لا إله إلا.. ترامب

العالم في خطر. ينحرف بسرعة عن صراط الحياة. اغتيال الإنسانية بات جاهزاً. دعوة يسوع المسيح فشلت: "لا تعبدوا ربين: الله والمال".. هذه، انتهى زمنها. تم نفي الله إلى الفراغ السماوي. الأرض راهناً، لا تحتمل ربّين أبداً. المحارق والحروب والإبادات متحدِّرة من إله واحد، لا إله إلا هو: رأسمال بجاهزية تامة، وإمرة واضحة: "الأمر لي".

وداعاً أيتها النصوص الإلهية المزمنة. وداعاً يا فلسفات العقل وصلوات الأديان ومباخر الكنائس. لا جدوى من التثقف بالآيات والدعوات، القوة هي الأب، والمال هو الآية الفضلى والمثلى.. والنهب المعلن مصان بخبراء يعرفون كيف يقنعون الفقراء والجائعين والبائسين، بوسائل إعلام، تقنع العقلاء والحمير معاً.

العالم يقترب من ممارسة فاحشة: التمييز بين الإنسان المتفوق وما يمكن أن نسميه، البشرية المسحوقة. نقترب من عذابات الجحيم الإنساني. لا تخيفونا بالعقاب ما بعد الموت. إننا هنا، أموات يطحنون ولا يرزقون. وعليه، نقفل صفحات الكتب المقدسة وفلاسفة العقل والتنوير، وننبذ المفكرين والمبدعين. ولو كان أفلاطون حياً، لأعلن على الملأ: سأخرج من السياسة. السياسة لا عقل لها. المال هو اللعبة الوجودية المحصَّنة. المال هو الذي يصنع الآلهة والأديان وصفقات الانغماس في الاغتيالات والاجتياحات.

الصلوات لا تنفع. كل صلاة في مواجهتها صلاة مضادة. التقدم أفرحنا كثيراً، ودمّرنا أكثر. لا أحد يسمع صراخ أكثر من مليارين وسبعمائة مليون جائع.. أما في الفيافي العربية، فقد تم تعميم الصمت السياسي والأخلاقي والاجتماعي. والويل لمن يرتكب جملة سياسية مفيدة، أو يتقدم باجتهاد وطني..

المقولة السائدة: “لا تفكر”. “نحن نفكر عنك”. لا تتجرأ على.. إلا بعد استئذان. ما نسمعه عن دول الازدهار الرأسمالي والنفطي، دليل على عبقرية تعميم الصمت، وسط جماعات: “تشكر الله على أصحاب النعمة”.

هذا عصر الكوارث. الأديان مشغولة بآياتها وترتيب معانيها، اجتهاداً أو تكفيراً. هذا عصر الانخراط في الحروب والكوارث والتهديد بها. عالم عاجز عن بلوغ العتبة الأولى من السلام. المجرمون الأنيقون، يشبهون الكومبارس الأممي. غريب: كلهم يتقنون القتل من كل الجهات، براً وبحراً وجواً و.. من الأعماق العميقة. الآلام أصوات عابرة. البكاء طقس لساعات أو أيام. المجاعات، متنقلة وناشطة. والفقراء يتسلّون بجوعهم. يلعبون بوعود الطعام. غريب جداً. الأطفال الأموات، بلا أهل أو عائلة، يحشرون في برادات ثم.. “لا تبحثوا عنهم”.

غريب. الأديان قامت على المحبة.. يا حرام. إخلعوا عنكم الآيات السماوية التي لا مكان لها في هذه القارات، راهناً، وقديماً.. وفي ما بعد. تصوّروا، أن الذين يلعبون التنس والطاولة والـ.. هم الذين يلعبون بأولويات اليورانيوم.. ويجربونها فقط في الدول الجائعة، والممنوعة من الحرية والفرح.

لبنان، بوابة لعبور ودخول الموفدين الأذكياء. إلا أن الكلمة الأخيرة، هي لدونالد ترامب. من قبله، كان البيت الأبيض الذي يؤوي ذئاب المقتلة الكبرى في غزة وجنوب لبنان.. فيا أيها “اللبنانيون”، تعلموا جيداً واحفظوا الحكمة السياسية الدائمة: لا إله إلا ترامب. ومن تبقى خدم، وإلا: فعصا الطاعة

“في الغرب سادت ثقافة شعبوية، مُوقّعٌ عليها من عليَّة “المثقفين”: عودوا إلى بلدانكم.. أقرباؤكم “ينتظرونكم على بوابات المقابر الحزينة”. (جواد الأسدي).

نحن الأكثر ثراء في هذا العالم. رأسمالنا من الشهداء يزداد، سنة بعد سنة. شهراً بعد شهور، يوماً بعد أيام. نحن نُقتل، كرذاذ اعتاد أن يحضر بلا ضجيج. عدد القتلى يومياً بالآلاف. ثم إن العيش تحت سطوة العقوبات والمنع والتحضير التي تجعل من الخوف زوادة.

والويل للدول التي لا تقول نعم وتتلفظ بـ”لا”.

غريب أيضاً، انه عندما تقع حرب، يُطلب من أميركا أن تتدخل لمنع الحرب.. وهي التي تشعل الحروب.

لم تكتشفوا أن القيادة الأميركية، كانت شريكاً متفوقاً وتدفقاً ودعماً وحماية ومنعاً.. فيما كانت وفودها، تزور لبنان وتساهم في مشاورات التأليف والتكليف وانتخاب الرئيس وانتقاء رئيس حكومة و.. إلى آخره.. والغريب، أن الأكثرية التسعينية صفّقت لنفسها، لأنها أضاعت أميركا “الإسرائيلية”.

أميركا التي عاقبتنا وحاربتنا وسلّحت “إسرائيل” بجحيم الأسلحة، التي دمّرتنا، يُطلب منها بلطف مبالغ به، أن تساعد لبنان على تنظيفه من العنف. واعتبار “الحقوق”، سلعة نفقت في حرب غزة. أما الاستقبال اللبناني للوفود الغربية المشاركة بكل قواها، مع جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، فكان مشجعاً جداً، حتى تحوَّل النواب في البرلمان، إلى أصابع بصم..

فريق لبناني حرزان، مسرور جداً، ومطمئن جداً، إلى أن المقاومة خسرت المعركة وعليها أن تخرج من السياسة، وفق التقاليد المعروفة، في الديموقراطية اللبنانية المبنية على قشور رثّة وهالكة، تصلح لإقامة نظام طائفي مبرم، يدعو اللبنانيين إلى مكافأة أميركا، بأن تكون الناصح والآمر وإلا..

وهكذا، نفتتح عودة “الديموقراطية” إلى لبنان، محمية ومدعومة من قبل غرب يوزع الديموقراطية، وفق حاجته. لكن لبنان يصعب عليه الامتثال. الانتماء الديني والمذهبي يعطلان “الديموقراطية”.

حاشية: لبنان لم يكن يوماً في ماضيه ديموقراطياً.. كان توافقياً.. أي كان مبنياً على صفقات ومحاصصة.

لبنان، بوابة لعبور ودخول الموفدين الأذكياء. إلا أن الكلمة الأخيرة، هي لدونالد ترامب. من قبله، كان البيت الأبيض الذي يؤوي ذئاب المقتلة الكبرى في غزة وجنوب لبنان.. فيا أيها “اللبنانيون”، تعلموا جيداً واحفظوا الحكمة السياسية الدائمة: لا إله إلا ترامب. ومن تبقى خدم، وإلا: فعصا الطاعة.

إقرأ على موقع 180  شراء جرينلاند وضم كندا وقناة بنما.. مزحة ترامبية أم؟

أصيب الإعلام راهناً، بمرض اجتياحي: “باي باي” إعلام من زمان. الإعلام راهناً، وباء يفيض كلاماً، و”على جوانبه الدم”. لا أقصد طبعاً “الإعلام” في لبنان. إنه إعلام يهين نفسه بتفوق وصلافة. أما إعلام الغرب، فقد برهن على أنه يمتثل بملء إرادته للصهيونية، وانحاز إلى الجزار، واتهم الشهداء في غزة ولبنان..

من الآن فصاعداً، سيبدأ عصر الترحيل وتنظيف البلاد، من “الزوائد” البشرية. توزيع الفلسطينيين. طرد الأجانب. إنقاص عدد سكان الأرض..

أيها الضعفاء خافوا.

هذه الأرض ليست لكم.

اتلوا صلواتكم.

الموت في هذا العالم.. أرحم من البقاء والتعامل معها كحشرات.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  هيكل وطنطاوي.. وشرعية "ثورة يناير"