تتراوح الأعداد بين جيلٍ وجيل، وبين كفاحٍ وكفاح، وبين نكبةٍ ونكبةٍ ونكبات.
خلف الانتظار، حيث تمكث عيون الأسرى والأسيرات من أبناء/نا الشعب الفلسطيني في جنبات العتمة وسواد الظلام، وظلم الإجرام، ذاقت شعارات حقوق الانسان أعلى درجات البهتان في العالم، وأغبى حفلات التزوير لأبسط حقوق الأسير ومكانته الانسانية. وانسحقت قرارات الأمم المتحدة لحقوق الشعوب بالحرية والعيش الكريم تحت قرارات منظومة من العسكر – العصابات الصهيونية.
على تخوم سبعين من العقود بين دم ودماء، وقيد وسلاسل، وسطور من آلاف المؤبدات المُضاعفة بما يفوق قرون من الدهر، ورطوبة جدران سميكة، وسماكة من قلوب غلّفتها أيدي الظالمين. بين نائل ال 35 عاماً من زوال الشمس عن ثقوب زنزانته، وإسراء الجسد النازف، ومروان الرمز والمقاوم، حكاياتُ بقاءٍ وإرادة قَهَرت الذي لا يُقهَر، ووَصَمته بعقدة اللاجدوى لكل هذا الجبروت، لكل هذه المسوخ وأنبياء الكذبة في زمن اليقين.
عند عتبات ستة آلاف انتظار، تلاقت عيون المُحاصِر بالمُحاَصَر. تجمّعت من نزق آخر شبحٍ اعتلى كُرسيّ الصُدفة، إلى أول كاذبِ امتطى قبضة القهر والإكراه وسد النوافذ على ثقوب الضوء.
غاصبٌ اختبأ خلف إجرامه، فَمَنَعَ عن الأسرى والأسيرات فرحة اللقاء بأحبتهم، ومصافحة العيد، وحلم انتزاع أوراق زمنٍ غاب خلف مروره الليّليّ، وعيون تشهد على ولادات الحياة جيلاً بعد جيل.
منذ سبعين عقدِ من حَجّرٍ وعزلٍ وقيد، بدأت حكاية الحصار خلف قضبان، وأسلاك، واحتجاز حريات وأعمار وخيارات للحياة، ومعها تدحرجت حكايات وسِيَر مقاومين وأبطال ومشاريع شهداء
ستة الآف أسير/ة إنتظار توزعت بين سطور أحكام مُؤبّدَة، ومُؤّبِدَة في آن. بين أسير ومحتل. الإثنان مؤبّدان، يتقابلان، يترافعان، يتواعدان بلا اتفاق على موعد. لا قبول ولا لمحة اعتراف من أسير/ة بصاحب الأحكام الصادرة عن غير حق. إلى رفضهم العلني والضمني لهذا الغاصب، ولهؤلاء الأسرى في تاريخ نضالاتهم وأمعائهم الخاوية وحركتهم الأسيرة، ما يحكي لأسرار الخليقة مذ كانت وكانت الأرض لأهل الأرض وأبنائها من كنعان إلى فلسطين ما لم تكتشفه كنوز.
منذ سبعين عقدِ من حَجّرٍ وعزلٍ وقيد، بدأت حكاية الحصار خلف قضبان، وأسلاك، واحتجاز حريات وأعمار وخيارات للحياة، ومعها تدحرجت حكايات وسِيَر مقاومين وأبطال ومشاريع شهداء لحظات التعذيب وفنونه والاستعلاء وغروره على أيدي محتلِ إستيطاني وعنصري وإرهابي.
حكايات لا تشبه إلا نسيج من نسجها وحَاكَهَا بدمائه، وعذابات أنحاء جسده، ومحطات مديدة من كرامة لا تتزعزع، وإرادة لا تَفتُر، وهدفِ لا يضيع، وأحلام لا تتَبدّد، وبفلسطين حرة مُحررة من بحر إلى نهر وسهول ومقدسات وحواكير زيتون.
السابع عشر من نيسان/أبريل من كل عام، ذكرى يوم الوفاء للأسير الفلسطيني كما تقرّر العام 1974، هو يوم البَرَكَة التي يمنحها هؤلاء القابعون خلف سجون العدو لكل من فَاتَه أو نسي أو تناسى وأهمل قضاياهم أن هؤلاء قابعين خلف عزيمتهم وصبرهم يَتَحَدُّون بها أكاذيب المُنادين(؟) بحقوق الانسان، والمُتطفّلين على مفهوم الحرية. أولئك المنافقين على أبواب الارتزاق والتَسَتُّر والتَستّر على جرائم الاحتلال.
في هذا اليوم، ومن سبعين من عقود، كم تبدو البشرية ومؤسساتها الدولية وجمعيات حقوقها الانسانية رهينة فراغ بياناتها ولَغوّ ملفاتها، وكم تبدو ابتسامة الانتظار وأهالي أسرى الانتظار أوسع من سخرية تجاه أولئك المُكبّلين برطانة الكلمات الجوفاء، أسرى جرثومة انتشرت وأصابت وخلقت من الذعر الشيء الكبير.
في هذا اليوم، نجرؤ ـ لأننا نخجل ـ على إلقاء السلام على ستة آلاف إنتظار، ولأننا منهم نستمد قوة وانتظار آخر مختلف له خطة وطريق.
(*) اللوحة بريشة الزميلة منى سكرية (رئيسة جمعية التراث الوطني الفلسطيني في لبنان)