راجعوا الكتب.. الخطأ يتكرر من الـ 1559 إلى 2020!
BEIRUT, LEBANON - JULY 24: US Secretary of State Condoleezza Rice meets with Lebanese officials and the U.S. Ambassador to Lebanon Jeffrey Feltman in a surprise visit to the beleaguered country July 24, 2006 in Beirut, Lebanon. As Rice worked on the diplomatic front, including a meeting with Prime Minister Fouad Siniora, there has been no let-up in fighting between Israel and the militant group Hezbollah. (Photo by Spencer Platt/Getty Images)

Avatarخاص 18015/09/2020
من يتابع مجريات تأليف الحكومة اللبنانية العتيدة، بعنوان "المبادرة الفرنسية"، اليوم، يحتاج إلى مراجعة الحقبة الممتدة بين صدور القرار الدولي 1559 ومؤتمر الدوحة اللبناني في العام 2008.

في كتابه الصادر في آذار/مارس 2019، بعنوان “أميركا القيم والمصلحة، نصف قرن من السياسات الخارجية في الشرق الأوسط”، يعرض “العلاّمة في الشأن الأميركي”، سفير لبنان الأسبق في واشنطن الدكتور عبدالله بو حبيب لأحداث ووقائع ومواقف في سياسة الولايات المتحدة الشرق اوسطية ابتداءً من عام 1970 (عهد ريتشارد نيكسون) وحتى 2019 (عهد دونالد ترامب).

لعل ميزة هذا العرض أنه يتراوح بين وقائع عايشها الكاتب، لا بل كان في صلبها في مرحلة معينة، وبين وقائع إستخرجها، من خلال تنقيبه ومطالعاته وثقافته، فلم يترك وثيقة أو رواية أو سيرة إلا وقرأها بعين من يعرف ويحلل ويوثق ويستشرف.

إختار موقع 180 الفصل الثامن من هذا الكتاب. لماذا؟ لأنه يعرض لحقبة جورج بوش الإبن. لبنان كان في صلب السياسة الشرق أوسطية لهذا الرئيس الأميركي الذي قرر إحتلال العراق في العام 2003 وتغيير وجهة الشرق الأوسط.

مر لبنان بخمس سنوات كانت حافلة بالأحداث (2004 ـ 2008)، لا بل كانت تأسيسية ولو أن البنيان الذي كان يتأمل الأميركيون ثباته، لم يُعمر طويلاً. نحن اليوم نمر بمرحلة تاريخية تتشابه في بعض فصولها مع تلك المرحلة. للمفارقة، فإن سفير فرنسا في لبنان في تلك المرحلة (2004 ـ 2007) برنار إيمييه، شارك في صياغة بعض تلك الأحداث، بشراكة كاملة مع زميله وصديقه سفير الولايات المتحدة الأسبق جيفري فيلتمان.

تكمن المفارقة في أن إيمييه الذي إختاره رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون منذ ثلاث سنوات رئيساً لجهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجية (DGSE) هو أحد أبرز المشاركين فرنسياً في إدارة الملف اللبناني في هذه اللحظة التاريخية. لكن هل يعقل أن تتكرر اليوم بعض الأخطاء التي إرتكبها هو وزميله فيلتمان في تلك المرحلة وأدت إلى زرع أوهام كثيرة لدى فريق سياسي لبناني على حساب فريق آخر؟

لنقرأ ما يرويه عبدالله بوحبيب في هذا الفصل الشيق من كتابه، لعل هناك من يتعض ويقرأ ولا يكرر بعض الأخطاء.

لبنان كعب آخيل

«في هذه المنطقة (الشرق الاوسط)، يوجد فقط بلدان اثنان يمارسان الحكم الديموقراطي. الاول اسرائيل حيث الديموقراطية قوية، والثاني لبنان حيث الديموقراطية هشة». ذلك ما قاله الرئيس الفرنسي جاك شيراك للرئيس الاميركي جورج بوش في اجتماع في فرنسا في اوائل حزيران/يونيو 2004. اضاف شيراك، كما ذكر بوش في مذكراته، «ان سوريا تحتل لبنان وقد نشرت عشرات الآلاف من جنودها في كل الاراضي اللبنانية، وهم يبتزون الاموال من الاقتصاد اللبناني ويمنعون الديموقراطية اللبنانية من اخذ مداها».

حتى ذلك الوقت، لم تكن العلاقة بين الرئيسين شيراك وبوش على خير ما يرام. عارض شيراك بشراسة الحرب على العراق من اروقة مجلس الامن وعواصم الدول الاعضاء في المجلس، ولذا لم يحفظ بوش له ودّاً. كان الرئيس الاميركي في زيارة تقليدية لباريس في الذكرى الستين لإنزال قوات اميركية على الشواطئ الغربية لفرنسا، خلال الحرب العالمية الثانية.

الكلام الذي سمعه من شيراك في باريس عن لبنان، تغييراً جذرياً في السياسة الاقليمية لفرنسا. رحب بالموقف الجديد، واتفق مع نظيره على التنسيق الكامل بينهما من اجل اصدار قرار في مجلس الامن يقضي بانسحاب سوريا من لبنان

بدوره، كان شيراك قد استقبل في باريس الرئيس حافظ الاسد عام 1998، وشدّد وقتذاك على ان لا سلام حقيقياً في المنطقة من دون سوريا. زار شيراك لبنان في العام 2002، وقال في خطاب امام مجلس النواب ان سوريا ستبقى فيه الى حين حل قضية الشرق الاوسط، اي القضية الفلسطينية، ما اغضب الكثيرين من اللبنانيين.

كان بوش على خلاف مع شيراك ليس حيال الحرب على العراق فحسب، بل ايضاً على سبل التعامل مع ياسر عرفات الذي وصفه الرئيس الفرنسي بـ«البطل»، وعلى اوكرانيا اذ عدّها شيراك جزءاً من روسيا، كما ذكر بوش في مذكراته. لذا وجد في الكلام الذي سمعه من شيراك في باريس عن لبنان، تغييراً جذرياً في السياسة الاقليمية لفرنسا. رحب بالموقف الجديد، واتفق مع نظيره على التنسيق الكامل بينهما من اجل اصدار قرار في مجلس الامن يقضي بانسحاب سوريا من لبنان.

كنتُ في زيارة واشنطن بعد عودة بوش من زيارته لفرنسا في حزيران/يونيو. اخبرني، وقتذاك، صحافي اميركي صديق متمرّس ومطلع بعمق على مستجدات السياسة الاميركية في الشرق الاوسط عن محتوى اجتماع باريس، وكان مطابقاً لما اورده بوش في مذكراته لاحقاً. لاحظ الديبلوماسيون الاميركيون ان شيراك نجح في اللعب على نقطة ضعف عند بوش هي اجندة الحرية التي لم تكن يوماً في اهداف الرئيس الفرنسي. عمل بوش وادارته ايضاً على الانتقام من سوريا لتشجيعها الارهابيين والسماح لهم بالعمل من سوريا، لتقويض الاحتلال الاميركي للعراق.

القرار 1559

كلام شيراك لبوش عن لبنان، بحسب المعنيين الاميركيين، كان الى حد بعيد يرمي الى الانتقام من الرئيس السوري بشار الاسد لرفضه مشاركة فرنسا، ربما من خلال رفيق الحريري، في اختيار رئيس جمهورية لبنان. أعلمتُ الرئيس عصام فارس، نائب رئيس الحكومة يومذاك، اوائل تموز/يوليو، عن محتوى الاجتماع بعد التأكد من صحته، ثم سرّبتُ الخبر بعد خمسة ايام الى مراسل جريدة «السفير» التي نشرته بعد نحو اسبوعين في17 تموز/يوليو، في صفحة داخلية. علمتُ لاحقاً ان هذه المعلومات وصلت الى الرئيسين اللبناني والسوري في الاسبوع الاول من الشهر ذاته.

اتى تقديم مشروع قرار اميركي فرنسي الى مجلس الامن بعدما وافق الرئيس اللبناني اميل لحود في منتصف آب/أغسطس (2004) على اقتراح حكومة الرئيس رفيق الحريري الطلب من مجلس النواب تعديل الدستور وتمديد ولاية رئيس الجمهورية ثلاثة أعوام، بدعم قوي من الرئيس السوري بشار الاسد. أقر مجلس الامن المشروع المقدّم من باريس وواشنطن في 3 ايلول/سبتمبر 2004، غداة تعديل مجلس النواب اللبناني الدستور وتمديد ولاية لحود. دعا القرار 1559 الى انسحاب سوري كامل من لبنان وحل كل انواع الميليشيات وبسط سيادة الجيش اللبناني على كل الاراضي اللبنانية.

رفضته سوريا في البدء كما مبدأ الانسحاب من لبنان كلياً. لكن اغتيال الحريري في 14 شباط/فبراير 2005  فتح باب بداية نهاية الوجود العسكري السوري في لبنان. راحت التصريحات والمواقف الاقليمية والدولية والمحلية، على رأسها واشنطن والسعودية ايضاً، تتهم دمشق بالفاجعة، واخذت ضغوط الدول تلك تطالبها بالانسحاب من لبنان. بيد ان الضغط الاكبر والاقوى اتى من هذا البلد بالذات، في 14 آذار/مارس، مع انقضاء الشهر الاول على جريمة الاغتيال، حينما تظاهر حوالى مليون لبناني من كل المناطق والطوائف اللبنانية، يطالبون بانسحاب سوري فوري من لبنان. بالفعل بدأ الانسحاب في اواخر آذار/مارس وأُنجز كاملاً ونهائياً في 29 نيسان/أبريل من السنة ذاتها.

اعتبر بوش الانسحاب السوري انتصاراً لسياسته المناهضة لسوريا، ولانتشار اجندة الحرية في المنطقة العربية، خصوصاً وان رئيساً جديداً وصديقاً لواشنطن هو محمود عباس انتخب على رأس السلطة الفلسطينية في الشهر الاول من عام 2005. كان قد انتخب في الشهر ذاته، للمرة الاولى في العراق، مجلس للنواب يمثل كل اطياف المجتمع. كلل ادعاء بوش بالنصر انتخاب مجلس نيابي جديد في لبنان خلال ايار/مايو 2005، لعب السفير الاميركي جيفري فيلتمان دوراً محورياً في حصوله، وإن وفق قانون انتخاب كان وضعه الاحتلال السوري، أُجريت على اساسه انتخابات 2000، وعارضه قسم كبير من الاحزاب والهيئات السياسية اللبنانية، المسيحية منها خصوصاً. على ان انتخابات 2005  حملت الى البرلمان المنتخب غالبية جديدة معادية لسوريا وموالية للغرب والسعودية.

مذذاك اصبح لبنان في الاولويات الاميركية في المنطقة. باتت التصريحات الاميركية عنه، من البيت الابيض ووزارة الخارجية والكونغرس حتى، شبه يومية. زيارات دورية لقيادات الغالبية النيابية الحليفة لواشنطن، وزيارات متعددة لمسؤولين اميركيين الى لبنان. لم يكن يمضي شهر من دون ان يزور سياسي لبناني واشنطن ويجتمع بالرئيس في احد مكاتب مساعديه او في مكتبه البيضاوي حتى. راح مسؤولون اميركيون يزورون لبنان ويجتمعون برئيس حكومته فؤاد السنيورة – وكانت حكومة الغالبية النيابية – وبقيادات تجمّع 14 آذار، دونما لقاء رئيس الجمهورية، الموالي لسوريا في نظرهم.

قرار بوش الذهاب الى العراق جعله يهتم بلبنان «كعب آخيل» سوريا، خصوصاً بازاء دورها الاقليمي ووضعها الداخلي

اشرتُ في تصريح إلى النشرة الالكترونية «ناو ليبانون» في كانون الاول/ديسمبر 2008، الى انه من الصعب جداً ان نجد رئيساً اميركياً كبوش الابن يهتم الى هذا المدى بلبنان. ثمة لبنانيون يحبونه جراء هذا الاهتمام، وآخرون يكرهونه. البعض يعزو السبب الى فشله في العراق وفلسطين، ونجاحه النسبي في لبنان. لكن سبباً آخر هو سوريا. لو دعمت الرئيس الاميركي في حربه على العراق، كما فعل الاسد الاب مع بوش الاب عام 1991 في الحرب على صدام حسين لاخراجه من الكويت، ربما اصبح لبنان لعبة هامشية بين الرئيسين الابنين. عام 1990  أُعطي الاسد فرصة قمع معارضي مشيئته في لبنان من دون اعتراض من واشنطن وتل ابيب كما كان يحدث سابقاً. لكن نجله الرئيس عارض الحرب على العراق، ورفض التعاون مع واشنطن، فاضحى اضعاف سوريا في لبنان هدفاً رئيسياً للادارة الأميركية. قرار بوش الذهاب الى العراق جعله يهتم بلبنان «كعب آخيل» سوريا، خصوصاً بازاء دورها الاقليمي ووضعها الداخلي حتى. بمرور الايام، بدا ان الرئيس الاميركي شغف بالقضية اللبنانية، وصار له دور مباشر في صنع سياسة بلاده حيال البلد الصغير.

التحالف الاعرج

مع اجراء الانتخابات النيابية في ايار/مايو وحزيران/يونيو 2005، نشأ تحالف من اربعة احزاب رئيسية تنتمي كلها الى الطوائف الاسلامية، دعي “التحالف الرباعي”، التحقت به في ما بعد، بتشجيع سفارات عربية وغربية، احزاب وشخصيات سياسية مسيحية معظمها كان مُغيّباً عن المسرح السياسي خلال حقبة الوصاية السورية. أُشيع وقتذاك ان ايران وفرنسا لعبتا دوراً مهماً في تكوين التحالف الجديد الذي حصل على دعم قوي من واشنطن والسعودية، وكانت سفارتاهما اضطلعتا بدور اساسي في اجراء الانتخابات.

بقي التيار الوطني الحر الذي أسسه من المنفى وتزعّمه العماد ميشال عون خارج هذا التحالف الكبير. بدا كأنه أُريد إقصاءه من اللعبة السياسية. سرعان ما تأكد الهدف المضمر. مع ان حزب الجنرال حصد مقاعد معظم الدوائر التي خاضها، واصبح الحزب المسيحي الاول بامتياز، أُبعِد تياره من حكومة “التحالف الرباعي” برئاسة السنيورة، فضمّت ممثلين عن التحالف وعن رئيس الجمهورية، وانضوت فيها ايضاً احزاب وشخصيات مسيحية داخل هذا “التحالف” بحقائب ثانوية وهامشية. تمثّل حزب الله بوزيرين بعدما كان اكتفى بوزير واحد في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي اشرفت على الانتخابات. كانت وزارة الخارجية الاميركية دعت في وقت سابق وزير حزب الله في حكومة ميقاتي، طراد حمادة وهو ليس حزبياً ملتزماً، الى اجتماع في واشنطن مثابة خطوة دعم لقيام حكومة السنيورة من دون التيار الوطني الحر. حصل الاجتماع في مقر الوزارة.

تواترت زيارات القيادات اللبنانية من الاحزاب والهيئات المنخرطة في قوى 14 آذار/مارس لواشنطن في مرحلة ما بعد ابصار الحكومة الجديدة النور في اواخر تموز/يوليو 2005. زارت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليسا رايس لبنان للمرة الثانية في شباط/فبراير 2006 لدعم تحالف 14 آذار. كانت رايس قد زارت لبنان للمرة الاولى عام 2005 وعقدت اجتماعاً «غير مثمر» مع رئيس الجمهورية (إميل لحود). مذذاك قررت ان لا تجتمع به مجدّداً. في الزيارة الثانية استعاضت عنه بزيارة بطريرك الموارنة مار نصرالله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

رايس: «لبنان مكان معقد للغاية. كل زيارة الى هناك تتطلب اقصى قدر من اللباقة والتقدير. احببت بيروت، لكنني كنت اشعر بارتياح عندما كان يحين وقت المغادرة»

بعد اجتماع بالسنيورة، اشترك فيه وزير الخارجية الشيعي فوزي صلوخ، كما ذكرت رايس في مذكراتها، طلب منها رئيس الحكومة، بعد مرور ساعة على الاجتماع الموسع، لقاء منفرداً. كتبت رايس عن الاجتماع المنفرد: «فؤاد (السنيورة) يمشي على حبل مشدود في محاولته قيادة لبنان نحو بلد اكثر سيادة وديموقراطية، بينما سوريا وحزب الله قادران على الانقضاض عليه مرة اخرى وفي اي وقت. طلب فؤاد من واشنطن مساعدات اقتصادية وعسكرية لقوى الجيش والامن الداخلي، وانسحاب اسرائيل من مزارع شبعا»، كون ذلك يمنع حزب الله من استعمال المزارع مبرّراً لاستمرار جناحه العسكري.

إقرأ على موقع 180  لبنان والجزائر.. من الفينيقيين إلى مصابيح الكهرباء والرئاسة!

لبنان مكان معقد

اعتبرت الوزيرة الاميركية لدى تقويمها الزيارة ان «لبنان مكان معقد للغاية. كل زيارة الى هناك تتطلب اقصى قدر من اللباقة والتقدير. احببت بيروت، لكنني كنت اشعر بارتياح عندما كان يحين وقت المغادرة».

غادرت العاصمة اللبنانية دون ان تعد السنيورة بالسعي الجدّي الى استرجاع مزارع شبعا.

ذلك ما روته رايس في مذكراتها عما تحدث به السنيورة، وكانت انقضت ستة اشهر على تأليف حكومته. تصرّف معها كأن لا “حلف رباعياً” يجمعه بحزب الله فيها، وكأن الرئيس الفرنسي لم يكن صادقاً في ابرام صفقته هذه مع ايران.

سمح التحالف الرباعي لتكتل 14 آذار بالحصول على اكثرية نيابية وعلى غالبية الثلثين في الحكومة، ما عنى ان في استطاعته اتخاذ اي قرار يرتئيه في مجلسي النواب والوزراء. بات وجود حزب الله وحلفائه في الحكومة هامشياً بإمتياز.

بدأ وزراء حزب الله وحلفاؤهم منذ ايلول/سبتمبر 2005 يشعرون بالعزلة بعد كل جلسة لمجلس الوزراء، وظهرت ثمة حاجة ماسة الى حلفاء من خارج الحكومة و”التحالف الرباعي” الذي أُبرم بشيء من الارغام المرتبط بمصالح متقاطعة داخلية وخارجية. بوشرت اتصالات بينه والتيار الوطني الحر من اجل التوصل الى تفاهم بعد اقل من ثلاثة أشهر من تشكيل حكومة السنيورة.

كان عون، الركن الاساسي في تظاهرات 14 آذار والحشد المليوني من خلال مئات الآلاف من انصاره قبل الانفصال عن هذا الفريق، زار واشنطن في كانون الاول/ديسمبر 2005. اراد ان يلمس بنفسه صحة المواقف السلبية حياله كان يبديها السفير الاميركي لدى لبنان. اجتمع هناك بمسؤولين في الكونغرس والبيت الابيض ووزارة الخارجية، لكنه لم يفز بالاهتمام الذي خصت به قيادات 14 آذار. لم يُعط الاجتماع بوزيرة الخارجية ولا الرئيس ولا نائبه او مستشاره للامن القومي، فعاد الى بيروت، وقد فهم عن قرب الموقف الاميركي منه المشوب بعداء غير خاف. استمرت مفاوضاته مع حزب الله الى ان انتهيا الى مسودة اتفاق سياسي داخلي، وقّعها عون والامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في 6 شباط/فبراير 2006، في كنيسة مار مخايل في الشياح، الواقعة عند تقاطع حيين مسيحي واسلامي، سُمّيت «تفاهم مار مخايل». اغضب اعلانها واشنطن والدول الغربية والعربية المعنية. مذذاك دخلت في اجندات السفراء الاميركيين لدى لبنان لدى زيارته اسئلة دائمة عن اتفاقه مع حزب الله.

بوش في مذكراته: الحكومة الاسرائيلية التي أعطيت الوقت الكافي لانهاء مهماتها، فشلت في ادارة معركة التخلص من حزب الله. بقاؤه قوياً في لبنان اعاق انتشار «اجندة الحرية»، حتى وان استمرت حكومة السنيورة الحليفة له في الحكم

حرب 2006

كانت الحرب الاسرائيلية على حزب الله ولبنان، في 12  تموز/يوليو 2006، مناسبة لبوش لضم لبنان كلياً الى المحور الاميركي واجندة الحرية، في حال استطاعت اسرائيل ربح الحرب على حزب الله. ساندتها الولايات المتحدة منذ البداية، ورفضت المبادرات الدولية لاتخاذ قرار في مجلس الامن بوقف فوري للنار. كانت خسارات بوش حول الشرق الاوسط والعالم تكاثرت في النصف الاول من عام 2006. في الحرب العراقية مني بخسارة كبيرة بينما الكونغرس ينتقد بشدة الحرب وسياسة الرئيس وادارته اياها في ذلك البلد. لم تكن افغانستان أحسن حالاً. الوضع الامني في البلدين في انهيار. في فلسطين انتصرت حماس في الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخسر بوش الرهان على منظمة فتح والسلطة الفلسطينية. اخيراً، كان ثمة تخوف جدّي من سقوط حكومة السنيورة في لبنان، اذ تحكم بتمثيل هامشي للطائفة الشيعية.

بدا الرئيس الاميركي متعطشاً الى انتصار ما في سياسته الشرق اوسطية، من ثم، أُعطيت اسرائيل دعماً مطلقاً في حربها على حزب الله. شدّد بوش اكثر من مرة على ان من غير الوارد ان يقول لاسرائيل كيف تدافع عن سيادتها وتحافظ على سلامة شعبها. كرّر كذلك ان لبنان جزء من معركة مكافحة الارهاب، لكنه طلب من الدولة العبرية عدم قصف المناطق السكنية فيه، وان لا يتسبّب القصف الاسرائيلي لمناطق حزب الله في اضعاف حكومة السنيورة «الحليفة». كما قال في مذكراته: «كنت ارغب في شراء الوقت لاسرائيل لاضعاف قوات حزب الله. اردت ان ابثّ رسالة الى ايران وسوريا: لن يسمح لاي منهما باستخدام المنظمات الارهابية كجيوش بديلة لمهاجمة الديموقراطيات من دون عقاب» (…).

اعتبر بوش في مذكراته ان الحكومة الاسرائيلية التي أعطيت الوقت الكافي لانهاء مهماتها، فشلت في ادارة معركة التخلص من حزب الله. بقاؤه قوياً في لبنان اعاق انتشار «اجندة الحرية»، حتى وان استمرت حكومة السنيورة الحليفة له في الحكم.

ما بعد حرب 2006

استمرت الحالة في لبنان في التأزم، خصوصاً بعد استقالة الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة في اواخر عام 2006 واعلان تحالف 8 آذار (حزب الله وحركة امل وتيار المردة والاحزاب اليسارية) والتيار الوطني الحر احتلالهم وسط بيروت، واقفال ابواب مجلس النواب الى ان تسقط حكومة الغالبية التي تمثلها قوى 14 آذار. مع ذلك تواصل دعم واشنطن والدول الغربية والعربية تكتل الغالبية النيابية، والتشبث ببقاء حكومة السنيورة وشرعيتها، في حين اعلن تكتل 8 آذار المناوئ طعنه في هذه الشرعية. ظهر الدعم الاميركي لحكومة السنيورة في مؤتمر باريس عام 2007، عندما اعلنت رايس تعهّد الولايات المتحدة دفع مبلغ 770  مليون دولار عازية السبب الى ان «من الضروري ان ندعم حكومة الرئيس السنيورة التي لا تزال معنية باعادة الاعمار وابقاء القوات العسكرية تحت السيطرة»، كما كتبت في مذكراتها.

تضاعف التأزم عام 2008، وبدا ان الاصطدام آتٍ. راحت قيادات 14 آذار لدى زياراتها واشنطن، او عندما يزور مسؤولون اميركيون بيروت، تسأل بلا توقف عن موقف الولايات المتحدة في حال وقوع اصطدام مع حزب الله. لم يكن في وارد واشنطن، التي كانت تخوض حروباً في افغانستان والعراق وعلى الارهاب من حول العالم، التورّط في حرب اخرى في لبنان.

على ان البعض من قيادات 14 آذار لم يقتنع – بل لم يصدّق – ان واشنطن لن تتدخّل في حال وقوع نزاع مسلح في بيروت، وبالغ هؤلاء في ترجمة اي تصريح او تحرّك اميركي دعماً لخططهم. لذا اعتبر هذا البعض في تجمع 14 آذار ان عبور حاملة الطائرات «يو اس اس كول» قناة السويس كي ترابط في شرق البحر المتوسط في مقابل الشاطئ اللبناني، مع سفن حربية اميركية اخرى، في شباط/فبراير 2008، اشارة اميركية لهم لبدء المواجهة مع حزب الله وحلفائه، رغم عدم صدور اي اشارة من واشنطن تبدي استعداداً لدعم مباشر لحلفائها اللبنانيين في اي مواجهة عسكرية داخلية محتملة.

وصفت وزيرة خارجية اميركا ما حدث في لبنان ما بين 5  ايار/مايو 2008  و8 منه كالآتي: «قام السنيورة، الذي هو عادة حذر، بطرد مسؤول امني (العميد وفيق شقير رئيس جهاز أمن مطار بيروت) له علاقة بحزب الله وحاول السيطرة على شبكة اتصالات الحزب، فكان رد فعله عنيفاً». بالفعل، اعتبر الحزب القرار مثابة اعلان حرب عليه، فنشر مع حلفائه، حركة امل والحزب السوري القومي الاجتماعي، قواتهم في بيروت (الغربية) واستولوا على مراكز حزبي وليد جنبلاط وسعد الحريري، العسكرية منها والمدنية، وحاصروا قياداتهما في بيروت. لم تتحرّك واشنطن او اسرائيل، وبقي الجيش اللبناني على الحياد فلم يتدخّل في القتال خوفاً من نشوب حرب اهلية، كما قالت رايس في مذكراتها.

رايس كتبت في مذكراتها عن تجربتها: «لا يمكن التدخّل بنجاح في بلد في حالة دائمة من عدم الاستقرار والمآزق المسدودة»

انتهت الازمة تلك الى الاتفاق على اجتماع للقيادات اللبنانية في عاصمة دولة قطر، الدوحة، برعاية اميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. تم التفاهم هناك في 21 ايار/مايو على وثيقة سياسية تقضي بانتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور رئاسي دام ستة اشهر وتشكيل حكومة اتحاد وطني تضع بين يدي احزاب 8 آذار والتيار الوطني الحر حق الفيتو، اي ثلث عدد الوزراء زائداً واحداً، ووضع قانون للانتخاب اعاد لبنان الى قانون انتخاب كان اصدره عام 1960  لكن بتعديلات طفيفة. كل ذلك بدعم وموافقة اميركية وخليجية من جهة، وسورية وايرانية من جهة اخرى. ما لبث مذذاك ان تراجع عدد الزيارات المتبادلة بين بيروت وواشنطن ما ان بوشر تنفيذ اتفاق الدوحة.

المأزق المسدود

اراد الرئيس الاميركي من تدخّله في لبنان ونشر اجندة الديموقراطية والحرية فيه:

1 – تثبيت النظام الديموقراطي الى لبنان.

2 – انسحاب سوريا من هذا البلد.

3 – انهاء الجناح العسكري لحزب الله.

4 – افهام سوريا وايران ان دعمهما منظمات ارهابية لا يجدي نفعاً.

5 – حمل كل من سوريا وايران على وقف الاعتداءات على القوات الاميركية في العراق.

لكن، يبدو من كلام رايس، بعد زيارتها الوداعية للبنان في حزيران/يونيو 2008 لدعم «حلفائنا في 14 آذار»، انها ربما فهمت الوضع اللبناني على حقيقته. كتبت في مذكراتها عن تجربتها: «لا يمكن التدخّل بنجاح في بلد في حالة دائمة من عدم الاستقرار والمآزق المسدودة». ربما ادركت – وان متأخرة – ان ليس في لبنان لعبة محصلتها صفر: إما يربح الاطراف معاً جميعاً، او يستمر عدم الاستقرار.

في اي حال، لاحظ بوش عام 2005 ان اجندته انتصرت في لبنان وفلسطين والعراق. كان الانتصار في لبنان اجراء الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة برئاسة السنيورة. كان الانتصار في فلسطين انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية خلفا لياسر عرفات والدعوة الى انتخابات نيابية في بداية عام 2006. اما في العراق، فأقر المجلس التأسيسي قانونا للانتخاب واجريت الانتخابات بموجبه في آخر السنة تلك.

على ان الانتصار لم يدم في اي من البلدان الثلاثة. بدأت الخسارة في تصاعد عام 2006 مع انهيار الوضع الامني في العراق، وانتصار منظمة حماس في الانتخابات الفلسطينية، والخسارة الجسيمة لاسرائيل في حربها على لبنان وحزب الله الى اغلاق تجمع 8 آذار وسط بيروت ما اعطب نسبياً حكومة السنيورة. بعدما تحسّن الوضع في العراق نتيجة الهجوم الواسع الذي شنته الولايات المتحدة وحكومة نوري المالكي على تنظيمات المعارضة، لم يُولِ الرئيس الاميركي الاهتمام المطلوب لحلفائه اللبنانيين لما كان يحدث في لبنان عام 2008. اراد ان ينهي ولايته من دون خسائر جديدة، وتسليم الرئاسة الاميركية الى خلفه والوضع في المنطقة والعراق خصوصاً مقبولاً.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  إسرائيل الغارقة في مستنقع غزة.. هل تُغامر مع لبنان؟