الردع Archives - 180Post

800-47.jpg

منذ مطلع الخريف، تشهد الحدود الجنوبيّة للبنان حالة تصعيدٍ محسوبةٍ، تكاد تكون استمراراً لحربٍ لا تُعْلَنْ ولا تتوّقف. القصف الجوّيّ والاشتباكات المحدودة لم تعد استثناءً، بل إيقاعاً يوميّاً يتحكّم في حياة القرى الجنوبيّة. خلف هذا المشهد الظاهر، تتكشّف استراتيجيةٌ أعمق تسعى من خلالها إسرائيل إلى إعادة تعريف الشمال، ليس كمنطقة مواجهةٍ مع لبنان فحسب، بل كمجالٍ أمنيٍّ واحدٍ يمتدّ من غزّة إلى الجولان مروراً بالجنوب اللبنانيّ. الهدف المعلن هو “الرّدع”، لكن الهدف الفعليّ هو إعادة رسم أو ترسيم الجغرافيا - ليس فقط على الأرض، بل في المخيّلة السّياسيّة.

80.jpg

تتحرك خرائط الشرق الأوسط ككائنٍ يبدّل جلده تحت ضغط الزلازل السياسية والعسكرية، فتتقدّم مصر وتركيا وقطر في مشهدٍ يعاد فيه توزيع موازين القوة والرمز، فيما تخرج إيران والسعودية وسوريا من حالة الارباك لتعيد تركيب حضورها على ضوء ما خلّفه تسونامي الدم الذي أطلقته آلة الحرب الإسرائيلية في فلسطين. كلّ موجةٍ من ذلك الدم كانت تُعيد تعريف السلطة في المنطقة، وتحمل معها وعياً جديداً بحدود العجز والإمكان.

800-30.jpg

من خريفِ عامٍ إلى صيف عامٍ آخر، وما بينهما، تنقّلت محادثات الملف النووي الإيراني بين إيران والقوى العالمية الكبرى. وفي حسابات القرن الحالي أكمل التفاوض يوبيله الفضيّ. إنّ ربع قرن من التفاوض ليس مسألة بسيطة في التاريخ السياسي لأيّ قضيّة.

timoessner.de_Child-Labor.jpg

عالم ما بعد الأحادية ليس أكثر شرّاً ولا أكثر خيراً بطبيعته؛ إنّه أكثر واقعيةً وأقلَّ تسامحاً مع الوهم. لا مكان فيه لخطابات “التفوّق الكلّي” ولا لإعلانات “الانفصال الكلّي”. يَسمحُ بالتنافس الحادّ على المعايير والتكنولوجيا والموارد، لكنه يعاقب من يخلط بين القطيعة التكتيكية والانفصال الوجودي، كما يعاقب من يصرّ على كونّيةٍ مفرطةٍ لا سندَ لها. هو عالمٌ يطلبُ من الفاعلين أن يجمعوا بين الشراسة والضبط، بين الصرامة المعيارية والمرونة التشغيلية، بين الدفاع عن الهويّة والانفتاح الذكي على التشابك.