“الأزمات الدولية”: إنتخابات رئاسية لخلافة عباس أو الفوضى والعنف

Avatar18002/02/2023
مع تقدّم الرئيس محمود عباس في العمر، فإن التغيير في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية بات وشيكاً. لكن يبقى من غير الواضح كيف سيتم اختيار خليفته. يتعين على عباس، والحلقة المحيطة به، أن يعملوا على ضمان حدوث عملية إنتقالية سلسة تحظى بثقة الناس، لأن أي فشل سيتسبب بأعمال عنف، أو حتى إنهيار السلطة الفلسطينية، بحسب تقرير لـ"مجموعة الأزمات الدولية"، ننشر ملخص عنه هنا.

ما الجديد؟

 يقترب الرئيس محمود عباس (أبو مازن) من إنهاء فترته ولايته كقائد للحركة الوطنية الفلسطينية. ومن غير الواضح من سيخلفه، وكيف ستكون عملية إنتقال الخلافة… الأمر الذي يطرح عدداً غير قليل من الأسئلة حول المستقبل السياسي للفلسطينيين.

ما أهمية ذلك؟

 في ظلّ رئاسة عباس، أصبحت السلطة الفلسطينية استبدادية ولم تعد تعمل بصفتها أساساً محتملاً لدولة فلسطينية مستقلة. لكنها ظلت تلعب دوراً محورياً في تقديم الخدمات الأساسية لأكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في مناطق الضفة الغربية. ومن شأن عملية انتقال فاشلة للسلطة أن تتسبب بأعمال عنف، أو حتى إنهيار السلطة الفلسطينية.

ما الذي ينبغي فعله؟

يتمثل المسار الأفضل؛ ولو أنه غير محتمل؛ في العودة إلى إجراءات الخلافة التقليدية. وإذا اتخذت القيادة الإنتقالية في مرحلة ما بعد عباس المسار الأكثر ترجيحاً، وعينت خليفة له، ينبغي أن تستجيب للضغط الشعبي بإجراء انتخابات رئاسية لازمة للمصادقة على التعيين أو للسماح بظهور مرشح بديل.

الصوت لسكان الأراضي المحتلة

بعد مرور أكثر من عام على إلغاء الانتخابات وحدوث اضطرابات عنيفة، يواجه الفلسطينيون احتمال انتقال في القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية يزعزع الإستقرار. ما يزال الرئيس عباس، البالغ من العمر 87 عاماً، يحكم بقبضة قوية على السلطة، إلَّا أن فترة حكمه تقترب لا محالة من نهايتها. وستشكل عملية خلافته تحدياً، وذلك بالنظر إلى أن عباس يشغل ثلاثة مناصب قيادية في آن واحد؛ فهو رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وقائد حركة “فتح” (الفصيل الأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية).

وكان عباس قد عمل، طوال فترة ولايته،  على إفراغ وتعطيل المؤسسات والإجراءات التي كان من شأنها أن تقرر من يحل محله. وما يزيد من تعقيد المسائل أكثر هو أنه في حين أن عباس هو قائد الفلسطينيين في سائر أنحاء العالم، فإن مركز جاذبية الحركة الوطنية الفلسطينية انتقل إلى داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل؛ وواقع الحال هو أن وحدهم الفلسطينيين الذين يعيشون هناك سيكون لهم صوت في اختيار خليفته. ومن أجل تفادي مخاطر حدوث فوضى، ينبغي على أي قيادة فلسطينية مؤقتة أن تضمن عملية انتقال مستقرة. عملية يعترف الفلسطينيون بشرعيتها، وذلك من خلال السماح بإجراء انتخابات رئاسية من شأنها أن تُصادق على خليفة معيّن، أو أن تسمح للفلسطينيين بالاختيار بحرية من بين مرشحين، وهو الخيار الأفضل.

اضطلع عباس، الذي خلف مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، بمسؤولية كبيرة عندما أصبح قائداً لمنظمة التحرير بعد وفاة عرفات في عام 2004، ورئيساً للسلطة الفلسطينية بعد عام من ذلك. وكان، إسمياً، الممثل السياسي الأعلى للفلسطينيين في سائر أنحاء العالم: في الأراضي المحتلة وفي الشتات. وكذلك كان رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، حتى بالنسبة للفلسطينيين داخل إسرائيل. ولا توجد آلية واحدة تُمكّن الفلسطينيين المشتتين من انتخاب قادتهم. وبالتالي فإن منظمة التحرير الفلسطينية طوَّرت إجراءات مختلفة للخلافة داخل مؤسساتها وأجهزتها المختلفة. فمنذ اتفاقات عام 1993، التي أفضَّت إلى تأسيس السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، حمل الفلسطينيون؛ البالغ عددهم نحو 5.35 مليون فلسطيني، ويعيشون في مناطق الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة؛ العبء السياسي لما تبقى من الحركة الوطنية الفلسطينية. إلَّا أن قادتهم، وبمساعدة إسرائيل، أحبطوا بشكل متكرر تطلعاتهم للتصويت في انتخابات رئاسية وتشريعية كطريقة لإضفاء الشرعية الشعبية عليها.

مركز جاذبية الحركة الوطنية الفلسطينية انتقل إلى الأراضي المحتلة… وحدهم الفلسطينيون الذين يعيشون هناك سيكون لهم صوت في اختيار قائدهم.. ولتفادي الفوضى المطلوب ضمان عملية انتقالية يعترف الفلسطينيون بشرعيتها

لذلك، فإنه ثمة معضلة عندما يصل الشخص الذي يجمع كل المناصب القيادية الثلاثة، وهو الذي حكم بشكل استبدادي على نحو متزايد، وتجاوز الإجراءات، وأضعف المؤسسات وأسكت المنتقدين، إلى نهاية فترة حكمه. وما يزيد من تعقيدات التحديات الراهنة حقيقة أن عباس لم يعطِ مؤشراً واضحاً بشأن الشخص الذي يرغب بأن يخلفه، الأمر الذي يُحدث فوضى وارتباكاً ويشجع المنافسة خارج المؤسسات بين الخلفاء المحتملين.

ثلاثة سيناريوهات

ثمة ثلاثة سيناريوهات تطرح نفسها. يتمثل السيناريو الأول في أن يقوم عباس، أو خلفاؤه المؤقتون، بإصدار قرار بالعودة إلى القواعد، وإحياء مؤسسات الرقابة القضائية التي همَّشها، وإعادة تفعيل دور الإرادة الشعبية في إجراءات الخلافة.

حتى الآن، ما من شيء يشير إلى أن القادة الفلسطينيين سيختارون هذا المسار، رغم أنه سيكون المسار الأسلم.

في السيناريو الثاني، إما أن يُعين عباس خليفة قبل مغادرته المشهد، أو، إذا لم يفعل ذلك، تختار حركة “فتح” خليفة بعد ذلك. يمكن لمثل هذه الخطوة أن تحقق استقراراً أولياً في العملية الإنتقالية لكن من غير المرجح أن يكون إستقراراً مُستداماً. فمن المرجح أن تتزايد الضغوط بسرعة بين الفلسطينيين من أجل إجراء تصويت شعبي. علاوة على ذلك، فإن أي خليفة لن يتمتع بسلطة عباس بصفته أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية أو يحكم قبضته على المؤسسات الفلسطينية التي سمحت له بتأجيل الانتخابات.

إقرأ على موقع 180  انتفاضة الشيخ جرّاح.. وضمير الشعوب العربية

السيناريو الثالث، وهو بالتأكيد مُحتمل، يتمثل في إنهيار العملية الإنتقالية إلى شكل من أشكال الفوضى، وربما تنشب أعمال عنف بين فصائل مسلحة متحالفة مع سياسيين معينين وتسيطر على أجزاء مختلفة من الضفة الغربية. ومن شأن هذا المآل الأخير أن يُلقي بظلال من الشك على بقاء السلطة الفلسطينية.

مصلحة إسرائيل: تعزيز الإحتلال 

ما تريده الجهات الفاعلة غير الفلسطينية ليس قليل الأهمية أيضاً. فإسرائيل تنظر إلى الوضع في المناطق التي تحتلها بشكل رئيسي بصفتها هاجساً أمنياً؛وهو السبب الرئيسي لقيامها بتحويل السلطة الفلسطينية من “راع” ومشرف” على قيام دولة فلسطينية مستقبلية إلى “مساعد” لإسرائيل في فرض سيطرتها وسطوتها، وهذا ما حدث فعلياً.

ومن أجل إدامة الاحتلال وكل ما يأتي معه، تفضل إسرائيل أن تبقى حلقات القيادة الموجودة حالياً في مواقعها كما هي في حقبة ما بعد عباس. إلا أنها حذرة من المصادقة على أي مرشح بعينه، خشية أن تكون مصادقتها قاتلة سياسياً لذلك الشخص لدى الجمهور الفلسطيني. الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة؛ القادمة من أقصى اليمين المتطرف؛ من شبه المؤكد أن تُحدث عوامل جديدة مزعزعة للإستقرار في احتلالها العسكري؛ مثل تسريع عملية التوسع الاستيطاني، والتحرك نحو الضم الكامل، أو القيام بأفعال إستفزازية في الأماكن الإسلامية المقدسة داخل القدس، التي من شأنها أن تقوّض ما تفضله المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ظاهرياً من محافظة على الوضع القائم.

على نحو مماثل، فإن الدول المجاورة، مثل الأردن ومصر، ورغم أن مسؤوليها يحافظون على صمتهم، فإنهم يفضلون عملية انتقالية لا تغير شيئاً في المعادلة، على الأقل كي لا يحدث شيء مختلف قد يجبرهم على التحرك. وبالنسبة للقوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فإنها تستمر في التعبير لفظياً عن دعمها للديموقراطية حتى عندما توحي بأنها ستكون راضية عما يمكن لإسرائيل وجيرانها أن يقبلوا به أو يشاركون في حدثوه.

إسرائيل حولت السلطة الفلسطينية من “راع” و”مشرف” على قيام دولة فلسطينية مستقبلية إلى “مساعد” لها في فرض سطوتها وإدامة الإحتلال

لا بديل عن الإنتخابات

لا توجد طريقة سهلة لتجديد قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية. لقد سمحت اتفاقات “أوسلو” للدوائر العُليا في منظمة التحرير الفلسطينية بالعودة إلى الضفة الغربية، ولغايات عملية يعود الأمر الآن للفلسطينيين الموجودين هناك الذين قد تُتاح أو لا تُتاح لهم الفرصة لاختيار قائدهم القادم، على الأقل كرئيس للسلطة الفلسطينية.

وفي حين ينبغي على الفلسطينيين أن يستمروا في السعي لتجديد حياتهم السياسية بشكل عام، فإن العملية الانتقالية الوشيكة في الأراضي المحتلة تشير إلى أن الاستعدادات للخلافة ينبغي أن تبدأ هناك وفوراً إذا لم يكن هناك رغبة بجعل الوضع أكثر توتراً مما هو عليه.

ثمة إجراءات دستورية لتحديد الخلافة، والتي ينبغي على القيادة الفلسطينية أن تتخذ خطوات لإعادة توكيدها وترسيخها بعد سنوات من الإهمال. إلَّا أنها من غير المرجح أن تفعل ذلك. كما يبدو أن الجهات الدولية الفاعلة، الضالعة إسمياً في السعي للتوصل إلى حل عادل ودائم للصراع، لن تفعل الكثير لكي تدفع عباس في ذلك الاتجاه. لكن حتى دون استعادة المؤسسات الفلسطينية، قبل أن يغادر عباس المشهد، من الصعب تصور سيناريو لا تتصاعد فيه الضغوط من أجل إجراء انتخابات بعد ذلك مباشرة، حتى لو حدثت العملية الفعلية لتسليم السلطة دون مشاكل. ولذلك، من الحيوي أن تعمل الجهات الفاعلة الأجنبية كل ما بوسعها لدعم عملية تجري بعد مغادرة عباس لمنصبه من شأنها أن تؤكد شرعية أي خليفة يتم اختياره من خلال إجراء انتخابات، في الحد الأدنى انتخابات رئاسية، تُجرى في جميع الأراضي المحتلة، وبالتأكيد عدم الوقوف في وجه مثل تلك العملية.

سيكون ذلك أقل بكثير من تعزيز الجهود المترنحة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكنه سيقلص فرص تسبب عملية خلافة فاشلة بالمزيد من الفوضى أو حتى بإنهيار السلطة الفلسطينية.

– عن “مجموعة الأزمات الدولية“.

– رابط “التقرير الكامل“.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  مُقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان.. فاشلة أم فعّالة؟