بعد أقل من ثلاثة أشهر من سلسلة زيارات قام بها وزراء خارجية دول الخليج العربي – الإمارات العربية المتحدة، قطر، والمملكة العربية السعودية – لموسكو، ذهب وزير الخارجية سيرجي لافروف بنفسه لزيارة زملائه، في وقت يلاحظ فيه أن وتيرة الاتصالات بين روسيا والدول العربية غير مسبوقة.
بدأت الزيارة إلى منطقة الخليج بدولة الإمارات العربية المتحدة. بالنسبة إلى سيرغي لافروف، تمثل أبو ظبي استثناءً. هي مغلقة تقريباً أمام السياح. يجب وضع غير المقيمين الذين يدخلون أبوظبي في الحجر الصحي لمدة عشرة أيام، ويتم إجراء اختبارات “بي سي آر” لكل من يدخل الإمارة، حتى عندما يتعلق الأمر برحلات من دبي المجاورة.
إجراءات الحجر الصحي لم تُطبق على الوفد الروسي دون الحجر الصحي، لكن الوزير ومن يرافقه اضطروا إلى إجراء اختبار قبل الاجتماع مع ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان، والذي حضره أيضاً وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان ومستشار الأمن القومي طحنون بن زايد آل نهيان.
قبل الزيارة، كان الجانب الإماراتي مهتماً بشكل خاص بمعرفة أي من أعضاء الوفد الروسي تم تطعيمه بالفعل ضد فيروس كورونا.
الإمارات العربية المتحدة نفسها من بين رواد العالم من حيث معدلات التطعيم (63.5 لكل 100 شخص). هناك أربعة لقاحات مسجلة في الدولة، ومن بينها لقاح “سبوتنيك” الروسي، بالرغم من أن الأخير لا يمكن استخدامه حتى الآن إلا في حالات الطوارئ.
أعرب سيرغي لافروف عن أمله في أن تتم الموافقة على “سبوتنيك” قريباً للتطعيم الروتيني للسكان. لكن السؤال البديهي هنا هو: حتى ذلك الحين هل سيكون هناك شخص في الإمارات من دون تطعيم؟
خلال المؤتمر الصحافي، عبّر الشيخ عبد الله بكل الطرق الممكنة عن أهمية التعاون الاستراتيجي مع روسيا في مكافحة الوباء، لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك، حين أشار إلى أهمية التنسيق في مكافحة الإرهاب والأمن الغذائي.
كما أشار الوزيران إلى نمو التجارة بين البلدين. في عام 2020 ، نما التبادل التجاري بنسبة 78٪ ووصل إلى 3.27 مليار دولار.
“عندما يكون هناك تركيز على التفاعل، وعلى تنفيذ مشاريع مفيدة للطرفين عملياً، لا يمكن لأي مرض أن يمنع ذلك”، قال سيرجي لافروف، مضيفاً “لدينا مثل هذه العلاقة مع الإمارات العربية المتحدة”.
لكن الأجندة السياسية بعثت على التفاؤل بشكل خاص. في روسيا، تعتبر الإمارات لاعباً رئيسياً في المنطقة، علاوة على ذلك، هي الأقرب إلى موسكو من حيث وجهات النظر، وقد أكد وزير الخارجية الإماراتي ذلك خلال المؤتمر الصحافي، حين أعلن، وبشكل غير متوقع، أن ما يسمى “قانون قيصر” يقوض الحوار مع سوريا.
وقال الشيخ عبد الله إنه ينبغي عودة الاتصالات بين سوريا اللاعبين الإقليميين، وأن تعود أيضاً إلى جامعة الدول العربية.
وأضاف “لا شك في أن ذلك يتطلب أيضاً جهوداً من الجانب السوري، وجهوداً من زملائنا في جامعة الدول العربية. لكن العقبة الأكبر أمام التنسيق والتعاون مع سوريا هو قانون قيصر الذي في شكله الحالي يجعل هذا المسار صعباً للغاية”.
كانت هذه الكلمات هدية لروسيا التي طالما أصرت على رفع العقوبات عن دمشق.
موضوع مشترك آخر لموسكو وأبو ظبي هو الأمن في منطقة الخليج. الإمارات العربية المتحدة، وعلى عكس شريكتها الرئيسية، المملكة العربية السعودية، على اتصال بإيران، بالرغم من الاستياء الجماعي من تدخل طهران في الشؤون الإقليمية.
انطلاقاً من ذلك، تأمل موسكو في أن تدعم أبو ظبي مبادرتها الأمنية الخليجية، التي تم تحديثها في العام 2019، وتتضمن حواراً بين إيران والدول العربية.
يعتقد الدبلوماسيون الروس أن هناك فرصة الآن لواشنطن وطهران للعودة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة باسم “الاتفاق النووي”، ويرون أن المبادرة الروسية وثيقة الصلة بالموضوع.
في هذا السياق، قال لافروف “نرحب بقرار إدارة جو بايدن بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة”، مضيفاً “نعلم أن القرار لم يتم تنفيذه بعد، لأنه في الولايات المتحدة نفسها، كما فهمت، هناك عملية جاربة لفهم كيفية القيام بذلك”.
وفقاً لسيرغي لافروف، ترى موسكو أنه من الممكن وضع خطوات متزامنة يمكن أن تتفق عليها الولايات المتحدة وإيران للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
وابدى لافروف استعداد روسيا لمساعدة كلا الطرفين” “نحن مقتنعون بأنه إذا تم عقد المؤتمر المقترح حول الأمن في منطقة الخليج وفقاً لمبادئ الاحترام المتبادل للمصالح، وعلى أساس المساواة، يمكن التحرك نحو حلول وسط مقبولة للطرفين”.
وبحسب لافروف فإن مثل هذا المؤتمر يمكن أن يشكل اطاراً لمناقشة أية مشاكل وأية مخاوف.
من بين القضايا المشتركة بين روسيا والامارات، يحضر نهج مشترك للاتصال مع اسرائيل.
أيدت موسكو عملية تطبيع العلاقات بين الدول العربية والدولة العبرية، والتي بدأت في العام الماضي في أبو ظبي بمساعدة أميركية، لكنها تؤكد أن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية.
لا بد هنا من الإشارة الى أن الإمارات العربية المتحدة تتعاون مع إسرائيل بشكل وثيق أكثر من موسكو.
بين الخبراء العرب، هناك من يشير الى أن الحوار الاماراتي-الروسي يشمل، من بين أمور أخرى، الملف السوري. لكن الإمارات تفضل عدم التعليق على هذا الموضوع، لا بل أن الوزيرالإماراتي لم يتطرق، خلال المؤتمر الصحافي، حتى إلى المفاوضات مع موسكو بشأن القضايا الإقليمية، بالرغم من أن سيرغي لافروف أشار صراحة الى أنه بالإضافة إلى سوريا وإيران، تمت مناقشة الوضع في اليمن وليبيا.
المسألة الليبية هي الأكثر إلحاحاً. تعمل موسكو وأبو ظبي عن كثب في هذا المجال لدرجة أن الولايات المتحدة اتهمت الإمارات العربية المتحدة بتمويل مرتزقة الشركة العسكرية الخاصة “فاغنر”.
ثمة إضافة غير متوقعة كانت في انتظار سيرغي لافروف في الإمارات، تمثلت في لقائه بسعد الحريري، رئيس وزراء لبنان السابق وربما المستقبلي.
لا توجد حكومة قادرة في لبنان منذ الصيف. حصل سعد الحريري على تفويض بتشكيل حكومة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، لكنه لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن مع القوى السياسية الأخرى، وخاصة تلك المقربة من الرئيس اللبناني ميشال عون.
في غضون ذلك، يزداد الوضع في لبنان سوءًا كل يوم. تراجعت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 15-17٪ في الأيام الأخيرة، ما أدى إلى موجة جديدة من الاحتجاجات. في الوقت نفسه احتدمت العلاقات بين الرئيس وقائد الجيش جوزيف عون، حيث يتنامى استياء العسكريين على خلفية انخفاض رواتبهم، وباتوا غير متحمسين لتفريق المتظاهرين الذين يغلقون الطرقات.
حتى الآن، لا تزال فرنسا الوسيط الرئيسي في الحوار الوطني في لبنان، لكن السياسيين اللبنانيين، بمن فيهم سعد الحريري، يرحبون بأية مساعدة، بما في ذلك من موسكو التي تمتلك علاقات جيدة مع جميع القوى السياسية في لبنان.
خلال الأسبوع الماضي، التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في موسكو بمستشار الرئيس اللبناني أمل أبو زيد. اليوم، وجد سعد الحريري الفرصة للتحدث مع سيرغي لافروف.
مواقف اللاعبين الإقليميين – إيران وجيرانها العرب – مهمة أيضاً لتشكيل الحكومة في لبنان، ولذلك قد تكون جولة سيرغي لافروف مفيدة جدًا.
من أبو ظبي طار الوزير الروسي إلى الرياض، ومن هناك سيتوجه إلى الدوحة.