برغم تمسك مكونات الحكومة اللبنانية الحالية بها، ولا سيما حزب الله والتيار الوطني الحر، على قاعدة عدم توفر أي بديل جدي لها، من جهة، والخشية من ذهاب البلد نحو الفوضى الشاملة، من جهة ثانية، فإن مجريات الأسواق المالية وإنفلات سعر صرف الدولار الأميركي وأداء الحكومة في التعيينات والكهرباء والمفاوضات مع صندوق النقد، سرّع في نزول اللبنانيين إلى الشوارع، في معظم المناطق اللبنانية، وهو أمر إستوجب دعوة الحكومة إلى جلستين طارئتين اليوم (الجمعة) في السراي الكبير (قبل الظهر) والقصر الجمهوري (بعد الظهر)، لمحاولة ضبط الأوضاع النقدية والمالية. ولعل المعضلة الأبرز هي عجز مصرف لبنان عن التدخل في الأسواق المالية، مخافة التفريط بما يملكه من إحتياطي عملات صعبة يفترض أن يكون صرفه محدداً بقضايا أساسية كالمحروقات والقمح والأدوية، من الآن وحتى نهاية العام 2021.
ماذا ينتظر لبنان واللبنانيين في الساعات المقبلة؟
ثمة سيناريوهات محددة يمكن إدراجها على الشكل الآتي:
أولاً: سيناريو عدم إستقالة الحكومة الحالية، وهذا يعني المزيد من التأزم، وصولاً إلى إنفجار يمكن أن يضع البلد على حافة الفوضى الشاملة.
ثانيا: إستقالة الحكومة، سواء بمبادرة من رئيسها حسان دياب، وهذه فرضية ضعيفة، أو بثلث الوزراء فيها، وهذه الفرضية أكثر واقعية لكنها تحتاج إلى ضوء أخضر من حزب الله بالدرجة الأولى، الأمر الذي يحولها إلى حكومة تصريف أعمال ويفتح الباب أمام بدائل لها.
ثالثا، إذا إستقالت الحكومة أو سقطت في الشارع.. والنتيجة ستكون واحدة، فإن الخيارات المطروحة تتمحور كالآتي:
الخيار الأول: التفاهم مع سعد الحريري من أجل عودته إلى السراي الكبير، على رأس حكومة وحدة وطنية، وقد تم جس نبض رئيس تيار المستقبل في الساعات الماضية، وكان جوابه صريحاً: أنا جاهز للعودة لكن عندي ثلاثة شروط لا رابع لها: أولا، حكومة من دون جبران باسيل (تمثيل التيار الوطني الحر بوجوه غير صدامية)؛ ثانيا، حكومة من دون حزب الله (لا مانع من تمثيل الحزب بوجوه غير حزبية وأن يكون مطمئناً إلى خياراتها وتحييد سلاحه)؛ ثالثاً، فتح الباب أمام التوصل إلى تفاهم مع صندوق النقد الدولي لأن الخيارات الأخرى للبنان باتت غير متوفرة. لم يتأخر الرد على شروط الحريري: لا حكومة من دون جبران باسيل ولا حكومة من دون تمثيل حزب الله.. أما موضوع صندوق النقد، فلا مانع من المضي بالمفاوضات التي بدأتها الحكومة الحالية.
الخيار الثاني: قيام حكومة عسكرية، بدا الفرنسيون خصوصا والأوروبيون عموماً أكثر حماسة لها من الأميركيين، على أن تخوّل صلاحيات إستثنائية وتحدث صدمة إيجابية في الشارع. هذا الخيار يحتاج أولاً إلى ضوء أخضر داخلي، وتحديداً من حزب الله، وثانياً إلى ضوء أخضر خارجي من الأميركيين، وهاتان الموافقتان لم تتوفرا حتى الآن، لكن المناخات الخارجية لا تستبعد مثل هكذا إحتمال.
الخيار الثالث: قيام حكومة حيادية شبيهة بحكومة حسان دياب، وهذا الخيار حظوظه ضعيفة جداً.
هل هناك خيارات أخرى؟
من غير الواضح توافر خيارات أخرى. الأكيد أن لبنان صار في صلب ساحة الإشتباك الإيراني ـ الأميركي، من العقوبات المتصاعدة وقانون قيصر وقانون ماغنيتسكي إلى إقفال كل أبواب المساعدات والقروض بوجهه.
المناخات الأميركية والأوروبية في الساعات الأخيرة تشي بأن واشنطن تلقت من خلال التعيينات المالية الاخيرة ضربة قاسية. حزب الله أبلغ الجميع وبالفم الملآن: ممنوع إعادة تعيين الدكتور محمد بعاصيري في منصب نائب حاكم مصرف لبنان. رد الأميركيون بأن هذا الأمر يشكل تجاوزاً للخطوط الحمراء. تضامن الفرنسيون والأروبيون معهم. لم يتأخر الجواب، لكن هذه المرة مدموغاً بتوقيع حسان دياب وميشال عون: سليم شاهين نائبا لحاكم مصرف لبنان بدلا من محمد بعاصيري!
كيف سيرد الأميركيون على عون ودياب وحزب الله؟
لننتظر ما ستحمله الايام المقبلة.