المعضلة الحكومية عالقة عند الأسماء المسيحية السبعة. طرح رئيس الحكومة المكلف منذ اليوم الأول أربعة أسماء إعتبرها مطابقة لمواصفات التشكيلة المنشودة: زياد بارود، دميانوس القطار، فايز الحاج شاهين، أمل حداد (نقيبة المحامين السابقة). حالياً، لم يبق من هذه الأسماء عملياً سوى أمل حداد. يريد باسيل أن تكون الأسماء السبعة كلها من نصيبه. عندما أصر حسان دياب على دميانوس القطار في الخارجية، قال له باسيل “إذاً نأخذ نحن في التيار الحر وزارة الداخلية ونترك لك الخارجية”. رفض حسان دياب. حصل أخذ ورد، قال بعده الرئيس المكلف: “وفق الدستور، أنا من يشكّل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية وليس رؤساء الكتل هم من يؤلفونها”.

لا يدرك دياب حجم المأزق الذي ينتظره. لا يستطيع القفز من فوق مطالب باسيل، بالحد الأدنى يملك الأخير كتلة من 27 نائباً. من دون هؤلاء، لا يستطيع توفير الأكثرية لنيل الثقة في مجلس النواب.

مكانك راوح. لا ينفي ذلك أن ثمة معطيات جديدة دخلت على ميدان التأليف في الساعات الأخيرة، قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر… حتى الآن، لا يبدو أن تأليف الحكومة بمتناول أحد، لكن الظاهر حتى الآن، هو أن من تم تكليفه ليس بوارد الإعتذار حتى لو إندلعت حرب عالمية ثالثة في المنطقة.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الشرق الأوسط ما بعد أميركا: حروبنا الآتية (1)