الجهل هو الحل!

ماذا لو قلبنا المقاييس. ماذا لو ارتحنا قليلا من شقاء المعرفة. ماذا لو نهلنا من نعيم الشقاوة. ماذا لو عوّدنا عقولنا على التّصندق بدلاً من التبحّر. ماذا لو بدأنا ننظّر للأمل عبر إقفال محرّك البحث عن المعلومة. ربما، في البلاد التي تصبح المعرفة فيها وجعاً يفوق كل أنواع الأمراض، يصبح من الضروري التداوي بمحاولة تعلُّم الجهل، لا بالسّعي إلى مقاومته، أو بالعمل على نشر المعرفة كسبيل لمحاربته.

 ما كُتب أعلاه يجب على الأرجح ألاّ يُكتب. ومع ذلك، فليُنشر. لا بأس من ذلك؛ لأنه قد يكون مُعبّراً عمّا يخطر في بال كثيرين في لحظاتٍ لا يفهمها إلا من قاسى أنينها. من اكتوى. من أدرك كُنه البرزخ وهو في ربيع الحياة. من أضحت الكتابة عنده سبيلاً لا لصناعة رأي عام، بل لخلق منصّة جامعة يشترك فيها كل موجوع، إذ تلك هي الوسيلة الوحيدة لتخفيف آلامٍ حسبناها لشدتها سنّة وجودية، حتى إذا ما فارقتنا في ثانية من ثواني الضّحك، عدنا وانتقمنا لها بغير دراية، وأهّلنا بها بحرارة لحظة السّكون. وهي الوسيلة الوحيدة لاستثمار الوجع المشترك عبر تأطيره وتزخيمه وتفعيله حيث يجب تفعيله.

نعم، نكتب لنشكو أحياناً، وإن عيّرونا بالشكوى، وأعاروها مصطلحات الغباء والنكد، تماماً كما تُعيّر المرأة العربية في مجتمع ذكوري، فتُسلب حق الدفاع عن نفسها حتى قبل أن “يمنحها” الفهم الديني أو العرف “حقّ” التعدي عليها. إننا نكتب لنعطي قيمة لضعفنا. لأننا متصالحون مع ضعفنا البشري، لسنا مجنوني عظمة، وكابتي صوت الضعف، ثم مدّعين أن هذا الكبت وسيلة لاختلاق القوة. نكتب لأننا نريد أن نغيّر تلك النمطيّة البائسة التي رُسمت لنا عن ثنائية الضّعف والقوّة.

بعضهم لجأ إلى “صُنعة” الجنون لينشر حكمة هنا أو هناك. وحين بلغت الحِكَم منتهاها بعد مضيّ الزمن، صُفّق للجنون نفسه، حتى كاد أن يُلبٰس ثوب البطولة… إذاً، من انتزع من الشكوى قدرتها على ارتجاء الحكمة؟

كل شيء قابلٌ لأن يوجّٰه ويُدار. كل قيمةٕ مهما بلغت من الحسن مبلغاً، فإنّه بمقدور العقول أن تحرّكها في مسار معاكس لها، متى رسمت لها طريقاً أو إطاراً ينتهي بها إلى عكسها. المعضلة هنا. في الطريق. في الإطار. في المنهج. في النّسق. لا بد للنسق الفكري أن يُوضّٰح قبل أن تُستعار القيم. وربما هنا يكمن الخطأ. كثيرون هم المناضلون الذين استهدوا بالقيم، فعرف غيرهم كيف يشيطن نضالهم، لأنه بكل بساطة شيطن “النّسق”. المعضلة كلّ المعضلة بالنسق.

كل شيء قابل للشيطنة إذا أردنا، عن سابق إصرار وتصميم، أن نأخذ له مقعداً في جوار إبليس. لكنّ إبليس نفسه هذا، من حيث كونه عنواناً للتضاد، شكّل وعياً أعمق بما هو ضدّه. ولهذا، فحتى الشيطنة التي ينتهجها البعض وسيلة للاستقواء والمحافظة على القوة، قد تكون باباً أكبر لتشكيل الوعي.. حتى الشيطنة، قد تساهم في صنع النسق، وتخدمه.

لا. ليس الحل بالجهل. ولا بالتجاهل. الحل هو باللّاحلول نفسها. لا طاقة للأمل ستفتح إذا لم نبلغ حدّ اليأس. ما لم نيأس سنبقى نقاوم ولن نفكر بإعادة البناء، وليست كل مقاومة ناجعة. المقاومة وسيلة، وليست غاية.. وتلك فكرةٌ أُخرى، لا بدّ وأنها ستُشيطن أيضاً، لأنّ نسق الكلام لم يُوضّٰح. لكنّ الموجوعين من القارئين سيفهمون ولن يشيطنوا. وهذا بالنسبة لقائل الكلام كافٕ في مرحلة اللاحلول.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  أولادنا مجرد مستخدمي تكنولوجيا أم صُنّاعاً لها؟
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  في ماهيّة الإسلام: الطرق إلى الله كثيرة (8)