آخ.. إلى آخر الآه!

خلص؛ متى نعترف بالخسارات؟ متى نتجرأ على الاعتراف بالأخطاء والإرتكابات؟ كيف نواجه يأساً واقتراباً من النهايات؟

موتنا السياسي صار علنياً جداً. نشتري وجودنا بجمل خفيفة جداً لا وزن لها. الكارثة حصلت، واضحة، فاجرة، أقفلت أبواب أمل ما، أمل، ولو بحجم ذرة.

من لا يعترف بذلك إمّا جبان، وإمّا ميت. يبدو أن هناك عقيدة سياسية جديدة، هي السراب، والتعامل العبثي مع الصمت.

كارثة تامة. كارثة صارخة. والغريب جداً، أن شعوباً فرحت بالكارثة، وشعوباً صمتت وتسلحت بحكمة النسيان.

يا ناس، إننا ندفع ثمن أخطاء فادحة، عمرها قرن كامل من الزمن. الوحيد الذي نجا من الكوارث، هو “اسرائيل”. كانت “صغرى” واليوم باتت “عظمى”. تسرح وتمرح وتتمدد وتقتل وتفتك وتتناوب على ذبح غزة. العالم “الأخوي العربي”، لم يكفكف دمعه. فضّل الإقامة في خيام المذاهب؛ على أن تتولى “إسرائيل” تعميم موتنا، أو تأهيل ورشة الخراب، ليصبح “إسرائيربياً” (اسرائيلياً عربياً).

***

خلص؛

ما كان على امتداد عقود، انتحر بعدما نحرته المرحلة، بيد “اسرائيل”. والغريب، أننا لم نعترف بعد أن وجودنا، تَرمَّد.

نتناسل فقط. نُهاجر ونُهجّر.

إننا نقيم في الوراء. نقيمُ بصمت وضياع بحثاً في الأصفار عن رقم يدلّنا إلى مكان إقامة مريحة. أخاف من أن يصبح الخلف، أو الوراء، مكان إقامة شعوب مستقبلها صار خلفها.

لنشرح:

الهزائم كثيرة. الأخيرة منها كانت قاسية جداً ومؤلمة أكثر. (لا أقصد أن الجميع كذلك). لا نعرف في ممالك الصمت وإمارات البكم وترسانات المعسكر الخادعة وخطب قبضايات الألفاظ؛ لا نعرف، غير الصمت وإدارة الظهر. هؤلاء تعلّموا من الخسائر، أن يلجأوا الى تحويل الشعوب الى مأموري ثكنات عسكرية.

ليست المرة الأولى.

نُكبت هذه الشعوب كثيراً. خسرت كل حروبها، ليس بسبب شعوبها، بل بسبب انتهازييها. ربحت “إسرائيل” كل حروبها، وهي في مساحة جغرافية ضئيلة. وفي التعداد السكاني.. فقيرة. هذه الدويلة العظمى، هزمت جيوش العرب في عام النكبة. (النكبة كلمة لطيفة). اسرائيل، في حرب الـ48 أسّست وجودها الدولي، بقليل من القتال. بعدها، “عزمت” بريطانيا وفرنسا، لدك مصر بدعوى تحرير قناة السويس من الإئتمان المصري. وحدثت الكارثة الكبرى، غير المسبوقة، في ما سمّي: “النكسة”. عيب. لم تكن نكسة بل هزيمة تامة ومبرمة في خلال ساعات أو في خلال 3 أيام.

نعم. عار ثم عار ثم.. ظلّت إسرائيل تهدينا العار.

لم نعترف بهزيمة. عوّضت الحكومات بإحكام القبضة على شعوبها. حكومات وقيادات ضد شعوبها. العالم العربي، مؤلف من أقفاص. المقيمون فيها، ممنوعون عن السياسة. اللهو مسموح. الكبت مفروض. أحياناً، عليك أن تجترح حلولاً خيالية.

كأن أقول: علينا أن نُغيّر ماضينا. أن نخترع ماضياً يناسب المستقبل العادي. لكنه مستقبل إرادي. غريب. إننا نصدق الكذب. الكذب الاعلامي مادة حيوية سياسياً. الصدق تافه وعابر ومهان. الاعلام يصنع واقعاً مناسباً للكسل السياسي. ويُوفّر منصة عداء، للأحرار والطيبين والمناضلين.

غريب. لقد فاز الصمت العربي على الرأسمال الديني والسياسي والانساني. الصمت العربي عقيدة إلزامية. هو الدين السياسي لأمة ذات عراقة دينية وانسانية واخلاقية.

***

لا يلامُ الذئب في عدوانه إن يكُ الراعي عدو الغنم.

نعيش خديعة الحياة. انما، لدينا خاصية فاقعة الحضور.

زعماؤنا، الخالدون في زمنهم تدوسهم أقدام جماهيرهم. وهؤلاء يتم تأميمهم وإخفاءهم. يقومون بعمل نبيل: تحطيم الطاغية، ثم تأميم السياسة، ومنع جازم للحرية.

عالم عربي بشعارات تافهة. أبلغ ما عندهم، صمت هرمسي وتناوب في التآمر، وفي نسخ العداوات: الجزائر والمغرب؛ تاريخ من العداوات. الحدود مغفلة، والعدالة نفط السياسات.

بالعداء تُطوّع السلطة شعوبها. كي تكون مغربياً عليك ان تحقد وتحارب الجزائر. والآخر كذلك.. ليبيا من جنون العظمة الى جنون العنف. مصر من عراقة التاريخ الى الخروج منه. وعفا الله عما سيأتي، ما مضى علينا أن ننساه، وبخاصة: الماضي الرائع.

نحن الرمز الخالد في الفشل والتآمر على الذات. كانت ذات عصر، أحرار روما. السودان، تموت انشقاقاً. تجوع. تسفك. تباد ثقافتها. يُنسى كتابها وشعراؤها.

أفدح ما بلغناه في القرن الفائت، أننا صنعنا جيوشاً، لمحاربة شعوبنا.

برافو.

“إسرائيل” ليست كذلك أبداً. هي دولة ناجحة جداً، هي دولة بمواصفات دولية، هي نظام ديموقراطي كامل. هناك محاكمات، مساءلات. قادتهم أحياناً يساقون إلى السجن. هذا من أسباب التفوق، من أسباب الفوز، من أسباب هزائمنا.. لأننا نؤمن، بأن “الحياة وقفة عز”. لم نتعرف بعد على وقفة.

***

والله، مراراً بعد مرار، إننا لا نستحق هذه العقوبات أبداً. نحن شعب ولسنا خرافاً.

أما بعد

أو ماذا بعد؟

لا أعرف. المهزوم مثلي، يبحث عن لغة أخرى. عن حذاء آخر، ليتعلم السير في طريق، غير ملغم. التنازلات صعبة جداً. خسرنا في السياسة والحروب والنضال والمعارف والإنتاج والإنسانية.. ولكننا لا نريد أن نخسر انتماءنا وقيمنا، لأننا نؤمن بالأفق، مهما كان بعيداً وملبداً.

إقرأ على موقع 180  الإتفاق النووي.. مسار متعرج من فيينا إلى الناقورة!

أتساءل أحياناً، كما أسأل سواي: هل أنت مؤمن؟

كثيرون، استقروا في اليأس. كثيرون خرجوا من المعركة ولو كانوا قد خاضوها بقوة. كثيرون يدورون حول أنفسهم. كثيرون مصابون بمرض انعدام الأفق.. وأكثرية ببغائية تتبنى ما قيل: “من يأخذ أمي أسميه عمي”.

***

لم يحن وقت المساءلة. المساءلة كانت مغيبة منذ قرن بالتحديد. لا يستحق أحدٌ منهم، أن تُرفع له التحية، أو أن تُقرئه السلام.

أختم بحوار في مسرحية غاليليو غاليلي:

أندريا: تعيس البلد الذي ليس فيه أبطال.

غاليلي: كلا يا أندريا. تعيس البلد الذي يحتاج إلى أبطال.

وأختم أيضاً:

كتب لي صديق ما يلي:

“دموعنا، آهات البرتقال في فلسطين”

أنا: آخ.. إلى آخر الآه.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  مجدداً.. عن لبنان و"بدو الخليج" ومطاردة السوريين