“أوضح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هذا الأسبوع أن اغتيال قاسم سليماني جرى في إطار استراتيجية أميركية جديدة في المنطقة. وصرحت مصادر أميركية في 10 كانون الثاني/يناير لـ”الواشنطن بوست” أنه في يوم اغتيال سليماني، حاولت الولايات المتحدة أن تغتال، في الوقت عينه، مسؤولاً كبيراً في فيلق القدس موجود في اليمن هو عبد الرضا شهلاني، المسؤول عن تدريب وتسليح المتمردين الحوثيين، لكن العملية فشلت وظل على قيد الحياة.
هل الاستراتيجية الأميركية الجديدة تتضمن اغتيال جميع زعماء “الإرهاب الشيعي” في المنطقة الذين هم على صلة بالقيادة الإيرانية؟
ازداد تخوف حزب الله من هذا الإمكان في أعقاب كلام وزير الخارجية والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، والذي تناقلته وسائل الإعلام العربية بكثرة، وجرى تفسيره على أن الأمين العام لحزب الله هو الهدف المقبل للاغتيال.
في 13 كانون الثاني/يناير، غرد الوزير الإسرائيلي كاتس على حسابه الخاص على “تويتر” قائلاً: “نصرالله لا يتوقف عن مهاجمة نتنياهو وتهديد إسرائيل، وكلما اشتدت ضائقته، كلما ازدادت غطرسته. في هذه الأثناء، هو الذي اضطر إلى النزول والاختباء عميقاً أكثر تحت الأرض بعد تحذيرات رعاته الإيرانيين له من احتمال اغتياله. إذا تحدى إسرائيل فإن هذا أيضاً لن يساعده”.
يؤكد التقدير السنوي للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن اغتيال سليماني قوّى الردع الأميركي في المنطقة. ومما لا شك فيه أن اغتيال زعيم كبير مثله يمس بالقدرات الأدائية والعملانية للتنظيمات التي يترأسها ويضعفها.
بالاستناد إلى عناصر في الاستخبارات الإسرائيلية، رضخ نصرالله لسليماني في الأساس بسبب المال الذي حصل عليه حزب الله من إيران، ومن المحتمل أن يكون سليماني هو من فرض مشروع الصواريخ الدقيقة ضد إسرائيل. لم ينجح حزب الله في استكمال هذا المشروع، وعدد من الصواريخ الدقيقة التي جرى تهريبها من إيران إلى حزب الله ليس عملياتياً، ويجب أن نرى جوهر العلاقات التي ستتطور بين حسن نصرالله والجنرال الإيراني إسماعيل قآاني الذي خلف قاسم سليماني، على رأس فيلق القدس.
اغتيال سليماني يضعف بالتأكيد حزب الله ونصرالله، لكن حزب الله لا يزال يشكل التهديد الأهم والمباشر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال ترسانة صواريخه الضخمة التي أقيمت بمساعدة قاسم سليماني منذ نهاية حرب لبنان الثانية (حرب تموز/يوليو 2006) وحتى اليوم، من دون أن توقفها إسرائيل.
لبنان ممزق ومنقسم، ومنذ ثلاثة أشهر يعيش انتفاضة الجيل الشاب، احتجاجاً على الوضع الاقتصادي الصعب والفساد المؤسساتي. حكومة سعد الحريري استقالت بخلاف موقف حسن نصرالله الذي يواجه صعوبة في تحقيق استقرار الوضع السياسي في لبنان على الرغم من قوته الكبيرة.
اغتيال قاسم سليماني يمهد الطريق أيضاً لتصفية الحساب مع حسن نصرالله، وإذا نضجت الأوضاع الاستخباراتية والعملانية لذلك، يجب عدم تضييع هذه الفرصة
في الخلاصة، حزب الله اليوم ضعيف من الناحية السياسية الداخلية في لبنان، ولقد ازداد وضعه ضعفاً أيضاً بسبب اغتيال قاسم سليماني. في وضع كهذا، فإن حسن نصرالله غير معني حالياً بمواجهة عسكرية أُخرى مع إسرائيل، وهو يتذكر جيداً نتائج حرب لبنان الثانية، وتردعه تهديدات كبار المسؤولين في إسرائيل “بإعادة لبنان إلى العصر الحجري” إذا بادر حزب الله إلى مهاجمة إسرائيل.
لكن العلاقة بالنظام الإيراني هي مصدر قوة حزب الله ورئيسه. وهو يحتاج إلى مال ووسائل قتالية متطورة تصل إليه من هناك، ولن يتنازل عن هذه العلاقة في أعقاب اغتيال سليماني، بل سيحاول بناء قنوات تواصل جديدة مع القيادة الإيرانية.
تصفية حساب مع نصرالله
اغتيال قاسم سليماني هو ضربة قاسية لإيران ووكلائها، وفي أعقابه رمّمت الولايات المتحدة قدرتها على الردع في الشرق الأوسط، وهذا يمكن أن يشكل فرصة لإسرائيل كي ترمم قدرتها على الردع، وحزب الله موجود اليوم في نقطة ضعف، واحتمال أن يخوض حرباً ضد إسرائيل محدود.
تلحظ الاستخبارات الإسرائيلية الفراغ الذي نشأ في أعقاب اغتيال سليماني، وتقترح على المستوى السياسي الموافقة على عمليات عسكرية واسعة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، بهدف كبح التمركز العسكري الإيراني هناك. إن “محور المقاومة” برئاسة إيران ضعف بعد اغتيال سليماني، وهذه فرصة كي تصفي إسرائيل الحساب أيضاً مع حسن نصرالله.
بالاستناد إلى مصادر أجنبية، في 25 آب/أغسطس 2019، خرقت إسرائيل بصورة غير رسمية “وقف إطلاق النار” بينها وبين حزب الله، ونجحت في إرسال مسيّرات مسلحة إلى معقل حزب الله في ضاحية بيروت، ونجحت بعملية دقيقة في تدمير منشأة للصواريخ الدقيقة يملكها حزب الله. وبحسب المصادر الأجنبية، ما جرى هو عملية جريئة ودقيقة تدل على القدرة الاستخباراتية والعملانية لإسرائيل.
يعيش زعيم حزب الله منذ سنة 2006 في غرفة محصّنة تحت الأرض خوفاً من أن تغتاله إسرائيل، وهو يعرف جيداً قدرتها. بحسب بيانات حزب الله في سنة 2004، فشلت عملية اغتيال لنصرالله بواسطة طعام مسموم، وفي سنة 2006، جرت محاولة لاغتياله بواسطة قصف المبنى الذي كان موجوداً فيه (أثناء حرب تموز). في سنة 2011، حدث انفجار في مبنى سكني في ضاحية بيروت، حيث كان من المفترض أن يلتقي نصرالله مع كبار المسؤولين في الحزب(…).
لقد سبق أن أثبتت إسرائيل أنه عندما تتوفر الفرصة المناسبة، فإنها تغتال زعماء حزب الله. هكذا اغتالت رئيس أركان حزب الله عماد مغنية في سنة 2008، وسمير القنطار، وهو من كبار مسؤولي الحزب في القنيطرة، في سنة 2015. لكن، بحسب عناصر استخباراتية غربية، لدى إسرائيل القدرة على ضرب نصرالله أيضاً في المكان الذي يختبىء فيه، ولدى الولايات المتحدة أيضاً هذا الإمكان، لذلك، فإن اغتيال سليماني يمهد الطريق أيضاً لتصفية الحساب مع نصرالله، وإذا نضجت الأوضاع الاستخباراتية والعملانية لذلك، يجب عدم تضييع الفرصة”.(المصدر: https://www.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view