ها هو لبنان يفقد دوره التاريخي كمقر للسرية المصرفية والمال والخدمات السياحية ومنارة الاعلام الحر وموئل كل معارض هارب من بطش نظامه، ويتبين أن أهل السياسة فيه لم يجيدوا شيئا بلا وصاية خارجية سوى نهب الشعب، فانتهى الاحتقار الى الانهيار، برغم ان لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي طرد المحتل وحرر أرضه بسواعد أبنائه.
وهذا العراق، يزداد فقرا وفرقة ويتحوّل من دوره الكبير في المنطقة ومن تقدمه العلمي السابق، الى ساحة للصراع الأميركي الإيراني، ويعجز ساسته عن تحديد مستقبلهم وحدهم.
وهذه ليبيا الممزقة، تشهد صراعا دمويا للديكة المحللين على أرضها، فتشرّع أبوابها لكل التدخلات الخارجية شرقا وغربا، وسط تنازع عربي واقليمي على مستقبلها وتخلٍ مريب من جامعة الدول العربية التي شرّعت سابقا احتلالها كما احتلال العراق من قبل دول أطلسية.
ولو ذهبنا صوب الجزائر والسودان، سنجد تضاؤل الأدوار الإقليمية الكبرى ثمنا للبحث عن استقرار بعد ثورتيهما، وهناك محاولات حثيثة من قبل دول خارجية لتغيير الاتجاهات، هذا قد يبدو عصيّا في الجزائر نظرا لتاريخها الثوري وايديولوجية جيشها، لكنه قد ينجح في جذب السودان الى المحور الغربي ـ الخليجي. وأما في سوريا، فما كادت البلاد تتجه نحو نهاية الحرب حتى أغرقت في أسوأ ازمة اقتصادية لدفعها للتخلي عن ايران وحزب الله والقبول بحل سياسي فيه تنازلات كثيرة.
وأما في مصر التي من المفترض ان تلعب دور الجامع للعرب، فيزداد القلق باتجاه سد النهضة، ويضيق هامش الأمن الإقليمي.
وأما دول الخليج، فإلى صراعاتها الداخلية وتناقض اتجاهاتها، والحرب اليمنية التي فقدت كل مبرراتها وصارت تدور في الفراغ وتقتل مزيدا من الفقراء، فإنها تبدو هي الأخرى تنتظر تحولاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ كبرى لا تأتي، ولكنها في واقع الأمر تعيش أوضاعا ضعيفة أمام تقاسم النفوذ الدولي، والصراع مع ايران، ودخول تركيا القوي على الخط، وتسلل إسرائيل لنسج علاقات تستكمل فيها آخر مراحلِ صفقة القرن.
ثمة جيل عربي جديد كفر بكل شيء، فما عادت تجذبه شعارات قومية وعروبية، ولا عاد مهتما بالقضايا الكبرى. هو فاقد الثقة بكل السياسيين. هو يبحث عن شيء جديد ولا يعرف ماذا هو بالضبط، لكن خبرته قصيرة وطموحه هائل. هذا الجيل الذي نراه في الشوارع العربية وحده سيرسم طريق المستقبل
نُهبت ثروات العرب القديمة، وبعض الصراعات الجديدة يتمحور في دول الاكتشافات النفطية والغازية الواعدة من ليبيا الى سوريا والعراق فلبنان وسواحل فلسطين.
لم يعرف العرب كيفية الإفادة من الصراع بين اميركا من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، وهم ضائعون كالضرير على حافة الهاوية. لقد انتهى الوطن العربي القديم، وصارت لقمة العيش وبعض الأمن منتهى المطالب. وتُركت فلسطينُ وحيدة على قارعة الطريق، فكيف لا يستسهل العالم نهب ثرواتنا واقتسام أراضينا والصراع على ساحاتنا والاحتفال قريبا بصفقة القرن.
ثمة جيل عربي جديد كفر بكل شيء، فما عادت تجذبه شعارات قومية وعروبية، ولا عاد مهتما بالقضايا الكبرى. هو فاقد الثقة بكل السياسيين. هو يبحث عن شيء جديد ولا يعرف ماذا هو بالضبط، لكن خبرته قصيرة وطموحه هائل. هذا الجيل الذي نراه في الشوارع العربية وحده سيرسم طريق المستقبل، اذا عرف كيف يحوّل الثورات الى مشاريع للتنمية والتطور والديمقراطية، لكن هذا بحاجة الى سنوات طويلة من الجهد والنضال والثقافة وصدق الالتزام والتخلي عن الزعامة والقبيلة والعشيرة والانتماءات الطائفية…
الشيء المؤكد هو ان الوطن العربي القديم انتهى، والوطن المقبل، لا يزال ضبابيا جدا، ومقلقا في واقعه اكثر مما نعتقد.