إنفجار بيروت.. التحقيقات، الفرضيات

لا يمكن الإرتجال في التعامل مع فرضيات إنفجار مرفأ بيروت. هذه قضية جنائية علمية دقيقة. لذلك، للخبراء والقضاة والمحققين أن يقولوا كلمتهم.

بموجب قرارات الحكومة اللبنانية، كان يفترض أن ينجز التحقيق الإداري في إنفجار مرفأ بيروت، اليوم (الأحد)، غير أن رئيس الحكومة حسان دياب، قرر قبل أقل من 48 ساعة من إنتهاء المهلة توجيه كتب رسمية إلى معظم الوزراء والإدارات والمؤسسات الرسمية بأن تسلمه نتيجة التحقيق الإداري، ما يعني التمديد تلقائياً، وهو الأمر الذي ستظهر ملامحه في أول جلسىة للحكومة مطلع الأسبوع الجديد (إذا لم تستقل في الساعات المقبلة). في الوقت نفسه، ثمة مخاوف متصاعدة من محاولة التعمية في التحقيق الإداري، عبر رمي كرة المسؤولية من جهة إلى أخرى ومن حكومة حالية إلى حكومات سابقة، وهذا ما بيّنته أيضاً العبارات التي قالها دياب في إطلالته الإعلامية الأخيرة، حيث طرح أسئلة، يفترض به أن يكون في موقع تقديم الأجوبة عليها، لا العكس.

أما التحقيق القضائي، فهو مستمر بإشراف المدعي العام التمييزي اللبناني، وبالتنسيق مع الشرطة العسكرية في الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وبمشاركة خبراء ومحققين فرنسيين وأوروبيين، وهو تحقيق إنطلق في ليل الحادثة وما زال مستمراً، وأفضى إلى إستجواب أكثر من عشرين شخصاً، تم توقيف 19 منهم حتى الآن، وينتظر أن تشمل التحقيقات آخرين، بينهم مالك السفينة “روزوس” الروسي إيغور غريتشوشكين المقيم في ليماسول في قبرص، الذي تم إستجوابه من قبل الشرطة القبرصية بموجب برقية “أنتربول”، على أن يتوجه وفد لبناني لإستجوابه هناك في غضون الأيام القليلة المقبلة.

وفضلا عن المسارين الإداري والقضائي، لا بد من الإلتفات إلى نقطة هامة. التحقيق سيحاول الإجابة على سؤال كيفية وصول وتخزين هذه الكمية من نترات الأمونيوم (2750 طناً) في العنبر رقم 12 لمدة ست سنوات، مروراً بكل ما جرى خلال هذه السنوات من مراسلات وكيفية حفظها في هكذا منطقة وصولاً إلى إنفجارها. أيضاً سيحاول التحقيق الإجابة على فرضية دخول عوامل أدت إلى تفجير المخزن، وهذا الأمر يفتح الباب على فرضيات عديدة، يفترض بالتحقيق أن يقفل واحدها تلو الآخر، قبل تحديد فرضية أساسية، حتى يبنى على الشيء مقتضاه.

ووفق المعلومات الأمنية ـ القضائية التي حصل عليها موقع 180، فإن التحقيق القضائي قطع شوطاً متقدماً، وثمة رواية تكاد تكون موثقة بالصوت والصورة. القضية عبارة عن تقاطع بين الإهمال والفساد. نعم، التدمير الذي أصاب بيروت هو نتيجة شرارة ما أدت إلى إنفجار شحنة نترات الأمونيوم. نهار الرابع من آب/أغسطس يجيب على أسئلة كثيرة للمحققين، من لحظة وصول العمال الذين توجهوا إلى العنبر الرقم 12 وكيفية تلحيمهم الباب الحديدي. من إلتقط لهم الصور، من كان يرشدهم. هل كانوا يدركون طبيعة المواد التي يقفون عليها. ثم ما أن إنتهوا حتى بدأ الحريق. من إستدعى فوج الإطفاء. من رافق عناصره. لماذا قرر هؤلاء خلع الباب الحديدي، ولماذا وقع الإنفجار بعده مباشرة. هل التيار الهوائي الذي أدخله فتح الباب أدى إلى الإنفجار فقط أم ثمة عوامل أخرى؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة ومن شأنها أن تساعد في محاولة فهم ما جرى تحديداً في مرفأ بيروت. ذلك يعتمد أيضا على معاينة مسرح الجريمة. عمق الحفرة (حوالي 43 م.) وعرضها (حوالي 100 م). جمع الأدلة. أخذ عينات. تحليلها. دراستها بشكل علمي دقيق. وصول صور الأقمار الصناعية للحظات الإنفجار وما قبلها، وقد طلبها لبنان من الفرنسيين ومن جهات دولية أخرى، بالإضافة إلى عناصر أخرى.

الياس حنا: فرضيتان وتحليل

ثمة شرارة تسببت بتفجير شحنة نترات الأمونيوم، ما هي؟

يتحدث الأستاذ الجامعي العميد الياس حنا عن فرضيّتين. الاولى، هي أن ما حصل ربما كان العدو الاسرائيلي خلفه، ومن يدعمه دوليًا. فنحن لا ننسى ان هذا العدو نشر منذ مدة – ليست بعيدة – صورًا ادّعى فيها أنها عائدة إلى صواريخ تابعة لحزب الله، وهي مخزنة في أماكن سكنية. كما أن المسيّرات المعادية، سبق لها أن حلقت في سماء بيروت، عدا عن طائرات الاستطلاع التي لا تفارق الاجواء اللبنانية. هنا، يقول العميد ركن متقاعد إلياس حنا، إن المستفيد الأكبر هو اسرائيل وذلك لعدة أسباب:

– ارباك حزب الله داخليًا وخلق أجواء شحن بينه وبين معظم القوى السياسية المتحالف معها، وغير المتحالف معها.

– سحب احتمال رد حزب الله، الذي كان ولا يزال متوقعًا، على استهداف أحد مقاتليه في دمشق قبل حوالي الأسبوعين.

وهنا لا يفوتنا، ما صرح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد الإنفجار مباشرة من أن جنرالاته “البارعين” أفادوه أن ما حدث في مرفا بيروت، هو هجوم صاروخي، ونحن نعرف أنه يسري على ترامب المثل القائل “اللي بقلبو على لسانه”، فهو من باح للروس عن معلومات قالها له الاسرائيليون عن تنظيم “داعش” في سوريا.

ويضيف حنا، إن هدف الاسرائيليين، ومنذ اغتيال قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، مطلع السنة الحالية، هو تغيير قواعد الاشتباك، لكي تأخذ منحى جديدًا يستهدف عمق المناطق التي يوجد فيها من هم على عداء مع اسرائيل.

أما الفرضية الثانية؛ يضيف العميد حنا، فهي التي تتحدث عن اهمال، وعليه، لا بد من طرح السؤال عن تاريخية نترات الامونيوم التي انفجرت، وتخزينها، واستلامها، وكتاب مدير الجمارك بدري ضاهر للسلطة القضائية، ومكان التخزين وشروط التخزين، اضافة الى الفوضى العارمة في هذا الشريان الاقتصادي الاكثر حيوية بالنسبة الى لبنان.

إقرأ على موقع 180  مافياويّو لبنان حين يسهرون على تحقيق العدالة! 

يتابع حنا أن تخزين 2750 طنًّا من نترات الأمونيوم في المرفأ بهذه الطريقة السيئة والمهملة، ولمدة طويلة، يعرض المحتوى للحرارة، ولتفكك تركيبته، ويشكل قوة انفجارية تعادل 1KT من مادة TNT. في حين سجّل وزن قنبلة هيروشيما النووية 15 KT من مادة ال TNT.

ويخلص العميد حنا إلى الآتي: اذا كان المعتدي هو اسرائيل، فإنها تسعى إلى احداث فوضى داخلية في لبنان. وعليه تطرح أسئلة من نوع: كيف سيتعامل لبنان مع هذه الجريمة؟ هل سيتمكن من الحصول على معطيات تمكنه من تقديم شكوى لمجلس الامن الدولي؟ وكيف سيتعامل مع هذا الحدث، وهو الذي يقوم على ثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة؟ كيف سيتعامل لبنان مع حدث كهذا اذا ما حصلت الحرب؟ من يدير الحرب؟ من يدير السياسة؟ من يقود الحرب؟ أين دور رئيس الجمهورية ووزير الدفاع وقائد الجيش؟ من يفاوض؟ ومن يعلن انتهاء الحرب؟ وهل إعتبرت الدولة ان الحرب انتهت، واعتبر حزب الله انه لم يحقق الأهداف السياسية الخاصة به؟ وهل يتابع الحزب الحرب أو يوقفها أم ماذا يحصل؟ هل نصل الى نقطة فصل وانهيار للمعادلة المثلثة؟ أو فعلاً سينخرط الحزب الى جانب الدولة ويقبل بما قبلته؟

هيروشيما جديدة

من جهته، ذهب رئيس هيئه الطاقه النوويه في الاردن الدكتور خالد طوقان، في تحليله العلمي في اتجاه واحد، معتبرًا أن خزين ما يقارب 2750 طنا من مادة نترات الامونيوم منذ عدة سنوات بدون اجراءات سلامة وقائية يكون أقرب الى الواقع. تضمنت رسالة طوقان إلى نظيره رئيس الهيئة الذرية للطاقة النووية في لبنان الدكتور بلال نصولي، المعطيات الآتية:

–  ان نترات الامونيوم تصنع من تفاعل غاز الامونيا مع محلول حامض النتريك.

 –  ان نترات الامونيوم تصنع على شكل كرات مسامية تدعى الحبيبات وهذه المسامات تحوي كمية كبيرة من غاز الاوكسجين مما يجعلها مزودة للاوكسجين في حال تفجيرها.

–  ان هذه النترات لا تنفجر أو تحترق وحدها الا بوجود كمية من الوقود السائل وهو ما يجعلها مفيدة وفعالة في أعمال حفريات المناجم، حيث الوقود يديم الاشتعال والاوكسجين المتوفر في المسامات يغذي عمليات الاحتراق التي تؤدي الى ارتفاع شديد في درجات الحرارة، فيحصل التفجير بطاقة عالية جدًا تحطم أي جبل أو مباني محيطة مما وجب التعامل معها بحذر وبهندسة متفجرات دقيقة ومحسوبة الاتجاهات.

–  ان احتراق أو تفجير النترات يؤدي الى تفككها كيميائيا منتجة بخار الماء واوكسيد النتروجين الارجواني اللون وهو غاز ذو رائحة كريهة وخانق ويزول من الجو خلال بضعة أيام ان انطلق من حادث تفجير غير مسيطر عليه. ومثل هذا الغاز موجود في أجواء المدن كونه أحد الملوثات.

–  وجب الذكر أن أي عملية تفجير محسوبة تكون مقرونة بوجود قادح أو أصبع تفجير أو نار شديدة لكي يبدأ برفع درجة الحرارة، وتفعيل عملية تفجير نترات الامونيوم. وما يلاحظ من الفيديوهات ان البداية كانت بمشاهدة شعلتي نار صغيرتين نسبيًا وحصل بعدها الانفجار الذي ازاح كميات كبيرة من المياه على شكل بخار وغيمة بيضاء ناتجة عن عملية تفكك النترات أو تبخير من مستودع قريب ولكن ناتج الاحتراق ليس قليلاً. كما يلاحظ تكوّن لون ارجواني وان لم يكن كثيرًا، فانه يدلل على اطلاق غاز اوكسيد النتروجين احد نواتج التفكك الكيميائي لاحتراق نترات الامونيوم. كما يلاحظ عدم بقاء الغيمة البيضاء لفترة طويلة كون معظمها لبخار الماء من نواتج التفجير.

ويستنتج طوقان ان هذا الاحتمال هو الاقرب الى ان يفسر كل الظواهر التي رافقت الانفجار.

أما الباحث السوري المقيم في لندن، محمد صالح الفتيح، فيلاحظ في معرض تحليل الفيديوهات أنه في البداية، لاحظنا حصول انفجارات صغيرة تلمع فوق سطح المخزن المحترق بطريقة تشبه ما يحصل لانفجار المتفجرات أو الذخائر الصغيرة. ويضيف: من المستبعد أن تكون هذه الانفجارات الصغيرة لألعاب نارية، أو مواد كيميائية مخزنة، ومن المستبعد أيضاً أن تكون ناجمة عن انفجار صواريخ أو ذخائر مدفعية، لأن المألوف في انفجار مستودعات الذخيرة الثقيلة أن تنطلق هذه الذخائر وتنفجر بالجو لأن أغلفتها المصنوعة من النحاس والألمنيوم تقوم بتحويل طاقة الانفجار إلى طاقة حركية تدفع بالذخائر المنفجرة في مختلف الاتجاهات.

ويتابع الفتيح: أما الانفجار الثاني الهائل، فقد نجم بحسب المعلومات المتوافرة عن انفجار كمية تتراوح بين 2700 و2750 طناً من مادة نترات الأمونيا، كانت مخزنة بشكل سيء منذ العام 2014 – أي أنها كانت كارثة تنتظر الحصول. الجيش الأميركي يقدر القدرة الانفجارية لنيترات الأمونيا بما يعادل 0.42 انفجار ما يكافئها من الوزن من مادة الـ TNT. أي أن ما انفجر في ميناء بيروت يعادل ما يتراوح بين 1134 و1155 طناً من مادة الـ TNT، علماً أن انفجار قنبلة هيروشيما النووية كان يعادل 15000 طناً من مادة الـ TNT. أي أن مقارنة نتائج انفجار بيروت، بشكل نسبي، بانفجار هيروشيما ليس بالخاطئ تماماً.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

صحافي لبناني

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الإنتخابات.. مهنة تدريبنا على موتنا البطيء