بسّام ضو, Author at 180Post

800-16.jpg

مأزِقُ السلطةِ في لبنانَ بِنيويٌ عميقٌ. عمرُ المأزِقِ مئةٌ وخمسُ سنواتٍ، منذ إعلانِ ما سُمِّيَ "دولةَ لبنانَ الكبير" في العام 1920. سلطة ٌ بلا دولة فعلية. ودولةٌ بلا هويّة. والمعادلةُ واضحةٌ في هذه الحالةِ: سلطةٌ بلا هُويةٍ. تُعاني من انفصام ٍبين خطابِها اللفظويّ وقدرتِها الفعليّة، ويصبحُ كلُّ كلامٍ عن السيادةِ فقَّاعاتٍ للاستخدامِ العابر.

barrak.jpg

برغم التوضيحات الصادرة عنه، إلا أن توم برّاك ليس موفداً أميركياً عادياً. هو الناطق باسم دونالد ترامب. وعندما يقول إن لبنان إذا لم يتحرك بسرعة كبيرة، كما هو حال سوريا، "فقد يصبح بلاد الشام مرة أخرى" فهو يعني ما يقول جيداً. لم يكتفِ بهذه العبارة بل أضاف إليها: "يقول السوريون لبنان منتجعنا الساحلي. لذا علينا أن نتحرك. وأنا أدرك مدى إحباط اللبنانيين. وهذا الأمر يُحبطني أيضاً".

09090909090909.jpg

ثلاثة عوائق أمام التسوية الداخلية الوطنية في لبنان. أوَّلُها أنَّ السلطة التي لم ترتقِ إلى مستوى دولة لتعلنَ عن برنامجٍ عملي للحوار بالرَّغم من كثرة حديثِها عنه. وثانيها أنَّ هذه السلطة تُعاني من ضَعف الإرادة والاضطرابِ الرؤيوي ما يجعلـُها حتى اللحظة قاصرةً عن صوغ برنامج ٍحواريٍّ تسوويٍّ تعلنه على الرأي العام بشفافية. وثالثها أنَّ الولايات المتحدة الاميركية التي تمارس الابتزاز لا تريدُ تسوية في لبنان. تريد واشنطن بوضوحٍ تامٍ أن تُغطي الاحتلال الإسرائيلي، وأنْ تُبرِّرَ له ممارساته التي تنتهكُ كلَّ القرارات الدوليَّة.

42bf55f43ccc8aa2e5497130c15e30b3.jpg

لو لم يقع العُدوانُ الإسرائيلي – الأميركي على إيران، لكانَ الأمرُ مفاجِئاً فعلاً ، أمَّا وقد وقعَ فلا مفاجأةَ أبداً. ما كان يتسرَّب من أروقة المفاوضات الأميركية – الإيرانية في مسقط وفي روما، كان يشير إلى ذلك، وكان يُؤكِّدُ ثلاثةَ أمور:

capitalism.jpg

الكرةُ الأرضيةُ باتت كرةَ نار. تستعِرُ في كلِّ الجوانب. الحربُ العالميّةُ ليستْ مقبلة. إنَّها قائمةٌ فعلياً ولو بالتقسيطِ الإستراتيجي. الجبهاتُ ثلاثيّة الأبعاد: عسكرياً واقتصادياً وثقافيَّاً. لا ميدانَ خارجَ هذا الصراع ِمهما يكنْ بسيطاً. الرأسماليّةُ الإمبراطوريةُ أوْدَتْ بالعالم إلى هذا الاحتراق.

Palestina_1.jpg

دخلَ العربُ في حالةِ مَواتٍ. تلك هي حقيقتُهم في عصرِنا. المَوَاتُ والموتُ مُتقاطِعانِ تشابُهِيّاً لكنْ متمايزانِ. كلٌّ منهما يتضمَّنُ شيئاً من معنى التلاشي حتى الانحلالِ التاريخي. الثاني (الموت) أقلُّ خُطورةً منَ الأوَّلِ كونُه عند وُقوعِهِ يرسمُ خطاً حاسماً مرَّةً واحدةً. أمَّا الأوَّلُ (الموات) فهو موتٌ مُتعدِّدٌ مُتكرِّرٌ يَستعيدُ المآسي بصورةِ مهازلَ. لا يُفْرَضُ على أصحابِهِ بل هم يختارُونَه ويُسمُّونَهُ حياةً.

5656565656566565656.jpg

عرَّابُ "أوسلو" في لبنان. وَصْفُ "أبو مازن" بالعرَّاب لا يعفي الآخرين في قيادة منظمة التحرير. هؤلاء مسؤولون عن الانزياح الكارثي المتدرِّج والعلني عن خطِّ الثورة الفلسطينية منذ أربعةِ عقودٍ ونيِف. أمَّا الخفيّ في هذا المسار، فله حديثٌ آخر. ليس من العادي مُطلقاً أنْ تتصرَّفَ أيُّ ثورةٍ تحرُّريةٍ في العالـم بمنطـق الأنظمة السلطويّة السياسية والأمنيّة، أو أنْ تختار تكتيكاتٍ التوائيّةً تضرِبُ مسيرةَ الهدفِ الإستراتيجي. المسألة هنا في منتهى الخطورة، كونها تتعلَّقُ برأس قضايا عصرنا: قضية فلسطين.