“تواجه شركات النفط الكبرى اليوم المعضلة السياسية القديمة ذاتها. من جهة، يقاوم الحزب الجمهوري الذي اختاره قطاع النفط والغاز محاولاتِ التقنين والسياسة المناخية. ومن جهة أخرى، يحاول الحزب نفسه أيضاً قلبَ نتيجة الانتخابات لصالح رئيس شجّع أنصاره على مهاجمة مبنى الكونغرس، معرّضاً للخطر نمط حياتنا الذي يدعم قدرة أي قطاع، بما في ذلك النفط، على ممارسة الأعمال التجارية
حسناً، إنها مشكلة معقّدة بالفعل.
دعونا أولاً نلقي جانباً فكرةَ أن أياً من جمهوريي الكونغرس الـ147 الذين صوّتوا لصالح إبطال نتيجة الانتخابات الرئاسية يستحق أن يُسحب منه التمويل ويطويه النسيان السياسي، لكن من الواجب التنبيه هنا إلى أن تبرعات الشركات لا تتعلق بالقيام بالشيء الصائب، وإنما بالشيء النافع لها.
لهذا، لم يكن مفاجئاً جداً أن هذه الشركات كانت حذرة بشأن الانضمام إلى العدد المتزايد من الشركات التي أعلنت اعتزامها سحب تبرعاتها من أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الجمهوريين المخلّين بالقانون، أو من الحزب بشكل عام. بعض شركات النفط الكبرى، مثل «كونوكو فيليبس» و«بي بي. بي إل. سي»، أعلنت عزمها وقف كل التبرعات – لكلا الحزبين – لعدة أشهر، في حين تعتزم «إكسون موبل كورب» و«شفرون كورب» مراجعة ممارساتها. وربما يكون هذا قراراً قائماً على تقييم بسيط للأرباح والخسائر.
أولاً؛ من غير المرجح أن تجني أية شركة نفطية فائدة كبيرة في العلاقات العامة من التحرك بسرعة بخصوص هذا الموضوع، وذلك لأن المنتقدين لن يعيدوا النظر في رأيهم في الشركات النفطية الكبرى، والمتركز على موضوع تغير المناخ.
ثانياً؛ إن الجانب السلبي قد يكون كبيراً. فالانتصاران الديموقراطيان المفاجئان في انتخابات ولاية جورجيا، اللذان منحا الحزب سيطرة ضيقة على مجلس الشيوخ، يتركان شركات النفط الكبرى أمام عملية حسابية سياسية دقيقة، وذلك على اعتبار أن جمهوريي مجلس الشيوخ يشكّلون مصداً أساسياً ضد تمرير تشريع مناخي شامل، كما أن «الولايات الحمراء» (الولايات الجمهورية) تشكّل الأغلبية الساحقة من عمليات إنتاج الوقود الأحفوري ومعالجته في الولايات المتحدة. وفضلاً عن ذلك، فإن المواقف بشأن تحول الطاقة والمناخ على مدى عقود في حروب أميركا الثقافية تربط جمهوريي الكونغرس بقطاع النفط والغاز بطريقة تتجاوز الإنتاج فقط، ثم إن تبرعات القطاع إلى الحزبين كانت متباعدة جداً لسنوات.
الميثاق الأيديولوجي بين شركات النفط الكبرى والجمهوريين يشكّل درعاً فعّالاً منذ عقود، ولكن نظراً لأن قضية المناخ دخلت في صلب الوعي الأميركي، ولأن قطاعاً من الحزب الجمهوري تبنى الحمائيةَ، والشعبوية، ثم العدمية الانتخابية، فإن الدّرع يمكن أن يصبح أداة تثبيت
وبالتالي، فإن مجلس شيوخ منقسماً على نفسه 50/50 (الصوت المرجح لكاميلا هاريس بصفتها رئيسة المجلس) في سياق إدارة ملتزمة بتخليص الاقتصاد من الكربون، لا يترك لشركات النفط الكبرى مجالاً كبيراً لخسائر جمهورية إضافية. وحين تأتي انتخابات 2022 (النصفية)، فإن 20 من أصل 34 سباقاً إلى مجلس الشيوخ ستجمع سيناتورات جمهوريين منتهية ولايتهم سيدافعون عن مقاعدهم ضد مرشحين ديموقراطيين، وربما منافسين ترامبيين في المرحلة التمهيدية.
ثم هناك أيضاً الخطر المحيط باثني عشر سيناتوراً جمهورياً سيدافعون عن مقاعدهم في ولايات لا توجد فيها أعمال تجارية حقيقية في مجال النفط والغاز، ما سيُضعف الجاذبية المألوفة للحفاظ على الوظائف في الحملة الانتخابية ضد السياسة المناخية، علما أن نصف هؤلاء السيناتورات هم من ولايات لا توجد فيها عمليات استخراج فحم كبيرة أيضاً، والتي تُعد حليفاً تقليدياً في معارضة الإجراءات المناخية.
إن خطر المساعدة على إزاحة مزيد من الجمهوريين عبر حجب التبرعات، إضافة إلى احتمال ألا يلقى ذلك ترحيباً واسعاً، يفرض منطق التحرك بشكل تدريجي أو على أساس كلا الجانبين، غير أن هذا لا يعني أنه صائب أو من دون خطر. فالميثاق الأيديولوجي بين شركات النفط الكبرى والجمهوريين يشكّل درعاً فعّالاً منذ عقود، ولكن نظراً لأن قضية المناخ دخلت في صلب الوعي الأميركي، ولأن قطاعاً من الحزب الجمهوري تبنى الحمائيةَ، والشعبوية، ثم العدمية الانتخابية، فإن الدّرع يمكن أن يصبح أداة تثبيت.
ولعل إحدى النتائج المثيرة للاهتمام هنا هي أن مزيداً من أموال الوقود الأحفوري قد تتدفق نحو الديموقراطيين، وخاصة أولئك الذين يوجدون على الطرف الآخر من الطيف الحزبي من أنصار «صفقة جديدة خضراء». ذلك أنه عندما فاز ديموقراطيان بمقعدي جورجيا في مجلس الشيوخ، كان جو مانشن (الديموقراطي من ولاية ويست فرجينيا) الفائزَ الثالث، بنفوذ يسمح له بإملاء نطاق السياسة المناخية وسرعتها. وفي عالم حيث بات الدعم الصريح للحزب الجمهوري لا يخلو من وصمة، فإن شركات النفط الكبرى قد تعتبر مانشن وجهاً مقبولا أكثر لاستراتيجيتها الدفاعية”.
(*) نقلاً عن موقع “بلومبرغ“