لا ضرورة ابدا لاستعادة المشاهد وتذكر ما تحفل به المحاكم من احكام غب الطلب. هناك طلاق خلعي بين النصوص والنفوس. النصوص تكفلت بوضع القضاء في جيوب الزعامات والمرجعيات الطائفية والسياسية الكافرة. النص إملاء وامضاء. لذا، لا جديد في ردح القضاء. لقد داوم على جحوده لنفسه. استسلم لحثالات السياسات العاهرة وانتصر للظلم.
الاستثناءات المضيئة والنادرة قضائياً، يحجبها ظلام المسارات القضائية العام، والطريف، أن الناس في لبنان، يعرفون ذلك جيداً. يتعاطون مع القضاء عبر منطق الزبائنية. والزبائنية ليست حكراً على الناس. فهي ايضاً، اختصاص جماعات القضاء ومؤسسات الدولة التابعة والمجرورة برسن المصالح الفاجرة. لبنان ضحية القنص القضائي. كان يمكن تطبيق مبدأ “إن بليتم بالمعاصي فاستتروا”. آثروا الفجور على الكتمان. عُقدت اجتماعات وقيل فيها كلام مهين. طبعاً، لم يشعر أحد بالإهانة. انها مرحلة التمسحة التامة.
المثير في المشاهد القضائية، هو تماهي القطعان اللبنانية، مع “حماتها” الفاسدين. ممنوع أن يكون القضاء متحرراً. هو معتقل من زمان بعيد. تم القبض عليه وأسره بإغراءات المنافع والمناصب. هذا حصل منذ الاستقلال، واستفحل في زمن الاستبداد الطوائفي المتمادي. المتمردون من القضاة، قديسون مجهولون، بل، ومنبوذون. القطعان اللبنانية، كعادتها النتنة، انقسمت: فريق مع غادة عون، لأنها تجرأت، وفريق ضدها عالعمياني، لأنها تجرأت ايضاً.
اننا نستحق هذا الظلم المتمادي والمعمم والخانق. لسان حال الاهتراء الوطني: صَّدق الكذب واكفر بالصدق. البريء، المواطن، الوحيدون، يطلق عليهم لقب الغشمنة. كي تكون لبنانيا صافيا عليك أن تكون فاسداً. وإما مدافعاً عن فساد زعيمك وطائفتك وحثالاتك.
لنعد إلى المشهد القضائي في لبنان. انه قضاء فاخر وفاجر، وهو لم يولد حديثاً. ولد من زمان. عمره من عمر الكيان. أي مما قبل “الاستقلال” هو كذلك مذ كان. لبنان ينتمي إلى منظومة اللا دولة، المنتشرة من المحيط إلى الخليج
المشهد معيب جداً. عورة القضاء يتم استعراضها على الملأ، وبلا خجل. لم يشعر أحد بالعيب ابداً. الارتكاب ليس عيباً. هو واجب يومي. النهب ذكاء. التهرب شطارة، الإعلام “غفور رحيم”، وإما ” حقود لئيم”. تباً.
المشهد لا يُطاق. يلزم أن تكون درجة النذالة عالية جداً. كي تمارس يأسك البنّاء وتمطر الطغمة بسيل من الإهانات التي تليق بها.
بالمناسبة، ما حال مصرف لبنان؟ أين اموال المودعين؟ ما مصير الأموال المهربة! كم يبقى للفقراء الكثر؟ هل سنجوع عن جد؟ هل تقفل المشافي بوجوه المرضى؟ هل.. ثم مئة هل، عن حضيض البؤس وجحيم العيش والافق المغلق.
نعود إلى السؤال الفضيحة. والفضائح عادية. قيل أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة محكوم وليس حاكماً. من اخترع هذه الكذبة! لذا هو معفى عنه من المرجعيات الدولية المطاعة علنا. كيف يستسلم رياض سلامة وهو الحاكم بأمرهم وأمره معاً. انه الاقوى. يا جبل ما يهزك ريح. لن يسقطه التحقيق الجنائي. بل قد يسقط التحقيق الجنائي على دعسات قدميه، وتكون حصة بعبدا الرئاسية مراكمة النداءات، ولا من مجيب.. اختاروا عدوا سهلا. رياض سلامة على مائدته تلتقي قيادات اميركية، تسيَّر قطعانا سياسية، بالإشارة، بالومى.
خلص: لا مغيث البتة. اننا نحفر قعراً آخر، ليستقبلنا. اننا أعداد تضاف إلى من قبلنا.
لنعد إلى المشهد القضائي في لبنان. انه قضاء فاخر وفاجر، وهو لم يولد حديثاً. ولد من زمان. عمره من عمر الكيان. أي مما قبل “الاستقلال” هو كذلك مذ كان. لبنان ينتمي إلى منظومة اللا دولة، المنتشرة من المحيط إلى الخليج. رتبة القضاء في هذه المنطقة تنتمي إلى عصور الانحطاط القديم والحديث. انه قضاء تابع. فتشوا هذه “الدول” الناطقة بالعربية بلكنة اصيلة. ابحثوا فيها عن قضاء مستقل. مستحيل جداً.
هذه الخريطة منكوبة بالاستبداد السياسي والعسكري والاميري والاصولي. سموا لي دولة واحدة كان او يكون فيها القضاء مستقلاً. اننا نعيش عصر الظلمات، فالظلامية انجبت قضاء العتمة، وهذا اصيل جداً، وليس حديثاً بالمرة.
من نكبات هذه البلاد، انها بلاد تدوس فيها السلطة القوانين والدساتير والاعراف والمؤسسات والاخلاق. لا تطرب إلا للغة الأمر. “امرك سيدي”، كم مرة سمعتموها؟ هذا الوباء ولد مع ولادة هذه الكيانات. في زمن الانتداب كان القرار القضائي يصدر عن الحاكم العسكري المنتدب. أو قل، بيد اصغر حاجب في القصر الرئاسي، مع الاعتذار من استعمالي كلمة الحاجب. فالحاجب كائن احترمه جداً. هو حاجب لأنه بحاجة إلى اللقمة. تبا للقمة المغمسة بالذل وبذل الجبين.. دول كثيرة، او كلها، تقريبا، يتقدم فيها الجهاز الامني السري والعلني، على الله وعلى النشيد الوطني وعلى القسم الدستوري. بلاد سائبة والحاكم الفاسد راعيها.
يُروى في لبنان، أن ثاني رئيس حكومة، عبد الحميد كرامي، فوجئ بعد شهور قليلة، بحجم الفساد المستشري في الإدارات والمحاكم والوزارات. كان عمر لبنان المستقل ثلاث سنوات فقط. هاله المنظر. هذا وطن او منهبة؟ أدرك انه ليس في دولة، بل في ملتقى عصابات مدعومة علنا. حاول البناء. مسكين. حلم بوطن. قصد الشيخ بشارة الخوري، اول رئيس للبنان الفساد. اقترح كرامي على الخوري أن يفكفكوا الدولة ومؤسساتها لإعادة بنائها، وفق الاصول والقوانين، وأضاف:”يا فخامة الرئيس، هذه مزرعة وليست دولة”. بهت الرئيس وبحلق بعينيه ثم نطق: “هذا مستحيل”. الرئيس شريك لشركاء في سياسة التبعية والنفعية والعصبية والطائفية والمالية، والمؤتمن على ذلك ليس الا شقيق الرئيس، “السلطان سليم”. عندها قصد كرامي مجلس النواب، تلا بيانا وطالب بالتصويت عليه. نال الاكثرية. عندها، تسلح كرامي بالقرار النهائي؟ قصد الرئيس مرة ثانية ودفع له بكتاب الاستقالة، ومضى إلى التاريخ الصامت، فيما ظل لبنان راكعاً، تحت اقدام زعاماته.
هذا هو لبنان من زمان حتى اليوم. يزداد بؤساً وظلماً. وقضاؤه تابع لا متبوع.
هذا القضاء، كغيره في هذه العتمة العربية القاحلة، هو قضاء يقتل بأمر. بهاتف. باتصال. بكتاب يحمله رجل امن، من مرجعية امنية مخابراتية سياسية. الأمن وأجهزته قدس اقداس الانظمة العربية
في “أخلاقيات المهن القانونية”، نصوص مضيئة لقضاء عادل، طبيعي، تسود فيه النصوص لا النفوس، لو تم التقيد بها، لفازت امرأة قيصر لنزاهة القضاء اللبناني، لكن، عبث، وبكل اسف، لبنان القضاء، ضد الاخلاقيات التي تنص عليها سلوكيات القضاء ونظام آداب مهنة المحامين. عبث مرة أخرى.
في قول للقاضي عبدالله بن وهب، من زمان بعيد، ما يلي: “من أحب المال والشرف وخاف الرؤساء، لم يعدل”. “صح” وألف صح. عندنا، عكس ذلك انهم يحبون المال، بل يعبدونه، ويتقنون فن الوجاهة والصفوف الامامية، ويخافون الرؤساء.. قطعان تطيع فقط. لذا، نحن دولة الفجَّار، جهاراً نهاراً، وبلا خجل، العار عندنا يمشي متباهياً. الفاسد يتجرأ على أن يتحدث ويخطب ضد الفساد. تماما كما كان يفعل القوادون في سوق ماريكا اللبناني.
ما لنا وللنصوص والاخلاقيات. هذا القضاء، كغيره في هذه العتمة العربية القاحلة، هو قضاء يقتل بأمر. بهاتف. باتصال. بكتاب يحمله رجل امن، من مرجعية امنية مخابراتية سياسية. الأمن وأجهزته قدس اقداس الانظمة العربية. فلنتذكر عمليات القتل التي ارتكبها القضاء. هنا في لبنان: اغتيل انطون سعادة في محاكمة شكلية مهينة. اعتقل على الحدود اللبنانية السورية. اعطي الضابط امراً بقتله بحجة الفرار. لم يفعلها الضابط. فعلوها هم. تسلموه فجراً. حاكموه ظهراً، بلا محام ولا مرافعة. لم يسمحوا له برؤية عائلته. ساقوه ليلاً إلى الشاطئ وأعدموه رميا بالرصاص.. كم مفكر عربي قتله الأمن ونفذ الفعل الشنيع قضاء يجثو على جبهته. جولوا قليلاً بالأسماء والدول العربية كافة. أن معظم عظمائنا شهداء بلا محاكمات.
سؤال: كيف يُعاش في هذه البلاد؟
لا عجب، إن جثت كلها على ركبها، ولا تقتات الا من عارها ولحوم مواطنيها.
ما لنا لهذه الحوادث المؤلمة. فلنسأل ما هي صورة القضاء والقضاة في نظر الناس؟ 10 بالمئة من الرأي العام فقط تعجبه احوال القضاء. 64 في المئة تنفي الاعجاب. وعن استقامة القضاء، 36 بالمئة يثقون و64 بالمئة لا ثقة باستقامة القضاء و56 بالمئة من الرأي العام يؤكدون على فساد بين القضاة، ولم ينف الفساد سوى 8 بالمئة (يا للعار). أما المحامون، فـ 59 بالمئة لا تعجبهم احوال واوضاع القضاء. وعن استقامة القضاة فهناك 65 بالمئة من المحامين لا يستطيعون تأكيد وجود استقامة بين القضاة. فيما يؤكد 42 بالمئة وجود فساد و48 بالمئة لم ينفوا وجود فساد.
اما عن الرشوة فحدث ولا حرج.
ما هو رأي القضاة بالقضاء؟
2 فقط من أصل عشرة تعجبهم احوال القضاء عامة، وستة منهم لا تعجبهم في حين يتحفظ اثنان من أصل عشرة. وان هناك 4 من أصل عشرة لم يتمكنوا من رصد واقعة ارتشاء بعض القضاة.
هكذا كان واقع القضاء في العام 2008. نقلا عن “اخلاقيات المهن القانونية” وبرعاية جمعية الدفاع عن الحقوق والحريات “عدل”. أما المحامون، فليسوا افضل حالة وحلة.. فجواب عن سؤال، هل يوجد استقامة لدى المحامين؟ 29 بالمئة فقط قالوا نعم. البقية نفت وجوابا عن سؤال: هل يوجد فساد لدى المحامين؟ 70 بالمئة قالوا نعم.
لا اعرف أن كان بإمكاني بعد اليوم، أن اصغي إلى النشيد الوطني، او اسمع خطبة سياسية، او اتابع برنامجاً حواريا بين سلالة مرتكبين، مختلفة ومتواطئة ومتفقة على الارتكاب. قضية غادة عون عرت القضاء. بصبصوا فيهم. عيوبهم عنوانهم.
أن تكرار الماضي قتل للمستقبل، والوفاء لهذا الماضي المذل جبانة للمستقبل، وقتل للخلاص وشعور مؤلم بالفقدان والفقر.
انما، وكي لا نظل في ظلال المأساة، علينا أن نعرف، أن المستقبل لن يولد دفعة واحدة. انه مخاض مستدام.
فليكن الرهان دائماً على المستقبل.