يأتي التهديد الأمني للمَجموعات المُتطرّفة العنيفة ذات الدوافع الأيديولوجيّة ليُضاف كتهديد جدّي في دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تأثيرات الركود الاقتصادي سواء على الشركات أو على الأفراد، بما يعنيه فقدانهم للوظائف أو جزءٍ من دخلهم، وانهيار مَنظومة الأمن المُجتمعي القائمة. إذ أَطفأت كل القطاعات الإنتاجيّة والمجتمعيّة تقريبًا محرّكاتها مع بدء الإغلاق العامّ وحالات الطوارئ المُعلنة باستثناء القطاعات الصحّية، وتطلب تطبيق قرارات الحظر والطوارئ استعانة أكبر بالمؤسّسات الأمنيّة كالجيش والشرطة وغيرها من وكالات تطبيق القانون في أوروبا.
أمّا بالنسبة للوكالات المُتخصّصة بمُكافحة الإرهاب، والمعني بها هنا تلك التي تتعقب المجموعات الجِهاديّة العنيفة التي تؤمن بالمَذهب التكفيري مِثل تنظيم “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلاميّة” وفروعها، فيبدو وكأن الوباء قد أثّر على حركة عملائها الميدانيين والإداريين، وذلك بسبب إقفال الحُدود وحظر السفر، من جهة، وبالتالي صُعوبة التواجد في الميدان، وضيق الحركة داخل البلاد نفسها، من جهة ثانية.
في حين تتأثر حركة ونشاط أجهزة مُكافحة الإرهاب، فإن نشاط المجموعات الإرهابيّة والمُتطرّفة العنيفة لا يبدو انه سيتأثر بالإغلاق الذي فرضه وباء كورونا، لا بل من المُحتمل أن يزدهر
وفي حين تتأثر حركة ونشاط أجهزة مُكافحة الإرهاب، فإن نشاط المجموعات الإرهابيّة والمُتطرّفة العنيفة لا يبدو انه سيتأثر بالإغلاق الذي فرضه وباء كورونا، لا بل من المُحتمل أن يزدهر. ولعلّ أبرز الأمثلة على أنّ هذه الجَماعات ستجد في الإغلاق والخوف من كورونا مَساحة للتحرّك في أوروبا كما ظهر في الأسابيع الماضية حين اعتقلت أجهزة الأمن الدنماركيّة في ٣٠ نيسان/إبريل الماضي مُسلّحًا – “ذئبا منفردا” كان ينوي تنفيذ هُجوم، بالإضافة إلى حالة الطعن التي أودَت بحياة شخصَين في رومان- سو- ايزير بجنوب شرق فرنسا يوم ٤ نيسان/ابريل، وحالتَي طعن في لندن في شباط/فبراير الماضي، الأولى في ٢ شباط/فبراير جنوب لندن، والثانية في ٢٠ منه نفذّها متطرّف عنيف أوروبي ضدّ مؤذّن مسجد لندن المركزي.
وخارج إطار الاتحاد الأوروبي، كان لافتًا للإنتباه الخبر الحصري الذي نشرته مجلّة “نيوزويك” عن تفعيل فرقة عمل عسكريّة سريّة – لا مَثيل لها في الولايات المتحدة الأميركيّة – بدءًا من ١٦ آذار/مارس الماضي لتأمين المراكز الحكوميّة الحسّاسة في العاصمة واشنطن، وأبرزها البيت الأبيض، وحمايتها من أي هجوم إرهابي برّي أو بحري أو جوّي وينفّذه إرهابيّون من داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
تجد المجموعات التكفيريّة العنيفة في فيروس كورونا نفسه سلاحًا بيولوجيًا جاهزًا للاستخدام ليس من الصعب الحصول عليه
إن كان جزء من اطمئنان الأجهزة الأوروبيّة يكمُن في أن إغلاق الحدود التام للاتحاد الأوروبي سواء مع الخارج أو إلى حدّ كبير بين بلدان الاتحاد نفسها، يشكل ضمانة بعدم تسلّل مَجموعات إرهابيّة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، فإن الخطر الذي يجب التنبّه له هو ذلك الذي تولّده الخلايا النائمة و”الذئاب المُنفردة” المَوجودة أساسًا داخل هذه الحدود. وينبع هذا الخطر من أن أوروبا شكّلت بؤرة لتفشي الوباء، ما يتسبّب بإنهاك أجهزتها الأمنيّة على كل المُستويات، ويرفع نسبة احتمال حدوث هجمات من قِبَل المَجموعات الإرهابيّة المتطرّفة في الداخل، لأسباب أبرزها:
– مُعظم هذه المجموعات هي مَجموعات صغيرة، أو تتشكّل من عناصر ينشطون كـ”ذئاب منفردة”، وبالتالي فإنّ حركتها لن تثير أي شبهات، لكنّها ستكون أكثر جرأة في التنفيذ، كونها متحرّرة من خوف الإصابة بالفيروس. لذا، وفي حين يتفادى رجال الأمن الاحتكاك غير الضروري عن قرب، سيكون هؤلاء الإرهابيين مستعدّين أكثر للهجوم والالتحام المُباشر والقريب من دون أي خَوف.
– هنا يبرز أمر وجب التنبّه له، هو أنّ تجد المجموعات التكفيريّة العنيفة في فيروس كورونا نفسه سلاحًا بيولوجيًا جاهزًا للاستخدام ليس من الصعب الحصول عليه، وهو نوعًا ما كأنه جرثومة ّ”متوفّرة في الأسواق” لاستخدامها لنشر العدوى.
– سيؤدّي الوباء إلى تحدٍّ إضافي بوجه أجهزة الأمن والاستخبارات الغربيّة، فقد تتصاعد حركة المَجموعات المتطرّفة اليمينيّة التي ستزيد حدّة خطابها ضدّ الأجانب مع تهاوي الاقتصاد وتضاءل فرص العمل. وسيُغذي بعض هذه المجموعات خطاب العنصريّة القومي من أجل أهداف سياسيّة ولإضعاف الحكومات القائمة.
والأخطر من ذلك ان احتمال حدوث العمليات الإرهابية في هذا الوقت سيزيد من حدّة شلل النشاط الاقتصادي والدراسي والسياحي، ما يؤدّي إلى اضطرابات سياسيّة وأمنيّة واجتماعيّة تزيد من تشتيت جهود الحكومات وكذلك الأجهزة الأمنيّة وتلك المختصّة بمُكافحة الإرهاب.
لذا فإن مواجهة هذا التهديد تتطلب إجراءات دقيقة من أجهزة مكافحة الإرهاب الأوروبية مثل تكثيف تواجد عناصر وكالات الأمن في الميدان، خصوصًا خلال المراحل الأولى لتخفيف إجراءات العزل، بما في ذلك المنافذ البرية والجوية حتى بين دول الاتحاد نفسها.
مع كل ما ذكر من مخاطر، يبقيّ التحدّي الأكبر الذي ستواجهه الديموقراطيّات الأوروبيّة إزاء هذه الاحتمالات، التي قد يرفع تفشي وباء كورونا من إمكانية حدوثها، هو عدم السماح للفوبيا الأمنيّة أن تستَولي على المَساحات العامّة والخاصّة على نحو تهدّد فيه أو تقوّض الحريّات الشخصيّة والسياسيّة والثقافيّة والدينيّة للجماعات والأفراد على حدّ سواء. علمًا أنّ الحريّات العامّة والخاصّة وحقّ الوصول إلى الرعاية الطبيّة من دون تمييز ديني أو عرقي يجب أن يبقى مصانًا. وفي هذا الإطار، يجب الحدّ من منح صلاحيّات تنفيذيّة استثنائيّة لوكالات مُكافحة الإرهاب على غرار “قانون الوطنيّة” Patriot Act الذي أقرّته الولايات المتحدة بعد اعتداءات ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠٠١، أو على غرار منح عناصر الشرطة والأمن في بريطانيا صلاحيّات إطلاق النار على مُشتبه بهم كإرهابيين مُحتملين، ما أدّى إلى تحوّل مُقاربة الأمن من “تحديد – احتواء – تصفية” الهدف الإرهابي المُحتمل إلى “تحديد ومُواجهة”. وبَلغ تشديد الإجراءات الأمنيّة في بريطانيا، خلال انتشار وباء كورونا، منح الشرطة، في أواخر شهر آذار/مارس الماضي، صلاحيّات “الإيقاف والتفتيش من دون شبهة” لمُكافحة جرائم السكاكين، الأمر الذي أثار اعتراضات مُنظّمات حقوق الإنسان.
(*) صحافي لبناني وخبير في الشأن السوري والجماعات المتطرّفة المُنخرطة في الصراع داخل سوريا
(**) ينشر هذا المقال بالتزامن مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت