
خلص.. يعني خلص. ماضٍ مضى ولن يعود. زمن آخر جاء. أزمنة فقدناها. أحلام من رماد. شهوات يابسة. آمال لا أمكنة لها.. نحن النهايات. لا يفيدنا أبداً أن نجترَّ أزماتنا وخيباتنا وخسائرنا.
خلص.. يعني خلص. ماضٍ مضى ولن يعود. زمن آخر جاء. أزمنة فقدناها. أحلام من رماد. شهوات يابسة. آمال لا أمكنة لها.. نحن النهايات. لا يفيدنا أبداً أن نجترَّ أزماتنا وخيباتنا وخسائرنا.
لا ينالكَ زمنٌ.. تجرأتَ على المستحيل، حتى فزتَ بالشهادة.. وكان ما كان وما هو باقٍ لغدٍ لا عمرَ له. بلغت ذروة الأزمنة يا سيد؛ فمن مثلك؟ لا أحد، من زمان، إلى آخر الأزمنة. لكنك تركتنا باكراً. إنما، أنت باقٍ. مثلك فقط المعجزات.
حصتنا من الحروب: الهزائم. ليست المرة الأولى. الأمل في أن تكون الأخيرة. من عادات الحروب أن الخاسر يدفع الثمن.. دفعنا أثماناً طوال قرن من الزمن. خسرنا برغم الشعارات المحقة، ولكن غير المُحصنة بالقوة. ملأنا عقود قرن مضى بالخسائر، في الداخل والخارج.
أميركا دائماً على "حق". احزموا أفكاركم وأرسلوها إلى النسيان. السياسة الإباحية تروِّض الفكر. ترسم خط مسار إلزامي. تُزوّد الإنسان بقيود في سجون الكرة الأرضية. خلص. لقد تم إعدام القيم والفكر والأمل والحرية ومتعة البقاء والعطاء.
العالم في خطر. ينحرف بسرعة عن صراط الحياة. اغتيال الإنسانية بات جاهزاً. دعوة يسوع المسيح فشلت: "لا تعبدوا ربين: الله والمال".. هذه، انتهى زمنها. تم نفي الله إلى الفراغ السماوي. الأرض راهناً، لا تحتمل ربّين أبداً. المحارق والحروب والإبادات متحدِّرة من إله واحد، لا إله إلا هو: رأسمال بجاهزية تامة، وإمرة واضحة: "الأمر لي".
المشهد الجنوبي فاق المعجزات. الخروج من أسر الأمل وتفشي الفشل، لم يدم طويلاً. سمعتُ في خيالي نداءَ، "لبيكَ يا جنوب". كان الصدى يصل إليَّ: "لبيك يا لبنان، ولبيك يا أيها الإنسان".
انتصرت غزة، بكامل دمها. الاستسلام مستحيل. هذه غزة يا ناس. نحن بشر وننتمي إلى الإنسان. الاستسلام ركوع وامتناع حرية وانسحاق إنسانية. العالم الخائف الجبان الممتهن الإهانات والخضوع والركوع، مقابل حفنة سلطات واهية، هو عالمٌ فاقدُ للكرامة، يتحوّل فيه الإنسان إلى شيء. نعم. إلى شيء فقط. إلى وسيلة رثة. إلى عبودية مُزيّنة بالعار.
أصغيت بدقة إلى خطاب الرئيس اللبناني الجديد العماد جوزاف عون، بعد فراغ مديد تعايشنا معه، وأطربني الحلم السياسي المستحيل، لا بل سرقني الخطاب ودعاني لأن أسكر قليلاً وآمل كثيراً إلى أن انتابتني تساؤلات متتابعة:
خلص؛ متى نعترف بالخسارات؟ متى نتجرأ على الاعتراف بالأخطاء والإرتكابات؟ كيف نواجه يأساً واقتراباً من النهايات؟
خلص. مائة عام من الخيبات والخسائر. هذه البلاد مصابة بوباء الاستبداد. حاضرة دائماً للفتك. أهداها الغرب وباءً صهيونياً. نصحنا مراراً بالاستسلام: "من حق إسرائيل المطلق أن تكون بديلاً عن فلسطين".