حتى 17 الجاري يوم اندلاع الانتفاضة اللبنانية، كان حزب الله يتصرّف على أنه رأس حربة مكافحة الفساد. يكفي أن نعود الى بعض الخطابات النارية للنائب حسن فضل الله في البرلمان، لنفهم هذا الموقع الذي وضع الحزب نفسه فيه خصوصا بعد تحول الحرب السورية لمصلحة المحور السوري – الايراني – الروسي.
إنتقل غضبُ الناس الى الشارع ابتداء من يوم الخميس الماضي، فكان تقييمُ حزب الله أن هذا شيء جيد لأنه سيساهم في الضغط على معارضي ورقة الإصلاحات التي وُضعت خطوطها العريضة منذ العام 1992، ولم يستطع الحزب تنفيذها بسبب سطوة أباطرة المال والاقتصاد والمصارف على الحكومات المتعاقبة.
لم يشارك حزب الله رسميا في الحراك، خشية أن يقال إنه يقف خلفه، فيفقد الحراك أهميته الشعبية على مستوى الوطن. لكن لا شك أن جزءا من بيئة الحزب موجودة بين المتظاهرين، لأن هذه البيئة تضرّرت كثيرا من الفساد، ولان بعض الفساد وصل الى داخلها من خلال رموز جرى الكلام عنها أكثر من مرة. فالتململ داخل البيئة الشيعية انفجر هو الآخر في اليومين الماضيين وإتخذ اتجاهات امنية خطيرة حين اصطدم بحركة أمل وتعرّض لرئيسها وعائلته.
من مصلحة أميركا وحزب الله أيضا أن يبقى الجيش اللبناني قادرا على ضبط أي خلل أمني، لذلك يبدو كلاهما حريصا على المؤسسة العسكرية ودورها
واللافت للإنتباه أن ثمة قراءة تفيد بوجود تقاطع مصالح بين حزب الله وواشنطن في ما يجري، حتى ولو كان الحزب والمحور الأطلسي على طرفي نقيض. وهذه بعض الامثلة:
- من مصلحة حزب الله وواشنطن والغرب مثلا أن يبقى سعد الحريري رئيسا للحكومة. ثمة معلومات دقيقة تؤكد أن رئيس الحكومة اللبنانية كان ينتظر موقف حزب الله فقط ليقرر هل يستقيل أم لا، فجاء موقف الحزب مؤيدا لبقائه، لا بل ومساندا له ضد خصوم جدد كانوا بالأمس القريب يقدّمون أنفسهم على أنهم والحريري في مركب واحد. ثم جاء خطاب السيد حسن نصرالله ليؤكد لرئيس الحكومة أنه قادر على أن يجد في الحزب السند الأهم له في هذه المرحلة الحساسة.
- من مصلحة حزب الله والأميركيين أيضا ان يبقى الوضع اللبناني مستقرّا، فالاضطراب الأمني يعني بالنسبة للغرب أزمة كبيرة في مسألة النازحين السوريين ويضعف وضع خصوم حزب الله، والاضطراب نفسه لا يخدم استراتيجية الحزب في تعزيز دوره كبيضة قبّان في القرارات المهمة للبلاد ويضيّق الأفق لأنه يعني اهتزازا لعهد حليفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
- من مصلحة الحزب والغرب أن يصار الى إصلاحات جدية في الدولة التي تكاد تفقد كل مقوماتها. لكن ثمة فرقا جوهريا بين نظرة الحزب للإصلاحات التي يريدها بلا ضرائب، ونظرة الغرب التي ترى وجوب فرض ضرائب لتسهيل المساعدات الخارجية.
- من مصلحة أميركا وحزب الله أيضا أن يبقى الجيش اللبناني قادرا على ضبط أي خلل أمني، لذلك يبدو كلاهما حريصا على المؤسسة العسكرية ودورها.
ماذا عن عهد الرئيس ميشال عون؟
خاطر الأمين العام لحزب الله كثيرا بإعلانه جهارا في خطابه الأخير أنه لن يقبل بإسقاط العهد. خاطر لأن جزءا مهما من الشارع المنتفض كان في تلك اللحظة ينادي بسقوط العهد ويركز هجومه على وزير الخارجية جبران باسيل.
كلام نصرالله أشار الى أمر مهم وجوهري، ذلك أن المطالبة بإسقاط الحكومة، كانت تفترض استكمال الانتفاضة لإسقاط العهد. هنا يبدأ الخلاف الجوهري بين الحزب المؤيد بقوة لبقاء العهد، وبين واشنطن التي ترى في العهد غطاء للحزب وللمحور الممتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وصولا الى فلسطين.
لهذا السبب بالضبط وضع نصرالله خطا أحمر واضحا حيال محاولات اسقاط العهد، وهو بذلك، كان يوجه رسالة إلى القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي، أكثر من مخاطبة الحراك. كذلك فان اسقاط الحكومة يبدو صعباً، في حسابات الحزب، ويُنقل عن مقربّين من حزب الله قولهم :”ان الحزب بقي عاما كاملا على الأرض ولم يُسقط حكومة فؤاد السنيورة، وسيحتاج الحراك هذه المرة الى 10 سنوات ولن يُسقطها”. اما الحريري، فيدرك أن استقالته تعني نهايته السياسية ذلك ان العهد سيكمل سنواته الثلاث المتبقية بلا حكومة.
في الساعات الأخيرة، صار المقرّبون من حزب الله يتحدثون عن “آلة سياسية وإعلامية ومالية تتحرك لحرف الحراك الشعبي عن مساره”، ويقولون إنهم “صاروا يرون شعارت تطالب بنزع السلاح وتقول ان حزب الله يحمي الفاسدين وأنه ضد اسقاط النظام”، ويبدو ان لدى الحزب معلومات دقيقة حول هذا الأمر قد يكشف عنها لاحقا.
كيف سيكون الرد؟
“حتما ليس بشارع مقابل شارع”، يقول المقرّبون من حزب الله، ويضيف هؤلاء “الحراك يرفع شعاراتنا في محاربة الفساد، فكيف نكون ضده. ولذلك ما ينتظر في الساعات القليلة المقبلة، هو اعلان حكومة الحريري عن ورقة اصلاحية جذرية. تليها ورقة إصلاحية ثانية بعد ثلاثة أشهر. “ستقدّم الورقتان مشروعا متكاملا يلغي الضرائب المستحدثة ويرفض أية ضرائب جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود. هذا المشروع يحمي ويساعد الفقراء ومتوسطي الحال ويدعم الموظفين المدنيين والعسكريين، ويحد من سطوة اباطرة المال والثروات الكبرى وصولا إلى تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية”.
باختصار سيتضمن هذا المشروع معظم ما يطرحه حزب الله وكل من يريد محاربة الفساد، ومن المأمول ان يتجاوب الحراك مع هذه الخطوات الإصلاحية الجذرية.
ماذا لو لم يتجاوب الحراك؟
يبدو أن الأمر غير مقلق لحزب الله الذي لا يضيره أبدا ان يستمر الحراك الشعبي في رفع مطالب إصلاحية ومحاربة الفساد، فيما تكون الحكومة قد بدأت بتنفيذ الإصلاحات ما يسمح بتحسين الأوضاع الاقتصادية ورفع عقبات كبيرة من أمام الإصلاح ومحاربة الفساد لم تكن لتحصل لولا الحراك. أما اسقاط الحكومة أو العهد بالقوة. “فهذا خطٌ أحمر”. ويبدو أن خصوم حزب الله يعرفونه قبل الحلفاء.
هل هذا التفاؤل في محله، أم أن الطوفان الجماهيري الذي سيلقى بلا شك دعما كبيرا، محليا وخارجيا، سيكبر الى درجة تصبح معها احتمالات الصد ضعيفة، فتنتقل البلاد الى مرحلة مختلفة؟
لا شك أننا أمام لحظات حاسمة، خصوصا أن معظم اللبنانيين متفقون على ان نظامهم طائفي وفاسد تقاسم اركانه لحم الشعب منذ عقود. فحين تتحرك الشعوب نصرة لحقها في عيش كريم، يصعب توقع مآلات تحركها.